عبد الحميد الديب.. شاعر أدمن الكوكايين وكتب أشهر قصيدة بذيئة في تاريخ مصر
حياة بؤس وشقاء عاشها الشاعر عبدالحميد الديب، والذي لم تمكنه الظروف من التحليق في سماء الشعر مع شعراء عصره، فاتجه إلى السوداوية، وهجا المجتمع بعبارات بذيئة، حتى بات معروفاً بصاحب أشهر قصيدة بذيئة في تاريخ مصر.
ولد الشاعر في قرية كمشيش بمحافظة المنوفية، وكانت أسرته فقيرة، ولكن والده كان من علماء الدين المعروفين في قريته، فحاول تهيئة ابنه للدراسة في الأزهر، فتعلم الابن في كُتاب القرية كما كانت العادة عند أهل الريف، ثم نزح على القاهرة ليتلقى تعليمه في الأزهر، ولكنه لم يستطع أن يكمل تعليمه بسبب فقره الشديد، فانقطع عن التعليم وظل بعيداً عنه حتى نهاية حياته.
وبسبب الفقر عاش الشاعر حياة لا يمكن وصفها إلا بأنها مأساوية سيطر عليها البؤس والضياع، وعانى الشاعر من هذا الوضع المتدهور معظم سنوات حياته التي امتدت 45 عاماً، حيث ولد سنة 1898 وتوفى سنة 1943.
و«الديب» هو صاحب أشهر قصيدة بذيئة في الشعر العربي الحديث، وهي قصيدة حفظها بعض الأدباء الذين عاصروه، وعنهم حفظها بعض أدباء الجيل التالي لهم، ولكن لم يستطع أحد أن ينشرها في دراسة عن الشاعر، بل إن أحداً لم يعطف على جمع قصائده الأخرى في ديوان كامل.
وحتى لو قام أديب بجمع ديوان «الديب» فإن التقاليد والقيم الأخلاقية لم تعد تسمح بنشر مثل هذه القصيدة، رغم أن الأدب العربي في مراحله القديمة السابقة لم يكن يجد حرجاً في تسجيل مثل هذه النصوص، فكتاب «الأغاني» وكتاب «يتيمة الدهر»، وغيرها من الموسوعات الأدبية الكبيرة كانت تسجل مثل هذه النصوص دون تردد.
ولا يوجد في القصيدة البذيئة التي عُرف بها عبدالحميد الديب سوى القليل مما يمكن نشره مثل قوله:
وهام بي الأسى والبؤس حتى كأني عبلة والبؤس عنتر
كأني حائط كتبوا عليه هنا يا أيها المزنوق (....)
واللفظة الأخيرة في البيتين لا يمكن كتابتها ونشرها على الرأي العام، والقصيدة كلها هجاء للمجتمع وللظروف التي كان يعانيها الشاعر، وفيها تصوير فاحش لأحوال الشاعر نفسه وتجاربه وصدامه الحاد مع الناس والحياة.
على أن «الديب» لم يعرف له أحد سوى هذه القصيدة المليئة بالألفاظ والصور البذيئة، وإن كانت له أشعار متفرقة تتضمن هجاء عنيفاً لبعض رجال الأدب والصحافة في عصره، مما يصور سخطه الشديد على وضعه البائس وإهمال المجتمع والناس له، ومن ذلك بيته المشهور الذي يقول فيه:
يا رجال الشعر والفن الرصين لعن الله أباكم أجمعين
ومن ذلك قوله عن جبرائيل تقلا صاحب جريدة الأهرام:
أموت بحسرة إن ضاع عمري ولم أظفر بجبرائيل تقلا
ولم أنج البلاد ومن عليها من الشوام تشريداً وقتلاً
ويمكن القول أن سخط «الديب» على صاحب الأهرام وغيره من «الشوام» راجع إلى أنهم كانوا في عصره يملكون أهم المؤسسات الصحفية في مصر ومنها الأهرام ودار الهلال والمقطم، ولم يستطع الديب أن يجد لنفسه عملاً في تلك المؤسسات، فثار وعبر عن سخطه عليهم.
والواضح أن «الديب» لم يكن من الشخصيات القوية صاحبة الإرادة والعزيمة، وصاحبة الحيلة الواسعة في مواجهة الحياة، فكان لا يجيد شيئاً في حياته غير كتابة الشعر، وكان لا يستطيع الاعتماد على نفسه، وإنما كان بحاجة إلى توجيه الآخرين ومساعدتهم والاعتماد عليهم.
عاش الشاعر الديب في نفس الجيل الذي عاش فيه طه حسين والعقاد والمازني وزكي مبارك وغيرهم من الرواد، ولا يوجد بين الديب وهؤلاء إلا فارق محدود في السن لا يتجاوز بضع سنوات قليلة، وقد نشأ معظم هؤلاء في نفس الطبقة الفقيرة التي نشأ فيها «الديب»، وبعضهم لم يستطع إكمال تعليمه ومع ذلك جاهدوا للتغلب على الظروف والعقبات التي وقفت في وجههم، فنالوا من الثقافة العربية درجة عالية رفيعة، ودرسوا اللغات الأجنبية بدقة وعناية، وتعرفوا على الآداب الأوروبية بصورة جعات منهم رواداً كباراً في مجال تطوير الثقافة العربية وهذا ما لم يفعله «الديب».
على أن ضعف الإرادة عند «الديب» أدى به إلى إدمان مخدر الكوكايين الذي أهلك جسمه ودمر أعصابه، وذهب بالبقية من صحته النفسية والعقلية.
اونتهى به هذا المخدر إلى السجن، وإلى مستشفى المجانين، ولكنه لم يستطع أبداً أن يتخلص من سطوة هذا الداء، لا عن طريق السجن ولا عن طريق المستشفى.