أصله تركي ووالده كان ”جاسوسا” .. معلومات صادمة عن ”فايز السراج” خدام أردوغان الذي باع ليبيا
نشر موقع تركيا الآن صوت المعارضة في تركيا أسرار لا يعرفها الكثيرون عن العلاقة السرية بين فايز السراج رئيس حكومة الوفاق في ليبيا والرئيس التركي رجب طيب الذي يدعم السراج.. ننشر نص التقرير الذي كشف سر تحول السراج إلي خادم مطيع للشيطان التركي.
للعلاقة الحميمة بين فايز السراج، رئيس حكومة الوفاق الوطني في العاصمة الليبية طرابلس، وبين تركيا، أبعاد أخرى تتجاوز مسألة تلاقي المصالح السياسية بين الطرفين. فالتنقيب في السيرة الذاتية للسراج، والذي كان شخصا مجهولا في عالم السياسة الليبية حتى اندلاع الحرب الأهلية عام 2011، كشف عن انحداره من أصول تركية عثمانية، ربما - في جانب من المشهد العام - تفسر لنا خضوع السراج السلس لإرادة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وتحوله إلى "تابع" مطيع للأخير، وكأنه مجرد والي، عينه العثمانيون على طرابلس، على غرار سنوات الاحتلال التركي الطويلة لليبيا (1551 - 1911).
المسارات الحالية للأزمة في ليبيا، والتي تتراجع فيها أصوات حكومة الوفاق في طرابلس أمام تصريحات المسؤولين الأتراك، الذين صاروا يشيرون إلى ليبيا في خطابهم السياسي كمستعمرة تركية، يحتم علينا العودة من جديد إلى الأصول التركية العثمانية لفايز السراج. ليس فقط لأنها تفسر لتصرفاته، وإنما أيضا لأن تاريخ عائلته في ليبيا، يبرز منذ سنواته الأولى، سيرة أسرة اختارت على الدوام الاصطفاف ضد المصالح الوطنية الليبية لصالح المحتلين الأجانب، أيا ما كانت ماهية هؤلاء الأخيرين. وهو ما يجعل فايز السراج خلفا مخلصا لأسلافه، لا مبتدعا أو مستحدثا.
كانت مذكرات «مصطفى فوزي السراج»، والد رئيس حكومة الوفاق، هي التي كشفت عن الأصل التركي لعائلته. ففي كتابه المعنون بـ«ذكريات وخواطر مصطفى فوزي السراج»، والصادر عن مركز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية عام 2005، أكد مصطفى أنه ينحدر من عائلة من الكراغلة. وهم طائفة إثنية نتجت عن تزاوج الأتراك العثمانيين بالنساء الليبيات عبر قرون الاحتلال التركي لليبيا، واحتفظ أغلب أفرادها بصلات ثقافية مع الماضي العثماني.
ويبدو أن انتساب مصطفى السراج إلى الكراغلة، وحقيقة عدم انتمائه إلى أرومة عربية صرفة، كانت تؤرقه وآل بيته، لأنه يعرض نسبه أساسا كإجابة على سؤال أحد أحفاده، ويدعى رضا السراج عن الدماء التركية في عروقهم. وينظر في تلك الإجابة إلى مسألة العروبة، باعتبارها متجاوزة لحدود الأصالة العرقية الضيقة، إلى آفاق الاستعراب الواسع، والتي تجعل من كل متحدث بالعربية عربي، بغض النظر عن الدماء المختلطة في نسبه.
يقول مصطفى السراج:
على أي حال، فبمزيد من التفصيل عن الجد الأعلى لعائلة السراج، نقول إن محمد آغا كان من مواليد مدينة «مغنيسية» الواقعة شمال مدينة «أزمير» التركية. وقد قدم جندياً في الحامية العثمانية إلى ولاية «طرابلس» عام 1840 وعمل بالجبل الغربي بمدينة «نالوت» ذات الأغلبية الأمازيغية. وفيها تزوج من السيدة الليبية «سعيدة بنت عسكر» من قبيلة العساكرة ، ثم انتقل إلى الإقامة بمدينة طرابلس، وتوفي بها عن ولدين هما، مصطفى - صاحب المذكرات - وقدري.
وبعد سقوط ليبيا في براثن الاحتلال الإيطالي عام 1911، حملت العائلة لقب «السراج» في سجلات النفوس «السجل المدني»، وقد ولد لـ«مصطفى بن محمد أغا»أربعة أولاد هم: نوري، فوزي، وخيري، وشكري الذين عملوا بوظائف عامة بمدينة طرابلس خلال العهد العثماني وعهد الاحتلال الإيطالي، أما «فوزي» بن مصطفى بن محمد آغا، فقد ولد له سبعة أولاد هم: مصطفى وعلي وكمال وسعدات وسعيد ونجاتي وراشد.
