لماذا أصر ”عبد الناصر” على أن تكون أديس أبابا مقرا لمنظمة الوحدة الأفريقية؟
في يوليو عام 1964، عٌقد المؤتمر الأول لمنظمة الوحدة الأفريقية في القاهرة، حيث ناقش الزعماء الأفارقة المجتمعون عددًا من القضايا التي تهم دولهم بعد الاستقلال.
وفي هذا المؤتمر، اقترح الرئيس جمال عبد الناصر أن تكون العاصمة الإثيوبية أديس أبابا مقراً دائماً لمنظمة الوحدة الأفريقية، ولم يقترح القاهرة، رغم أن نفوذ مصر في أفريقيا وقتئذ كان يؤهلها لذلك.
جاء اقتراح "عبدالناصر" كما يقول محمد حسنين هيكل في كتابه "سنوات الغليان"، لاعتبارات مصرية خالصة تتعلق بالعلاقة مع أثيوبيا، لإيمانه الدائم أن مصر عليها مراعاة مشاعر أديس أبابا إلى أقصى حد ممكن في إطار سياستها المائية، ولأجل ذلك جاء اقتراحه بأ"أديس أبابا" مقراً للمنظمة الوليدة.
ويضيف هيكل أنه بصرف النظر عن اعتراضات بعض الزعماء الأفريقيين الجدد على شخص الإمبراطور هيلاسيلاسي حاكم إثيوبيا، الذي يبدو وكأنه شخصية منتزعة من قلب أساطير القرون الوسطى، فإن جمال عبد الناصر كان يؤمن بأن أحداً لا يحق له أن ينكر دوره في الكفاح الأفريقي، كما أن مصر عليها أن تجامله إلى آخر الحدود، حتى وإن كان حكمه الإقطاعي نقيضاً لأفكار ودعوات مصر الثورية.
يذكر "هيكل" في كتابه أن الزعماء الأفارقة عبروا عن أوجاع شعوبهم في هذه القمة، فتحدث الرئيس الجزائرى أحمد بن بيلا عن الطريقة التى تصرف بها آخر مقيم فرنسى عام فى الجزائر قبل الاستقلال، ووصل به الأمر إلى حد شحن كل ما كان موجودا فى القصور من تحف وأثاث، حتى حمل معه لمبات الكهرباء التى كانت تضىء مقره، الذى تحول فيما بعد إلى قصر الشعب.
وبحسب "هيكل" تساءل الرئيس التنزانى نيريرى: هل يعقل أن بلدا مثل بلجيكا يستعمر بلدا مثل الكونجو، وهى أكبر من بلجيكا فى الحجم 77 مرة - مساحة الكونغو 2 مليون و354 ألف كيلو متر مربع، ومساحة بلجيكا 30 ألفا و688 كيلو مترا مربعا؟.
وأضاف نيريرى: الأسوأ من ذلك أن مستعمرة الكونغو كانت من أولها إلى آخرها ملكا شخصيا لليوبولد السادس، من سنة 1876 إلى 1908 وهذا جعله أغنى رجل فى العالم فى زمانه، ومسيطرا على أهم مناجم الذهب والنحاس والماس ومزارع المطاط وتجارة العاج، وأكثر من 5 ملايين كونجولى ماتوا جوعا فى أسر عبوديته.
وإزاء حالة التعبير عن هذه الأحزان، قدم البعض اقتراحات جامحة، وكان المتحمس الأكبر كالعادة هو الرئيس نكروما الذى طالب بالوحدة الأفريقية فورا هنا والآن، كان اسم مشروعه "الولايات المتحدة الأفريقية"، حسبما يذكر أسامة عبدالتواب محمد، فى كتابه "العلاقات بين مصر وغانا-1957 -1966"، موضحا أن نكروما قدمه لأول مرة فى الاجتماع التأسيسى لمنظمة الوحدة الأفريقية فى إثيوبيا، في مايو 1963، واستند على حجج هى أن الوحدة العاجلة ستنقذ القارة من خطورة الاستعمار الجديد، أن التنمية الأفريقية لا يمكن تحقيقها إلا على مستوى القارة وبموجب تخطيط قارى، وأنه إذا أقدمت الدول الأجنبية معونات فمن الأجدر أن تقدمها إلى حكومة واحدة لتتولى التنمية فى القارة الأفريقية، وأن إقامة الوحدة الأفريقية الكاملة هى الحل الجذرى الوحيد لتسوية المنازعات على الحدود بين الدول الأفريقية المتجاورة، وأن أفريقيا لن تستطيع أن تجعل من مبدأ عدم الانحياز رابطة مذهبية حقيقية مالم تدافع عن هذا المبدأ وهى فى موقف قوي،وهذه القوى لن تتوافر لها إلا فى ظل الاتحاد، وأن الشعوب الأفريقية تريد الاتحاد، ومستعدة للتضحية.