حكاية الأدوات المكتبية التى حولت محمود العربى إلى شهبندر التجار وشيخ الصناع

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

الصدق مع النفس، وإعمال الضمير .. كانا كفتا الميزان التى اعتمد عليها محمود العربى، شهبندر التجار وشيخ الصناع، منذ بدايته فى مجال التجارة، فلم يتهمه أحد يوما بأنه لم يكن أمينا فى تجارته، لكن كل من عمل وتعامل معه يؤكد أنه منذ التحاقه بعالم التجارة، والكل يشهد للرجل بأن أمانته جعلته يصل إلى قمة المجد التجارى والصناعى، بالإضافة إلى أنه تمكن من التوسع فى تجارته وصناعته التى جعلت منه حالة فريدة وناجحة أمام العالم الاقتصادى كاملا، وظل الجميع يتمنى أن يحذو حذوه ويكون له جزء من نصيب النجاح الذى وصل إليه محمود العربى. قصة صعود محمود العربى الشاب الصغير، إلى قمة هرم المجد والشهرة، ترجع إلى أكثر من 56 عاما، حيث كان يمتلك محلا للأدوات المكتبية، وكان يعمل لديه أقل من ١٠ عمال، واهتم جيدا بتجارته وكان يحافظ على عماله بصورة واضحة ولم يفرط فى أحد منهم، إلى أن استطاع أن يزيد تجارته شيئا فشيئا، وبين التفكير والتخطيط والتنفيذ الفعلى استطاع العربى أن يؤسس أولى بيوته الصناعية الصغيرة والتى تضاعفت فيها قصص النجاح التى كانت مثالا على أرض الواقع للنجاح الحقيقى، حيث تحول البيت الصناعى إلى مجموعة العربى الذى حفرت لنفسها مكانة كبرى بين الكيانات الصناعية فى العالم، وانطلقت منها أولى عمليات التصدير إلى السوق الأجنبى والعربى، ولا يختلف أحد على الخدمات التى تقدمها المجموعة للمستهلك منذ بيع منتجاتها وحتى خدمة ما بعد البيع، والصيانة. ويتفق تجار القاهرة، على أن العربى كان له دوره الكبير فى تعظيم دور التجارة منذ فوزه برئاسة الاتحاد العام للغرف التجارية، وتزايد دوره إلى أن بدأت الخدمات المختلفة تطرق أبواب التجار، واستطاع أن يجعل من الغرفة التجارية الملجأ الحقيقى والملاذ الآمن لكل التجار. ولـ"العربي"، جذوره الريفية فهو من مواليد قرية أبو رقبة التابعة لمركز أشمون بمحافظة المنوفية في عام 1932، وكان والده مزارعا أجيرا يزرع أرضا ليست ملكه وقام بإرساله إلى كتاب القرية، فتعلم القرآن الكريم ولم يلتحق بالتعليم بسبب ظروف والده الاقتصادية وقد علمه القرآن الكريم الصدق والأمانة والفرق بين الحلال والحرام مما ساعده على بناء سمعة طيبة اشتهر بها في جميع مراحل حياته وكان وهو طفل صغير يوفر مبلغ 30 أو40 قرش سنويا كان يعطيها لأخيه الأكبر غير الشقيق والذى كان يعمل بالقاهرة لكي يأتي له ببضاعة منها قبل عيد الفطر وكانت هذه البضاعة عبارة عن ألعاب نارية وبالونات كان يفترشها أمام منزل أبيه بالقرية لكي يبيعها لأقرانه ويحقق مكسبا قدره حوالي 15 قرشا وبعد ذلك يعطى كل ما جمعه لأخيه مرة أخرى ليأتي له ببضاعة مشابهة في عيد الأضحى وبقي على هذا المنوال حتى بلغ سن العاشرة حيث أشار أخوه على والده بأن يسافر إلى القاهرة معه للعمل بأحد مصانع الروائح والعطور وكان ذلك في عام 1942م وعمل بهذا المصنع لمدة شهر واحد ثم تركه لأنه كان يحب العمل الحر ولا يحب الأماكن المغلقة والعمل اليومي الروتيني. وانتقل العربي بعد ذلك للعمل بمحل