يهمنا من هؤلاء بالطبع «مصطفى بن فوزي» والد «فائز السراج». ومن المثير أنه - أي مصطفى - امتلك سجلا طويلا من العمل مع المحتلين الأجانب لليبيا، فقد كانت المؤسسات الاستعمارية تفضل الاتكاء في إدارتها لليبيا على الكراغلة، من الذين تعلم الكثير منهم في المدارس الإيطالية بطرابلس، وبالتالي كانوا منسجمين مع الرؤية الكولونيالية الحاكمة. هذا على العكس من العرب الأقحاح الذين آثروا المضي قدما في المقاومة وجهاد المحتل الإيطالي حتى النهاية.
وقد كان مصطفى بن فوزي السراج من هؤلاء. فبعد مولده في محلة شارع الزاوية سنة 1916، ألحقه أبوه بمدرسة إيطالية عربية ابتدائية ثم انتقل منها إلى مدرسة إيطالية للتوجيه المهني.
بعد ذلك، درس مصطفى بعد ذلك اللغة العربية في كلية أحمد باشا. وساعده تعليمه بها على الالتحاق بوظيفة في الهيكل الإداري للاستعمار الإيطالي في ليبيا، حيث عين من قبل الطليان (سكرتيرا للشؤون العربية) في العام 1939، كما عُينَ مترجماً في الإذاعة الفاشستية الإيطالية بطرابلس، والتي كانت متحدثا رسميا باسم حكومة الزعيم الفاشستي الشهير موسوليني.
ويلاحظ أن شقيق مصطفى السراج، علي بن فوزي بن مصطفى كان يعمل هو الآخر مع الطليان. فقد عين ضمن أفراد حرس الوالي العام الإيطالي لليبيا، حسب ما ذكره أخوه مصطفى في مذكراته. ولم يذكر «مصطفى» أبو «فائز السراج» في كتابه موقفه وموقف عائلته وانطباعه الشخصي عن زيارة «موسوليني» الشهيرة لمدينة «طرابلس» وعدد من المدن الليبية، لأنه يبدو أن الأمر لا يشرفه الكلام عنه. خاصة إذا ما علمنا أن مصطفى السراج وأخوه علي قد كلفا بالإمساك بلجام حصان «موسوليني» أثناء سيره في موكبه بمدينة «غدامس». ومن الدلائل على صدقية تلك الواقعة، أنه لما اندلع الخلاف بين مصطفى السراج وبين النائب في البرلمان الليبي «إبراهيم بن شعبان» بعد الاستقلال، قام الأخير ردا على تهم مصطفى له بادعاء الوطنية والمزايدة، وذكره بماضيه كخادم للسلطة الاستعمارية الإيطالية، مشيرا بشكل محدد إلى حادثة موكب موسوليني.
على أي حال، فقد استمر مصطفى السراج في وظيفته تلك، حتى زوال الاحتلال الإيطالي عن ليبيا في العام 1943. وبما أن هذا الزوال اقترن باستبدال المحتل الإيطالي بمحتل آخر هو بريطانيا، فإن مصطفى السراج قرر الانتقال سريعا من خدمة الأول إلى العمل مع الثاني.
ففي بداية الحكم العسكري البريطاني لليبيا، كلف مصطفى السراج من قبل الإنجليز بإصدار صحيفة (طرابلس الغرب)، لتكون لسان حال الاحتلال البريطاني للبلاد. ثم عين بعدها في مصلحة الزراعة مستشاراً لشؤون المزارعين الليبيين، وبقي بها حتى انتهاء الحكم العسكري البريطاني واستقلال ليبيا سنة 1952.
وحتى بعد الاستقلال، كان مصطفى السراج منتسبا إلى حزب المؤتمر الوطني الذي كان مرضياً عليه في بداية إنشائه من قبل البريطانيين. واشترك في انتخابات 1952 مرشحاً عن المؤتمر الوطني عن أحد مقاعد طرابلس، وفاز بمقعد في البرلمان في الدورة البرلمانية (1952 – 1956م) وعين بين عامي 1954-1955 وزيراً في حكومة «مصطفى بن حليم»، ثم عين مديراً للمؤسسة الوطنية للتأمين الاجتماعي بين عامي 1957-1959م ، ثم تفرغ للعمل الحر.
