منحت تراخيص المومسات وعالجت أمراضهن.. ما لا تعرفه عن مستشفى الحوض المرصود
تعتبر مستشفى الحوض المرصود بالسيدة زينب واحدة من أهم مستشفيات علاج الأمراض الجلدية، والتي يقصدها كثيرون بسبب شهرتها وكفاءة أطبائها في هذا التخصص.
لكن كثيرين لا يعرفون أن هذه المستشفى كانت مخصصة للكشف على الموموسات في القاهرة في النصف الأول من القرن العشرين، حيث كن يجتمعن في هذا المكان لأخذ عينات من أجهزتهن التناسلية للفحص، وبالتالي كان المكتب يمنح تراخيص ممارسة البغاء، وفيه كان يتم معالجة الأمراض السرية مثل الزهري والسيلان والقرحة الرخوة ومنع انتشارها.
ويذكر الدكتور عبدالوهاب بكر في كتابه «مجتمع القاهرة السري»، أن الحوض المرصود كان مصدر رعب للمومسات المرخص لهن مهنة البغاء، ففيه يصدر التصريح باستمرار المومس في مهنتها، ومنه يصدر القرار بمنعها من ممارسة المهنة حتى تشفى.
ولهذا المكان كانت ترد إليه أيضاً طوابير النساء المضبوطات اللواتي يحرّضن المارة في الشوارع على الفسق، في حراسة رجال الشرطة للكشف عليهن من الأمراض السرية.
البلطجبة والقوادين
وكان هذا المكان تحاصره فرق البلطجية والقوادين والقوادات وقت الكشف أو عند انتهاء علاج المومس المريضة، ليتسلموها ويعودوا بها إلى بيت الدعارة خشية الهرب.
وفيه أيضاً كانت تتفق التومرجيات والحكيمات مع مديري بيوت الدعارة على تسليم المومسات لهم بعد الكشف، كما كان مكاناً لحجز المصابات بالأمراض السرية إذا لزم الأمر.
لذلك لم يكن غريباً أن يمثل الحوض المرصود مصدر قلق ورهبة لمجتمع البغاء، فهو مكان وصل العيش أو انقطاعه لهذا المجتمع الموبوء.
وعلاوة على ذلك وهذا هو الأهم، فإن الحوض المرصود كان جهاز الإنذار لتفشي الأمراض السرية في القاهرة أو تراجعها، بفضل تقاريره المحكمة التي كانت تبين أحوال العاصمة من حيث انتشار هذه الأمراض ووسائل علاجها وسبل النجاة منها.
وكانت الموسمات الذاهبات للكشف الطبي في مكتب الحوض المرصود يأتين راكبات حناطير، ويرتدين ملابس تكشف أذرعهن وصدورهن، ولم تكن العين تخطئهن بسبب منظرهن المتميز، خاصة وأنهن كن يدخلن مبنى الحوض المرصود الذي لم يكن له من عمل سوى استقبال هؤلاء النسوة.
إخفاء الإصابة
لكن الدراسات التي أجريت أثبتت أن نظام العلاج للمومسات من الأمراض التناسلية كان مجرد خرافة أو أضحوكة، ولم يكن ذات جدوى كبيرة في الواقع، فكثيراً من المومسات كن يتمكن من إخفاء حالة مرضهن بسهولة من خلال غسل محل الإصابة بمحاليل مطهرة فلا تظهر الأعراض الظاهرية، وكن يجتنبن الكشف عندما يعلمن أنهن مريضات.
كما أن البغاء السري – كان يفوق في نشاطه المرخص - جعل من الفحص الطبي في هذا المكتب أمراً عديم القيمة بالنظر لعدم خضوع المومسات المشتغلات بالبغاء للمراقبة الصحية.
هناك سبب آخر يتمثل في أن الأمراض السرية لا تظهر أعراضها إلا بعد مدة طويلة، إذ تكمن الإصابة فترة ثم تأخذ في الظهور تدريجياً – وهو ما يسمى بزمن الحضانة – وهكذا فإن العميل إذا زار المومس في فترة الحضانة فإن المرض ينتقل إليه، ولا يستطيع الكشف الطبي مهما كان دقيقاً أن يكشف المرض، ومن ثم فإن طبيب الحوض المرصود يجيز المومس للعمل، بينما تستمر هي في نقل المرض إلى عملائها.
ولاعتبارات اقتصادية كانت الموسمات يخفين أعراض أمراضهن قدر الإمكان من خلال إهمال العلاج حتى لا ينكشف أمرهن، ويترتب على ذلك زيادة تأثير الأمراض فيهن وصعوبة العلاج، ومع استمرارهن في ممارسة مهنتهن فإن الأمراض السرية تتزايد ويصبح العلاج عديم الجدوى.
كما كان نظام استقبال المومسات المريضات يُسند للممرضات و«التومرجيات» والحكيمات لا يبعث على ارتياح المريضات، فكن يُستقبلن بأبشع الألفاظ وأحط النعوت، فلا عجب والأمر كذلك أن تبذل المومس أقصى جهدها لتنجو من الذهاب للعلاج في هذا المكان، ما يعني انقطاع المومس عن العلاج واستمرار حملها للمرض التناسلي لتنقله إلى عملائها.