عندما حُبست أم كلثوم في بدروم قصر بحلوان.. اعرف القصة
قبل انتقالها من قريتها "طماي الزهايرة" بمحافظة الدقهلية إلى القاهرة للإقامة فيها، كانت أم كلثوم تسافر إلى المدن لإحياء الحفلات، ما عرضها لكثير من المواقف الغريبة، لكن أكثرها إثارة كانت في حلوان عندما تعرضت للحبس في بدروم قصر عز الدين يكن بيك، عندما كانت تحيي هناك حفلة بمناسبة ليلة "الإسراء والمعراج".. فما هي قصة هذه الليلة؟.
المعروف أن أم كلثوم تعلمت الغناء من والدها في سن صغيرة، وعلمها أيضًا تلاوة القرآن، وقد ذكرت أنها حفظته عن ظهر قلب، وبدأت مسيرتها الاحترافية كمنشدة بسن الثانية عشرة، وكانت تغني وهي تلبس العقال وملابس الأولاد.
وقد تعرف والدها على الشيخين زكريا أحمد وأبو العلا محمد، اللذين أتيا إلى السنبلاوين لإحياء ليالي رمضان وبكثير من الإلحاح أقنعا الأب بالانتقال إلى القاهرة ومعه أم كلثوم، وذلك في عام 1916، كانت تلك الخطوة الأولى في مشوارها الفني، وأحيت ليلة الإسراء والمعراج بقصر عز الدين يكن باشا، وأعطتها سيدة القصر خاتمًا ذهبيًا وتلقت أم كلثوم 3 جنيهات أجراً لها.
وقد روت كوكب الشرق تفاصيل هذه القصة التي وقعت أحداثها سنة 1917 في مذكراتها التي نُشرت بجريدة "الجمهورية" في يناير 1970، فبعد أن رآها عز الدين يكن، أمر بأن تبقى فى بدروم القصر ومن معها حتى لا يراها أحد، واستدعى الشيخ إسماعيل سكر لأحياء الليلة.
قضت "أم كلثوم" ليلة رهيبة فى البدروم تبكى دون انقطاع، فرق قلب "الخدم" وأبلغوا زوجة "عز الدين" فنزلت إليها لترتمى "أم كلثوم" فى أحضانها قائلة:"حرام كده نتحبس هنا، طيب سيبونا نروح مادام مفيش ليلة، أعمل إيه حظى كده، وأنا ياست كنت واضعة أمل على الليلة بتاعتكم دى، أنا قلت لأبويا وأنا فى الطريق إن السعد موعدنا بعد المعازيم الكبار ما يسمعونى، لكن ربنا يمكن له حكمة فى اللى حصل".
ربتت زوجة "يكن" على أكتاف أم كلثوم وأحاطتها بذراعيها هامسة:"انت صعبانة علىّ خالص والنبى، أصل عز بيه يا بنتى كان فكرك مبهرجة زى الستات اللى بيغنوا فى مصر"، فردت أم كلثوم:"أنا يا ست عايشة فى الفلاحين، ما أقدرش اتبهرج وألبس غير الحشمة، إحنا ناس بتوع ربنا بندور على لقمة العيش بعرقنا واللى جاى يدوب على قد اللى رايح".
رق قلب الزوجة لـ"أم كلثوم"، فطلبت منها الغناء، فغنت:"سبحان من أرسله رحمة لكل من يسمع ويبصر"، وخرجت زوجة "البيه" والدموع تبلل خديها وصعدت إلى زوجها لتقنعه بسماع هذا الصوت النادر، فاستمع إليها وحيدا، ثم قال لها:"حقك على يا ابنتى، سامحينى علشان خاطر النبى، أنا هاعوض لك كل اللى حصل، هاديكى زى ما إنت عايزة، إنت تستهلى مال قارون"، وطلب منها الغناء أمام المدعوين فغنت ليهتز الحاضرون لها بما فيهم الشيخ إسماعيل سكر، الذى اشترك مع بطانة المطربة المفاجأة، بعد أن شاهد "البيه" يخلع طربوشه، وكان هذا التصرف دليل الإعجاب فى مثل هذه الحالات.
كان أجر "أم كلثوم" لهذه الليلة طبقا لعقد الموقع ثلاثة جنيهات، وهو مبلغ مجزى وكبير وقتئذ، وذلك خلاف مصاريف الانتقال، وكان من ضمن بنود العقد أنه فى حالة تأخرها يدفع والدها الذى وقع على عقد الاتفاق عشرة جنيهات غرامة، فقرر "البيه" أن يمنحها أكثر مما نص عليه العقد.
بعد هذه الليلة ذيع صيت أم كلثوم، وفي 1921 استقرت في القاهرة، وكانت تغني في مسرح البوسفور في ميدان رمسيس بدون فرقة موسيقية، وغنت على مسرح حديقة الأزيكية واشتهرت بقصيدة "وحقك أنت المنى والطلب"، وتعد هذه أول أسطوانة لها صدرت في منتصف العشرينيات وبيع منها ثمانية عشر ألف أسطوانة.
تعلمت أم كلثوم أصول الموسيقى من أمين المهدي، وكذلك تعلمت عزف العود على يدي محمود رحمي ومحمد القصبحي الذي ساهم في تأسيس أول فرقة موسيقية لها بالتعاون مع الشيخ أبو العلا محمد والشاعر أحمد رامي.
أعلنت اعتزالها الغناء لأول مرة في سبتمبر 1952 بعد إلغاء انتخابات نقيب الموسيقيين وتنصيب منافسها الموسيقار محمد عبد الوهاب نقيبًا بالتعيين، وذهب إليها وفد مكون من جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر وصلاح سالم أعضاء مجلس قيادة الثورة؛ لإقناعها بالعدول عن قرارها واستجابت لهم.
ورغم أن أم كلثوم كانت مطربة بالأساس وأعمالها السينمائية لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، إلا أنها متواجدة ضمن قائمة أهم 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية بعملها الأشهر "دنانير" الذي عرض للمرة الأولى عام 1940، وشاركها بطولته سليمان نجيب، وفؤاد شفيق، ويحيى شاهين، وآمال زايد، وعمر وصفى، محمود رضا، وحسن كامل، وسعيد خليل، وسرينا المصرية، وأدموند تويما، ومن الراقصات ببا إبراهيم، وتحية كاريوكا، والفيلم قصة وأغاني أحمد رامي، وألحان محمد القصبجي وزكريا أحمد ورياض السنباطي، والموسيقى التصويرية لمحمد حسن الشجاعي، وسيناريو وإخراج أحمد بدرخان.
بعد الكثير من الشائعات عن زيجاتها السرية، أعلنت أم كلثوم عام 1954 زواجها رسميًا من الدكتور حسن السيد الحفناوي، واستمر الزواج حتى وفاتها، وكانت قد سبقته خطوبة معلنة.
بدأت حالتها الصحية تسوء منذ عام 1971، مع إصابتها بالتهاب الكلى فانقطعت عن تقديم الحفلات، وكانت أغنية "ليلة حب" آخر ما غنت في 17 نوفمبر 1972، وفي 21 يناير 1975 كانت ستموت رغم تلقي العلاج في لندن، وعند الساعة الرابعة مساء يوم الاثنين 3 فبراير 1975 أُعلن وفاتها رسميًا بسبب قصور عضلة القلب عن عمر يناهز 76 عاماً، وتم تشيع جنازتها في مسجد عمر مكرم.