تأميم القناة .. كواليس أخطر قرار سياسي عرفته مصر
"تؤمم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية شركة مساهمة مصرية " بهذه الكلمات التى أطلقها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر اهتزت أركان ميدان المنشية بالأسكندرية والعالم أجمع بأخطر قرار سياسي فى القرن العشرين غير تاريخ مصر و الوطن العربى .
وتعود كواليس القرار عندما استدعى عبد الناصر في سرية تامة المهندس محمود يونس رئيس الهيئة العامة للبترول فى يوم 24 يوليو 1956 إلى مقر مجلس الوزراء وأبلغه بعزمه على تأميم قناة السويس وأنه سيصدر قرارا بذلك مساء يوم 26 يوليو 1956 أثناء خطبته فى الإسكندرية.
كلفه عبد الناصر بتنفيذ هذه المهمة وفى الوقت نفسه استدعى الرئيس جمال عبد الناصر المهندس عبد الحميد أبو بكر سكرتير عام الهيئة العامة للبترول فى ذلك الوقت وأبلغه بأنه قرر تأميم قناة السويس وأنه مكلف مع المهندس محمود يونس بالتنفيذ.
كانت كلمة السر هى " ديلسيبس " التى سيذكرها فى خطبته فى المنشية وقد طلب المهندس محمود يونس من الرئيس جمال عبد الناصر أن ينضم إليهما المهندس محمد عزت عادل، السكرتير المساعد للهيئة المصرية العامة للبترول فى ذلك الوقت.
وافق عبد الناصر على هذا الطلب وعهد إلى محمود يونس بالبدء فورًا فى مهمة اختيار المجموعة التى ستتولى تنفيذ المهمة تحت قيادته على أن يكون الإختيار من بين الأفراد الموثوق فيهم ومن ذوى الخبرة والكفاءة وكلفه أيضًا بإعداد خطة عملية لتنفيذ التأميم والمحافظة على السرية التامة.
تجمع أعضاء مجموعة التأميم وهم ثمانية من القوات المسلحة وأحد عشر من قطاع البترول وواحد من الشرطة واثنان من الفنيين وأربعة من وزراء التجارة الذين كانوا ضباطًا جامعيين فى الثانية عشر ظهر يوم 26 يوليو 1956 فى مقر القيادة العامة للقوات المسلحة بكوبرى القبة ولم يفصح لهم عن المهمة الحقيقية المكلفين بها.
وكانت التعليمات الأولية لهم أن المجموعة مكلفة بمأمورية سرية جدًا فى الصحراء الغربية حتى التقوا في تمام الساعة الثانية والنصف ظهرا يوم 26 يوليو في حضور 6 سيارات نقلتهم إلى مقر القيادة الساعة الثالثة ليصلوا إلى معسكر الجلاء بالاسماعيلية فيخبرهم المهندس محمود يونس أنهم مكلفين بتنفيذ قرار تأميم قناة السويس.
بالفعل تقسموا إلى 3 مجموعات على أن تتولى المجموعة الأولى السيطرة على الإدارة الرئيسية للقناة بالإسماعيلية والمجموعة الثانية إدارة فرع بورسعيد والمجموعة الثالثة إدارة فرع السويس أما مكتب القاهرة فقد كلفت به مجموعة تركت فى القاهرة.
وبمجرد سماع كلمة السر "ديلسيبس" فى خطاب الرئيس عبدالناصر بدأ تحرك المجموعات ونفذت كل مجموعة ما عهد إليها من تعليمات بمعاونة المحافظين ورجال الأمن والقوات المسلحة و تم الاستيلاء على مبنى القناة بالإسماعيلية خلال ربع ساعة فقط.
وروى المؤرخ علي الحفناوي نجل مصطفى الحفناوي كواليس لقاء والده مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قبل تأميم قناة السويس.
وقال علي الحفناوي أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر طلب من والده صياغة قرار تأميم قناة السويس.
وأضاف على الحفناوي: "والدي فوجئ بأن كل الكتب والرسائل المتواجدة على مكتب عبد الناصر خاصة به حول مطلب تأميم قناة السويس".
وتابع على الحفناوي: "عبد الناصر طلب من والدي رواية قصة قناة السويس منذ ديليسبس بكل جوانبها القانونية والمالية والاقتصادية".
وأكمل على الحفناوي: "تم كتابة مسودة قرار التأميم، وكان من المهم ان يتم توضيح قانونية الشركة التي يتم تأميمها انها شركة مساهمة مصرية تكون خاضعة للقوانين المصرية".
وبالطبع لم يمر الأمر مرور الكرام حيث أعلنت بريطانيا احتجاجها على القرار بعدها قامت هيئة المنتفعين بقناة السويس بسحب المرشدين الأجانب بالقناة لإثبات عدم قدرة مصر على إدارة القناة بمفردها.
إلا أن مصر أثبتت عكس ذلك واستطاعت تشغيل القناة بإدارة مصرية كان على رأسها مهندس عملية التأميم محمود يونس بمرافقة زميليه عبد الحميد أبو بكر ومحمد عزت عادل.
وكان قرار التأميم بمثابة الشرارة الأولى فى تحدى ثورة 23 يوليو للإمبراطوريات الاستعمارية فى وقت كانت تسيطر فيه هذه الامبراطوريات على معظم الدول الإفريقية والآسيوية ولم تنبع خطورة القرار من توقيت اتخاذه فقط وإنما من الصمود فى تحمل ومواجهة ردود أفعاله.
و" الموجز" ينشر فيديو خطاب الرئيس جمال عبد الناصر الذى أعلن خلاله قرار تأميم القناة احتفاءاً بذكرى التأميم