بحي الحسين وكان راتبه 120 قرشا في الشهر واستمر في هذا المحل حتى عام 1949م، بعدها فضل العمل في محل جملة بدلا من المحل القطاعي لتنمية خبرته بالتجارة وكان أول راتب يتقاضاه في المحل الجديد 4 جنيهات وعمل فيه قرابة 15 عاما ارتفع، وتمكن من توفير تكاليف الزواج، وفي عام 1963، سعى العربي للاستقلال بنفسه في التجارة لكن لم يكن لديه رأس المال اللازم لكي يبدأ به نشاطه ففكر هو وزميل له أن يتشاركا مع شخص ثري على أن تكون مساهمته هو وصاحبه بمجهودهما بينما يساهم الطرف الثاني بأمواله وكان رأس مال هذا المشروع 5 آلاف جنيه وبالفعل عثرا علي شريك ثالث وهكذا أصبح لمحمود العربي وشريكه أول محل بمنطقة الموسكي بالقاهرة والذي مازال محتفظا به حتى الآن وكان نشاطه حينذاك تجارة الأدوات المكتبية والمدرسية وبعد أن بدأ العربي عمله الجديد بثلاثة أيام فقط مرض صاحبه وشريكه لمدة عامين أدار خلالها المحل بمفرده ونمت تجارته بسرعة كبيرة واشتهر بأمانته وهي سر نجاحه منقطع النظير وحقق محله أرباحا تفوق أرباح 10 محلات مجتمعة واستمرت الشراكة عامين ولكن تخللها خلاف حول إخراج الشريك الثالث المريض وهو ما اعترض عليه العربي وفي النهاية تم فض الشركة وترك العربي وشريكه المريض المحل واشتريا محلا آخر وبعد فترة عاد الشريك القديم يعرض عليه محله مرة أخرى وبذلك أصبح لديه محلين بدلا من محل واحد وكان معه أبناء شريكه المريض بدلا من أبيهم ولما توسعت تجارته هكذا جاء بشقيقيه محمد وعبد الجيد ليعملا معه ونجحت الشركة نجاحا منقطع النظير وحولها إلى شركة مساهمة وهنا حدث ما لم يكن في الحسبان حيث قررت الحكومة في منتصف الستينيات من القرن العشرين الماضي صرف المستلزمات المدرسية للتلاميذ بالمجان وهو ما يعني أن تجارة العربي لم يعد لها وجود فاستعاض عنها بتجارة الأجهزة الكهربائية خاصة أجهزة التليفزيون والراديو والكاسيت وحول العربي تجارته بالكامل إلى الأجهزة الكهربائية في منتصف السبعينيات مع انطلاق سياسة الانفتاح الاقتصادي وكان همه أن يفتح أكبر قدر من البيوت بزيادة عدد العاملين معه ولذا فقد مد نشاطه إلي أماكن أخرى غير الموسكي ففتح فروعا له في جزيرة بدران بشبرا وفي مدينة بورسعيد التي أعلنت مدينة حرة بداية من منتصف السبعينيات . وفكر محمود العربي آنذاك في الحصول على توكيل لإحدى الشركات العالمية وبدأ يبحث عن وسيلة من أجل تحقيق هذا الهدف ويشاء القدر أن يتعرف علي أحد اليابانيين الدارسين بالجامعة الأمريكية بالقاهرة والذى كان دائم التردد على محلاته وكان هذا الشخص الياباني يعمل لدى شركة توشيبا اليابانية فكتب تقريرا لشركته أكد فيه أن العربي هو أصلح من يمثل توشيبا في مصر فوافقت الشركة على منحه التوكيل وكان ذلك في عام 1975م وفي نفس العام زار العربي دولة اليابان ورأى مصانع الشركة العملاقة التي حصل على توكيلها وطلب من المسئولين فيها ضرورة إنشاء مصنع لتصنيع الأجهزة الكهربائية في مصر وهو ما تم فعلا وكان لديه أرض في طريق مصر إسكندرية الزراعي قرب مدينة بنها زارها خبراء من اليابان وأقروا بصلاحيتها التامة لإنشاء هذا المصنع وتم بالفعل إنشاء أول مصنع للشركة في مصر.

تم نسخ الرابط