ضم 400 قاصر.. قصة أكبر تنظيم لتجارة البغاء في تاريخ مصر
في عام 1923 انشغل الرأي العام المصري بالأخبار المتداولة عن ضبط تنظيم بغاء ضم عددًا كبيرًا من الداعرات، وكان بينهن قاصرات كشفت التحقيقات عن طريقة جذبهن للتنظيم.
بدأت وقائع هذه القضية بقيام النائب العام محمد إبراهيم باشا بنشر بيان نشرته صحيفة الأهرام في 23 ديسمبر، عن قضية بدأت وقائعها بتحقيقات أجرتها نيابة السيدة زينب في بلاغ عن أن بنتاً قاصراً عمرها 14 سنة قابلتها امرأة بجوار ضريح السيدة زينب ورغبّتها في الذهاب إلى منزلها لتزوجها بابنها، فذهبت معها، وبعد ثلاثة أيام أعطتها مخدراً، وأدخلت عليها شخصاً ففض بكارتها.
فتحت النيابة تحقيقاً في جناية هتك عرض أخرى خاصة بفتاة تدعى زينب عبدالخالق، وقبل أن ينتهي التحقيق في الجنايتين، ذهب وكيل النيابة إلى منطقة "الحوض المرصود"، وأحضر من هناك ثلاثين بنتاً اشتبه في أن سنهن أقل من 18 عامًا في نقطة المومسات في زينهم، كما ضٌبطت بعض الفتيات في منطقة "الوسعة" وبلغ عدد المتهمين في هذه القضية 52 رجلاً وامرأة.
توسعت التحقيقات لتكشف أن هناك تنظيماً يغوي الفتيات القاصرات، ثم يؤخذن إلى بيوت الدعارة للعمل بالإكراه، بتزويجهن ثم تطليقهن بعد 24 ساعة ليدخلن في طابور المومسات، وذلك بتواطؤ بين العصابة والشرطة.
وتبين أن هناك 400 فتاة بيع أكثرهن في أسواق الرقيق الأبيض، ويترأس هذا التنظيم شخص يدعى إبراهيم الغربي، الذي يدير عمليات الرقيق الأبيض من إسنا إلى الإسكندرية، والفتيات اللاتي يقعن في قبضة تنظيمه يرسلهن ليلاً من بلادهن في حراسة رجاله، فيصلن إلى القاهرة أو الإسكندرية قبل غروب الشمس.
وقدم الغربي إلى القاهرة عام 1890 وبدأ حياته الفاسدة بافتتاح بيت للبغاء العلني في شارع وابور المياه في بولاق، ولم يمض عام حتى كان امتلك البيت وأضحى من أصحاب الثروات الكبيرة، ثم افتتح عام 1896 منزلًا كبيرًا في منطقة الوسعة لتشغيل المومسات وألحق به مقهى بلدية للرقص.
ولم تكن هذه المقهى أول مقهى في تاريخ مصر تقدم فيه رقصات فحسب، بل قدمت فيه أول رقصة خليعة عرفت لاحقًا برقصة البطن الفاسدة.
وكان الغربي حينما قُبض عليه يلبس ملابس النساء، فمل زُج به في سجن الاستئناف، أحضروا له ثوب رجل، وقرر المحقق أن يكشف الطبيب الشرعي على "الغربي" لمعرفة حالته، وتقرير مدى مسئوليته في الجنايات التي اشترك فيها. وقرر حبسه ومجموعة أخرى معه من الرجال والنساء بتهمة استغواء النساء وتحريض الفتيات على البغاء والعدوان على شرف القاصرات منهن.
أحضر المتهمون حشداً من المحامين أثناء عرضهم أمام النيابة وانتهت القضية بالحكم على الغربي بالسجن في منتصف عام 1924 خمس سنوات مع الأشغال الشاقة، ومات في السجن بعد نحو عام.
وحين مات كانت ممتلكاته حسب الدكتور عبدالوهاب بكر: "54 بيتاً فى حى باب الشعرية قيمتها وما تحويه 50 ألف جنيه، و156 سوار ذهب خالص وزمرد وماس، عدا تاج كان يلبسه فوق رأسه قيمته ثلاثة آلاف جنيه بأسعار وقتئذ وكسوة للتشريفة كان يرتديها فى الحفلات الرسمية قيمتها 500 جنيه، إلى جانب 10 آلاف جنيه".
كان الغربي يمارس الجريمة المنظمة في البلاد ويضمّ تنظيمه الإجرامي أعضاء، لكل منهم دوره مثل نظام المافيا في أوربا والولايات المتحدة، كما اتضح أن تنظيم الغربي سيطر على أجهزة الأمن والإدارة في القاهرة وتواطأ الكثيرون معه.