هذا عن سيرة مصطفى السراج، وهي تنبئنا بما فيه الكفاية عن علاقة آل السراج بالسياسة في ليبيا، وركونها منذ اللحظة الأولى إلى الطرف الأقوى الذي يحقق مصالحها الذاتية.
أما فائز، رئيس حكومة الوفاق الوطني، والذي تابع خطى أبيه، فقد ولد في مدينة طرابلس الليبية يوم 20 فبراير 1960. ونال شهادة البكالوريوس في العمارة والتخطيط العمراني من كلية الهندسة (قسم العمارة) بجامعة طرابلس سنة 1982، كما حصل على شهادة الماجستير في إدارة الأعمال عام 1999.
في بداية حياته المهنية، عمل فائز السراج مهندسا في إدارة المشروعات بصندوق الضمان الاجتماعي الليبي، والتحق بالمكتب الاستشاري الهندسي لجهاز المرافق مستشارا هندسيا فشارك في دراسة وتصميم والإشراف على المشروعات التخطيطية والمعمارية الإستراتيجية.
كما عمل فترة طويلة في القطاع الخاص، فكان عضوا مؤسسا لمكتب تريبوليس للاستشارات الهندسية وأنجز له عدة مشروعات خاصة وعامة.
هذه السيرة المهنية لم تكن تنبئ أبدا عن شخص يرغب في ألاعيب السياسة. ولكن بمجرد الإطاحة بنظام معمر القذافي في العام 2011، ظهر فايز السراج فجأة على الساحة السياسية في البلاد كعضو في هيئة الحوار الوطني التي سعت لجمع القوى المجتمعية الليبية المختلفة لإجراء حوار وطني يخرج البلاد من أزمتها السياسية والأمنية التي أعقبت الإطاحة بنظام القذافي عام 2011.
ثم ترشح فائز في الانتخابات النيابية لعضوية مجلس النواب عن دائرة حي الأندلس بالعاصمة طرابلس وفاز فيها، واختير رئيسا للجنة الإسكان والمرافق وعضوا في لجنة الطاقة في هذا المجلس.
وفي حكومة أحمد معيتيق التي أعقبت الانتخابات النيابية الثانية، كلُف السراج بتولي وزارة المرافق والإسكان ، ولكنه رفض قبول التعيين مبررا ذلك بـ"المناخ السياسي العام وغياب الاستقرار الأمني، وقصر عمر الوزارة المتوقع".
تسارعت بعدها الأحداث في ليبيا مع ارتفاع وتيرة الحرب الأهلية. وفي 8 أكتوبر 2015، فاجأ المبعوث الأممي السابق الخاص بليبيا برناردينو ليون الكثير من الليبيين باختيار السراج رئيسا لحكومة الوفاق الوطني الليبية وتكليفه بتشكيل مجلس رئاسي للبلاد مع خمسة نواب آخرين من أطراف النزاع (برلمان طبرق وحكومته وبرلمان طرابلس وحكومته وقوى سياسية أخرى)، وذلك إثر حوارات أجريت بمدينة الصخيرات المغربية لحل الأزمة السياسية الليبية.
اعترضت العديد من القوى الليبية على تعيين السراج في أعلى المناصب السياسية بالبلد المضطرب. وأشير وقتها صراحة إلى أنه "شخصية لا يعرف لها أي تاريخ ثوري، ولا أي دور في ثورة فبراير 2011، ولا يعرف لها نشاط سياسي"، كما خرجت مظاهرات في ليبيا تعترض على اتفاق الصخيرات الذي عين بموجبه باعتبار أنه "يجسد الوصاية الغربية على ليبيا".
هكذا بدأت مرحلة جديدة من الصراع على السلطة في ليبيا بين حكومة السراج من جهة، وبين الشرق الليبي الذي ضم برلمان طبرق برئاسة عقيلة صالح، والجيش الوطني الليبي برئاسة المشير خليفة حفتر. ومع إعلان الأخير عن حملة عسكرية واسعة هدفها تحرير طرابلس من ميليشيات الوفاق، بدأ فائز السراج في علاقاته المعلنة بتركيا، والتي أصبحت الضامن الأكبر لبقائه في السلطة.
ومن المعلوم أن علاقة تركيا بالملف الليبي مرت بثلاث مراحل منذ العام 2011. الأولى، من سقوط نظام القذافي وحتى العام 2014، واقتصرت خلالها محاولات الرئيس التركي أردوغان على حماية الاستثمارات التركية في ليبيا والتي كانت تقدر بنحو 15 مليار دولار.
