الأساطير نُسجت حوله.. حكايات السادات والنميري في حي أبو قير

السادات والنميري
السادات والنميري

عادة ما يلجأ محدودو ومتوسطو الدخل إلى مصيف أبو قير بالإسكندرية لنفقاته المحدودة، لكن كثيرين لا يعرفون أن جعبة هذا الحي ممتلئة بكثير من الحكايات، منها أسطورية، ومنها ما يتعلق بالرئيسين الراحلين المصري محمد أنور السادات، والسوداني جعفر النميري.. فما هي حكاية هذا الحي.. وما هي الأساطير التي حيكت حوله.. وكيف استخدمه الإنجليز أثناء احتلالهم لمصر؟.

معسكر الإنجليز

بحسب ما ذكره مصطفى نصر في كتابه «الإسكندرية مدينة الفن والعشق والدم» كان حي أبو قير معسكراً للإنجليز قبل ثورة يوليو 1952، وكان معتقلاً سياسياً حُبس فيه العديد من المناوئين للنظام، فضلاً عن الاعتقال التاريخي لزعيم المقاومة الشعبية ضد الحملة الفرنسية في الإسكندرية محمد كُريم في السفينة «أورينت» الراسية على شاطئ أبي قير قبل إعدامه.

عُرف الحي أيضاً بمعركة أبي قير البحرية التي نشبت بين الأسطول الإنجليزي والأسطول الفرنسي الذي تحطم على يد القائد الإنجليزي الشهير نلسون. وما زالت آثار هذه المعركة موجودة حتى الآن في مياه أبي قير.

السادات والنميري

في هذا الحي كان أنور السادات يرتاح لتناول الطعام في مطعم مشهور هناك. استمر ذلك حتى بعد أن أصبح رئيساً للجمهورية، فكان يصحب ضيوفه إلى هذا المطعم، وكذلك تفعل السيدة جيهان السادات، إذ كانت تذهب إليه مع ضيوفها، وكانت تقول لصاحب المطعم: أنت لا تعطي اهتماماً لي كما تفعل مع الرئيس السادات.

ذات مرة اصطحب السادات الرئيس السوداني جعفر نميري قبل خلعه، وجاء صاحب المطعم مُرّحباً، فقدم إليهما الجمبري الكبير، وتناولاه وهما يتحدثان. كان النميري يغمس «الجمبراية» الكبيرة في طبق الشطة ويتناولها في مرة واحدة، إلى أن أتى على كل الكمية المعدة للأكل في المطعم، فقام الرجل بطهو كمية أخرى، وظل السادات والنميري يتحدثان إلى أن انتهى عمال المطعم من تقديم الأطباق الجديدة، وانتهت كمية الجمبري الموجودة في المحل، فجاء الرجل معتذراً، وقال: يمكن أن أحضر كمية أخرى من محلات مجاورة... لكن النميري قال: لا كفاية كده.

ألف ليلة وليلة

وللحي حكاية داخل جدران قصص «ألف ليلة وليلة». زعمت القصة أن حي أبي قير يُنسب إلى شخص سكندري كان يعمل صباغاً، وكان نصاباً كذاباً وصاحب شر قوي. كان يأخذ الأقمشة التي في حاجة إلي صبغ من أصحابها، ويأخذ أجرتها مقدماً، ويصرف هذا على أكله وشربه، ثم يبيع القماش أيضاً.

ضاقت الناس به فطالبوا بأقمشتهم، فادعى أن لصاً سرقها. كان أبو قير يختبئ في دكان حلاق اسمه أبو صير، مواجه لدكانه، فيتابع دكانه من عنده، إلى أن فعل هذا مع رجل جبار فاشتكاه إلى قاضي المدينة، فأرسل القاضي رجاله، فأغلقوا الدكان وختموا الغلق وقالوا للجيران، «قولوا لأبي قير أن يُحضر حاجة هذا الرجل ويأتي لأخذ مفتاح دكانه من القاضي».

خدع أبو قير أبي صير وقال له إنه كان يبيع الأقمشة بسبب فقره وعوزه، ما أثار استعطافه، فاتفقا على ترك هذه البلدة والسفر إلى مدينة أخرى، وقرآ الفاتحة على أن يكونا أخوين، وأن العامل يطعم العاطل. ركبا إحدى السفن التي لم يكن بها حلاق، فاحتاج الركاب إلى حلاق، فكان أبو صير يطلب أن تكون أجرته طعاماً ليأكل معه رفيقه أبو قير، فحمل زاداً كثيراً وذهب به إليه الذي كان مريضاً من تأثير دوار البحر.

عندما وصلت السفينة إلى إحدى المدن استأجرا حجرة، فدفع أبو صير الأجرة وجاء بطعام فطبخه وأبو قير نائم لا يقوم إلا للأكل.

استمر الحال أربعين يوماً، يدور أبو صير بالعدة يحلق للناس ويأتي بالطعام إلى زميله. لكن في اليوم الحادي والأربعين مرض أبو صير ولم يقدر على العمل، حتى أغمى عليه، فقام أبو قير وارتدى ملابسه وأخذ نقود زميله وهرب، فاشترى ملابس جديدة وطاف بالمدينة، فوجد الناس يرتدون ملابس ألوانها من الأبيض والأزرق فقط، كما أن أجرة الصبغ عالية جداً عنها في الإسكندرية.

ذهب أبو قير إلى ملك المدينة وأخبره بأنه قادر على صباغة جميع الألوان والصباغون يرفضونه عاملاً عندهم، فأعجب الملك به وافتتح له مصبغة في أهم مكان بالمدينة.

