كمال الدين صلاح.. قصة سفير اغتالته يد الاستعمار بسبب حب الصوماليين له

كمال الدين صلاح
كمال الدين صلاح

خلال فترة قصيرة اكتسب السفير محمد كمال الدين صلاح ثقة الصوماليين، وأصبح مستشارهم الأول فى كل شىء، ووضع لهم خطة اقتصادية لمعالجة الفقر، وخاض معهم معركة جعل اللغة العربية لغة البلاد الرسمية.

كل ذلك كان كفيلاً بجعل حياته هدفاً استعماريا، وهذا ما حدث بالفعل، حيث اُغتيل وودعه الصوماليون فى جنازة مهيبة، وصلوا عليه فى مبنى البرلمان، ورافق جثمانه إلى القاهرة وفد صومالى قابل جمال عبدالناصر.. فما هي قصة هذا الرجل؟

يذكر الكاتب الصحفى أحمد بهاء الدين فى كتابه «مؤامرة فى أفريقيا»، أن السفير محمد كمال الدين صلاح كان يعبر الشارع أمام منزله فى العاصمة الصومالية «مقديشيو» يوم 16 إبريل 1957، وفجأة هجم عليه شاب يحمل سكينا، وطعنه فى ظهره، وظل يطعنه إلى أن سقط مضرجا بدمائه.

ويضيف «تمكن بعض الذين رأوا الحادث من القبض على القاتل، أما مندوب مصر فكانت لديه بقية من قوة مد بها يديه إلى الوراء، وانتزع السكين المغروس فى ظهره، ولكنهم عندما وصلوا به إلى المستشفى، كان قد أسلم الروح».

وقتها كانت الصومال تحت الاستعمار الإيطالى، وكان «كمال الدين» مندوبا لمصرفى المجلس الاستشارى «الوصاية» بالصومال الذى شكلته الأمم المتحدة عام 1954، وحين اغتيل كان فى السابعة والأربعين من عمره.

مهمة دولية

ووفقا لفتحى رضوان فى كتابه «نصف قرن بين السياسة والأدب»: بدأ كمال حياته مناضلا فى الحزب الوطنى الذى أسسه مصطفى كامل، وفى إبريل 1954 كان قنصلا لمصر فى مرسيليا، وعندما تلقى قرار نقله إلى الصومال، لم يكن لمصر تمثيل دبلوماسى فيه، لكن الأمم المتحدة كانت شكلت مجلسا للوصاية عليه يتكون من مصر والفليبين وكولومبيا لمراقبة نقله من مرحلة الوصاية إلى الاستقلال، وكان هو ممثل مصر».

ويذكر الدكتور محمد عبد المؤمن فى كتابه «مصر والصراع فى القرن الأفريقى 1954-1981»، أن مهمة «كمال الدين» كان لها صفة دولية، لهذا عملت مصر على افتتاح قنصلية لها فى الصومال لزيادة نشاطها، وعدم إتاحة الفرصة للإدارة الإيطالية لمهاجمة ممثلها فى المجلس الاستشارى.

وقع «كمال الدين» فى غرام الصومال، حسبما يؤكد «بهاء الدين»، مضيفا أنه كان يكتب يومياته فيها، ويرسل خطابات لزوجته عن جولاته واختلاطه بالأهالى، وحديثه وصلاته معهم فى المساجد، ويصف أحوال الناس بالفقر الشديد، وعيش الكثير منهم على الفطرة كيوم هبط جدنا آدم إلى الأرض، ورؤيته لعشرات الألوف فى الغابات والمراعى شبه عرايا ليس على أبدانهم سوى ما يستر عوراتهم، ويأكلون مما يحصلون عليه من جيد الغابة.

تحركات مصرية

فور وقوع الاغتيال تحركت مصر فى عدة اتجاهات، حيث كلف الرئيس جمال عبد الناصر، محمد فائق، مدير مكتب الشؤون الأفريقية، برئاسة الجمهورية بالسفر إلى مقديشيو لمتابعة التحقيقات، ودراسة الحالة فى الصومال، كما رغبت مصر فى قيام لجنة تحقيق دولية، ونقل قنصل مصر فى مقديشيو عمران الشافعى تلك الرغبة لرئيس الوزراء الصومالى عبدالله عيسى وشخصيات من حزب «وحدة الشباب الصومالى» الذى يرتبط بعلاقات طيبة مع مصر.

يؤكد عبدالمؤمن: «تلقت مصر فى 26 إبريل 1957 مذكرة سرية من قنصلها تفيد بأن عبدالله عيسى أبلغه أن الحاكم الإيطالى للصومال رفض، بحجة أن القانون الإيطالى المطبق فى الصومال لا يسمح بحضور أية لجنة تحقيق مصرية أو دولية».

ويتذكر «فائق» فى كتابه «عبد الناصر والثورة الأفريقية»، الموقف نحوه منذ وصوله إلى مقديشيو: «قمت باتصالات واسعة مع جميع العناصر الوطنية متعمدا إظهار حجم هذه الاتصالات أمام الإدارة الإيطالية، كما قمت بنشاط واسع بين الجماعات الدينية، والتقيت بالجموع الصومالية فى الجوامع والجمعيات وأماكن التجمعات، بغرض تأكيد دور مصر وإظهار إصرارها على المضى فى تحمل مسؤوليتها التاريخية كاملة، ولم يمض على وجودى أكثر من بضعة أيام حتى أبلغت الإدارة الإيطالية القنصل المصرى بأننى أصبحت شخصية غير مرغوب فيها، وطلبت أن أغادر مقديشيو فى ظرف 48 ساعة».

يذكر فائق: «انتشر الخبر فى المدينة فأحدث رد فعل قويا، وتوافد على محل إقامتى أعداد كبيرة من الوطنيين الصوماليين والسياسيين أصدقاء مصر، والمؤمنين بأهمية الدور المصرى فى الصومال، وكانوا فى أشد حالات السخط على الإدارة الإيطالية، ولكنهم يترقبون ما سوف تسفر عنه الأحداث»، يؤكد فائق: «استدعت الخارجية المصرية السفير الإيطالى بناء على تعليمات الرئيس عبدالناصر، وفى مبنى الوزارة أخطره السفير عبدالفتاح حسن، نائب وزير الخارجية، بأنه، أى السفير، سيعتبر شخصية غير مرغوب فيها، وسيكون عليه مغادرة القاهرة فورا، إذا لم ترجع الإدارة الإيطالية فى مقديشيو عن قرارها الخاص بإبعادى».

يؤكد «فايق»: اضطرت الإدارة الإيطالية إلى التراجع، وبقيت فى مقديشيو لفترة أخرى ومارست نشاطا واسعا، وكان هذا بطبيعة الحال تعزيزا لموقفنا هناك أمام الوطنيين الذين عرفوا أن مصر تستطيع أن تقف أمام النفوذ الإيطالى، وبعد عودتى قرر عبدالناصر تدعيم البعثة التعليمية المصرية فى الصومال، وزيادة أفراد القنصلية، وعين مندوبا جديدا هو الدكتور محمد حسن الزيات».

تم نسخ الرابط