ومع توقيع اتفاق الصخيرات، تدخل تركيا المرحلة الثانية بدعمها لبنود الاتفاق وبالتالي لحكومة الوفاق الوطني. واستمر هذا حتى أعلن خليفة حفتر في أبريل 2019 عملية تحرير طرابلس المشار إليها آنفا. فألقى أردوغان في أثرها بثقله العسكري دعما للسراج.
كانت بداية الدعم التركي في صورة مركبات حربية وطائرات مسيرة دعمت بها حكومة طرابلس وفقا لاتفاق بين الطرفين أعلن عنه أردوغان في 19 يونيو 2019. ولكن هذا الدعم ما لبث أن تطور إلى مذكرتي تفاهم أعلن أردوغان توقيعهما مع السراج في 27 نوفمبر من العام 2019. الأولى اتفاقية أمنية تضع المسائل العسكرية والشرطية والاستخباراتية في المناطق الخاضعة لفائز السراج تحت السلطة الكاملة لتركيا. والثانية مذكرة رسمت الحدود البحرية بين تركيا وطرابلس في شرق المتوسط.
كانت مضامين كل من المذكرتين تعكس تبادلا في المصالح السياسية بين أردوغان والشراج، ففي مقابل دعم تركيا العسكري اللامحدود لحكومة الوفاق ضد حفتر، ضمن أردوغان بمذكرة ترسيم الحدود البحرية موطئ قدم لبلاده في ثروات شرق المتوسط من الغاز الطبيعي والنفط. وهي الثروات التي ينظر أردوغان إلى الاتفاقات حولها خلال السنوات الأخيرة بين مصر واليونان وقبرص وإسرائيل، باعتبارها تفويت كل الفرص على تركيا لتنال نصيبا من كعكة الطاقة في المنطقة.
دشنت مذكرات التفاهم المرحلة الثالثة والأخيرة من عمر التدخل التركي في ليبيا، وهي التي نعيش تداعياتها الآن. وإذا كان ثمة ما يمكن ملاحظته بشدة عن تلك المرحلة، فهو تحول فائز السراج من رئيس حكومة في بلد مستقل، إلى مجرد تابع للرئيس التركي أردوغان. ومن الواضح أن الأخير أمعن في ترسيخ تلك الصورة الذهنية، لتحقيق دعاية إقليمية ودولية لنفسه. وليس أدل على ذلك من لقاء أردوغان بالسراج في إسطنبول في 20 فبراير 2020، حيث اختار الرئيس التركي قصر دولمة بهجة، أحد القصور العثمانية التاريخية كمكان للقاء، وكأنه سلطانا من آل عثمان يستقبل واليا تركيا على طرابلس.
أردوغان والسراج
بل إن الأيام الأخيرة استدعت مشهدا آخر من التاريخ العثماني البعيد في ليبيا، حيث نشرت تسريبات في 21 يونيو 2020 تشير إلى دفع حكومة السراج مبلغ 12 مليار دولار إلى الخزانة الحكومية التركية نظير المساعدات العسكرية التي قدمتها الأخيرة خلال المعارك التي انتهت بانتصار ميليشيات الوفاق في طرابلس على قوات حفتر ودفعها القهقرى نحو مدينة سرت. هذا المبلغ المهول، والمقتطع من ثروات الشعب الليبي المهدرة، يشبه أكثر ما يشبه الأموال المتنوعة التي كان ولاة طرابلس الأتراك يقطعونها من خزانة الولاية ويرسلونها إلى خزانة إسطنبول، تاركين طرابلس وأهل التراب الليبي كله يعيشون في فقر وتعاسة.
اليوم تمر علاقة السلطان العثماني الجديد، أردوغان، بواليه على طرابلس، فائز السراج بمنعطف خطير، مع تصاعد التهديد المصري بالتدخل العسكري المباشر في ليبيا، إذا استمر تقدم ميليشيات الوفاق وقوادها من الأتراك نحو محور سرت - الجفرة. ويبدو أن واحدًا من اختيارين باتا يواجهان السلطان والوالي. إما أن يقنعا بما بلغاه في ليبيا، ويذهبا إلى طاولة المفاوضات. وإما أن يستمرا في مغامرتهما العسكرية، وقد تكتب انكسارة السراج فيها فصل الختام له في الشأن السياسي الليبي، إذ لن يجد بعد هزيمته وقتها سوى تركيا ليعيش فيها منفيا، كما كان يفعل العديد من ولاة الحواضر العربية في العصر العثماني.