اغتنى أبو قير وسار صيته في المدينة كلها. أما أبو صير فقد أفاق من إغمائه بعد ثلاثة أيام، فبحث عن نقوده فلم يجدها، وساعده صاحب الخان حتى شُفي من مرضه، واكتشف أن أبا قير زميله أصبح غنياً، فذهب إليه. كان أبو أقير يجلس على مرتبة عالية وعليه بذلة من ملابس الملوك، فوقف أبو صير أمامه، فهب أبو قير ثائراً وصاح: امسكوا هذا الحرامي.

جرى العمال خلف أبا صير وقبضوا عليه، وأمرهم أبو قير بأن يضربوه بالعصا على ظهره مائة ضربة متهماً إياه بالسرقة. رجع أبو قير إلى الخان وجسده كله يؤلمه من ضرب عمال وخدم أبو قير، فقرر أن يذهب إلى الحمام ليريح جسده، فسأل صاحب الخان عن الحمام، فدهش الرجل وقال إن المدينة بأسرها لم تسمع عن الحمام الذي تحكي عنه ولا تعرفه.

ذهب أبو صير إلى الملك وأخبره بعزمه افتتاح حمام، فوافقه الملك وافتتح له حماماً، ودخله الملك وحاشيته، فتزاحم الناس واغتنى أبو صير. علم أبو قير بما حدث لصديقه القديم، فذهب إليه وادعى بأنه عندما أمر بضربه لم يكن يعرفه، ونسي أبو صير ما حدث وأكرم أبا قير.

علم أبو قير أن أبا صير يستخدم دواءً لإزالة الشعر الزائد في الجسم مصنوعاً من الجير والزرنيخ، فأبدى أبو قير إعجابه بهذا الدواء ونصحه بأن يقدمه إلى الملك عندما يأتي إلى حمامه، فحتماً سيكافئه مكافأة كبيرة على ذلك.

وذهب أبو قير إلى الملك وقال له: جئت يا مولاي لإنقاذك من الموت، فأبو صير ما جاء إلى المدينة لقتلك، وذلك بتحريض من عدوك ملك الروم، وسوف يكون القتل بدواء له رائحة كريهة، سيدعي أنه يزيل الشعر الزائد في الجسم.

وعندما قدم أبو صير الدواء إلى الملك، أمر بالقبض عليه، وسلمه إلى قائد سفنه، وأمره بأنه يضعه في زكيبة بها جير حي وأن يرميه في البحر، لكن القبطان رقّ لحال أبي صير، فأخذه إلى جزيرة بعيدة، وسأله: «أخبرني بما حدث بينك وبين الملك، فأنا أعرفك وزرتك في حمامك وقد أكرمتني». فقال له أبو صير إنه لا يعرف سر غضب الملك عليه.

فقال القبطان: سأنقذك نظير ما أكرمتني في حمامك، امسك الشبكة واصطد السمك لمطبخ الملك إلى أن أعود.

وضع القبطان داخل الزكيبة قطعة حجر، وسار بالقارب، فإذا بالملك ينتظره في النافذة، فسأله القبطان: أرميه؟، فأشار الملك بإصبعه: ارمه. فوقع الخاتم من إصبع الملك في البحر، فحزن الملك كثيراً، لكنه أخفى هذا على الجميع، فهو يستخدم هذا الخاتم في قتل من يريد قتله بأن يشير إليه من بعيد.

وجد أبو صير الخاتم داخل سمكة كبيرة من التي اصطادها، ولبس الخاتم، فجاءه خادمان يسألان عن سمك الملك، فعندما أشار بالخاتم قُتلا في الحال.

وعندما جاء القبطان حكى أبو صير له ما حدث، فقال له: إن هذا الخاتم يقتل من بعيد إذا أشرت به إلى أحد.

عاد أبو صير إلى المدينة وذهب تواً إلى الملك، الذي قال: أما أمرنا برميك في البحر؟ فقال أبو صير: لم أفعل شيئاً يضرك (وحكى له ما حدث حتى حصل على الخاتم)، فقام الملك واحتضن أبا صير وطلب منه أن يسامحه، إلا أن أبا صير طلب منه أن يخبره بسبب غضبه عليه. فحكى له الملك عما أخبره أبو قير عنه.

فقال أبو صير: لا أعرف ملك الروم ولا رحت بلاد الروم، وإنما هذا الصباغ رفيقي وجاري في مدينة الإسكندرية (وحكى له ما حدث بينهما)، وان هذا الدواء ذا الرائحة الكريهة غير ضار للجلد فهو مجرب لدينا في بلادنا ويشهد بذلك على ما أخبرتك به عمال الحمام وخادم الخان.

أرسل الملك في طلب الشهود، فأكدوا له قول أبي صير، فقبض الملك على أبي قير، وأمر بأن يُقيد ويُجرس، ثم يضعوه في زكيبة مملوءة بالجير الحي ويرموه في البحر، ونظر إلى أبو صير وقال له: تمنّى علىّ. فقال أبو صير: أريد أن أعود إلى الإسكندرية.

ودع أبو صير الملك وسافر بكل ما يملك، ورست السفينة بجوار الإسكندرية، فرأى أحد خدمه زكيبة في جانب البر، فأمر بفتحها، فإذا بها أبو قير وقد دفعه الموج إلى جهة الإسكندرية، فأمر أبو صير بإخراجه من الزكيبة ودفنه بالقرب من الإسكندرية، وعمل له مزاراً وأوقف عليها أوقافاً.

بعد وقت ليس بالقصير مات أبو صير فدفنوه بجوار صديقه ورفيقه القديم أبي قير، ومن أجل ذلك سمي هذا المكان بأبي قير وأبي صير، ثم اشتهر بعد ذلك بابي قير.

تم نسخ الرابط