الإفتاء : يجوز أن يستغيث المسلم بالجن أو الإنس أو الملائكة في هذه الحالات

دار الإفتاء المصرية
دار الإفتاء المصرية

ورد إلي دار الإفتاء المصرية سؤال يقول " ما معنى حديث: «يا عباد الله أغيثوني»، ومدى صحته والعمل به؟"

وأجابت الإفتاء عبر موقعها الإلكتروني بأن هذا الحديث يفيد جواز الاستعانة والاستغاثة بالمخلوقين فيما يقدرون عليه لقضاء الحوائج.

وحول مدي صحة الحديث، أوضحت دار الإفتاء أن هذا الحديث له شواهد حسنة كثيرة منها، حديث ابن عباس رواه البزار في مسنده: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن لله ملائكة في الأرض سوى الحفظة يكتبون ما سقط من ورق الشجر فإذا أصاب أحدكم عرجة بأرض فلاة فليناد: أعينوا عباد الله». وقال: «وهذا الكلام لا نعلمه يروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد». [مسند البزار: 11/ 181، ط. مكتبة العلوم والحكم]. قال الهيثمي: «رواه البزار ورجاله ثقات» [مجمع الزوائد للهيثمي: 10/ 132، ط. مكتبة القدسي].

وتابعت : روي البيهقي في "شعب الإيمان" بلفظ: «إِنَّ للهِ عَزَّ وَجَلَّ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ سِوَى الْحَفَظَةِ يَكْتُبُونَ مَا يَسْقُطُ مِنْ وَرَقِ الشَّجَرِ، فَإِذَا أَصَابَ أَحَدَكُمْ عَرْجَةٌ فِي الْأَرْضِ لَا يَقْدِرُ فِيهَا عَلَى الْأَعْوَانِ فَلْيَصِحْ، فَلْيَقُلْ: عِبَادَ اللهِ، أَغِيثُونَا أَوْ أَعِينُونَا رَحِمَكُمُ اللهُ، فَإِنَّهُ سَيُعَانُ»، وفي لفظ آخر: «إِنَّ للهِ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يُسَمَّونَ الْحَفَظَةَ، يَكْتُبُونَ مَا يَقَعُ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَرَقِ الشَّجَرِ، فَمَا أَصَابَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَرْجَةٌ أَوِ احْتَاجَ إِلَى عَوْنٍ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ فَلْيَقُلْ: أَعِينُونَا عِبَادَ اللهِ، رَحِمَكُمُ اللهُ، فَإِنَّهُ يُعَانُ إِنْ شَاءَ اللهُ»، ورواه ابن شيبة في "المصنف".

وأشارت دار الإفتاء إلي شاهد آخر من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه رواه الطبراني، وأبو يعلى في "مسنده"، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" عن أبي يعلى، وابن حجر العسقلاني في "المطالب العالية"، وذكره النووي في "الأذكار" عن ابن السني من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا انْفَلَتَتْ دَابَّةُ أَحَدِكُمْ بِأَرْضِ فَلَاةٍ فَلْيُنَادِ: يَا عِبَادَ اللهِ احْبِسُوا عَلَيَّ، يَا عِبَادَ اللهِ احْبِسُوا عَلَيَّ؛ فَإِنَّ للهِ فِي الْأَرْضِ حَاضِرًا سَيَحْبِسُهُ عَلَيْكُمْ».

وأضافت قال العلامة ابن علان الصديقي في "شرحه على الأذكار للنووي" (5/ 151، ط. دار إحياء التراث العربي): [قال الحافظ ابن حجر: هذا حديث حسن الإسناد غريب جدًّا، أخرجه البزار وقال: لا نعلم يروى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد] اهـ. وحسنه الحافظ السخاوي أيضًا في "الابتهاج بأذكار المسافر الحاج"، وقال المحدث الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/ 132): [رجاله ثقات] اهـ.

وهو حسنٌ؛ لتعدد طرقه واعتضادها ببعض كما صرح بذلك ابن علان في "شرحه لأذكار النووي".

وأوضحت دار الإفتاء أن هذا الحديث يعني أن الإنسان إذا انفلتت منه دابته في مكان خال من الناس، أو ضاع منه شيءٌ، أو ضلَّ الطريق، أو نحو ذلك، فإنه ينادي بهذا الدعاء الذي علمه لنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيعينه عباد الله في الأرض إنسًا أو جنًّا أو ملائكة، فتُحبس الدابة له بإذن الله.

وقال الحافظ عبد الله بن الصديق الغماري في "الرد المحكم المتين على كتاب القول المبين" (ص: 41، ط. مكتبة العهد الجديد): [ففي هذا الحديث جواز استغاثة المخلوق، والاستعانة به، وذلك لا يكون بالضرورة إلا فيما يقدر عليه، ويليق به، أما الإغاثة المطلقة، والإعانة المطلقة، فهما مختصان بالله تعالى، لا يطلبان إلا منه، وهذا معلوم من الدين بالضرورة] اهـ.

وروى الإمام النووي في "الأذكار" (ص: 224، ط. دار الفكر) هذا الحديث عن ابن السني ثم قال: [قلت: حكى لي بعض شيوخنا الكبار في العلم أنه أفلتت له دابة -أظنها بغلة- وكان يعرف هذا الحديث، فقاله، فحبسها الله عليهم في الحال، وكنت أنا مرة مع جماعة، فانفلتت منها بهيمة وعجزوا عنها، فقلته، فوقفت في الحال بغير سبب سوى هذا الكلام] اهـ.

وروى عبد الله بن أحمد عن أبيه الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله قال: "حججت خمس حجج، فضللت الطريق، وكنت ماشيًا، فجعلت أقول: يا عباد الله دلوني على الطريق، فلم أزل أقول ذلك حتى وقفت على الطريق" اهـ. "مسائل الإمام أحمد برواية ابنه عبد الله" (ص: 245، ط. المكتب الإسلامي).

وروى الإمام السيوطي هذا الحديث في "التيسير بشرح الجامع الصغير" (1/ 82، ط. مكتبة الإمام الشافعي)، وشرحه العلامة المناوي فقال: [«إِذا انفلتت دَابَّة أحدكُم» أَي فرت وَخرجت مسرعة «بِأَرْض فلاة» أَي قفر لَا مَاء فِيهَا، لَكِن المُرَاد هُنَا بَريَّة لَيْسَ فِيهَا أحد كَمَا يدل لَهُ رِوَايَة: «لَيْسَ بهَا أنيس»، «فليناد» بِأَعْلَى صَوته «يَا عباد الله احْبِسُوا عليّ دَابَّتي» أَي امنعوها من الْهَرَب «فَإِن لله فِي الأَرْض حَاضرًا» أَي خلقًا من خلقه: إنسيًّا أَو جنيًّا أَو ملكًا لَا يغيب «سيحبسه عَلَيْكُم» أَي الْحَيَوَان المنفلت، فَإِذا قَالَ ذَلِك -بنية صَادِقَة وَتوجه تامّ- حصل المُرَاد بعون الْملك الْجواد] اهـ.

واختتمت الدار فتواها قائله " بناء عليه فإن الحديث المذكور حسنٌ بشواهده، ويفيد جواز الاستعانة والاستغاثة بالمخلوقين فيما يقدرون عليه لقضاء الحوائج".

تم نسخ الرابط