متى تتحرك أمريكا لإنهاء الصراع في ليبيا؟
نشر موقع "بريكينج ديفينس" الأمريكي المتخصص في التحليلات العسكرية والسياسية تقريراً أكد فيه ضرورة تدخل الإدارة الأمريكية في الأزمة المندلعة في ليبيا، نظراً لما تمثله طرابلس من أهمية لواشنطن، وكذلك لمواجهة تأثير تركيا المتنامي في الدولة الواقعة في شمال أفريقيا.
وقال الموقع إن "تدخل تركيا الأخير في ليبيا يكثف حرباً بالوكالة ومنافسة إقليمية على الطاقة تهدد المصالح الأمريكية الحيوية، بينما يلاحظ غياب واشنطن واكتفاؤها بمراقبة من بعيد".
حان الوقت
ومع تصاعد القتال في الدولة المطلة على البحر الأبيض المتوسط تحتاج الولايات المتحدة بشكل عاجل إلى القيام بدور قيادي متأخر لإنهاء أو تخفيف هذا الصراع المتصاعد.
لقد حان الوقت للولايات المتحدة لتأكيد دورها القيادي الحاسم في معالجة الصراع الليبي وإحباط التأثير التركي والروسي على هذا البلد ذي الموقع الاستراتيجي على أعتاب أوربا، بالإضافة لأنه غني بالطاقة.
وبشكل أساسي يجب أن تصبح منطقة شرق البحر المتوسط مرة أخرى نقطة تركيز حاسمة للاستراتيجية الأمريكية الكبرى.
وأضاف الموقع إن "الوجود البحري المعزز للولايات المتحدة في المنطقة وتعاون دفاعي أقوى مع اليونان سيكون بمثابة مظاهر ملموسة يمكن أن تساعد في موازنة استعراض القوى العداوني التي تنتهجه تركيا".
مبعوث خاص
وأشار الموقع أنه يجب على الولايات المتحدة أيضًا تعيين مبعوث خاص لشرقي المتوسط. يجب عليه العمل مع منتدى غاز شرق البحر المتوسط المؤيد للولايات المتحدة. وبلدان المنطقة لتطوير الاكتشافات الرئيسية الأخيرة للطاقة وخلق ثقل موازن لمطالب تركيا الخارجية المدمرة.
وأشار الموقع إلى أنه يتوجب على أمريكا من خلال مبعوثها أن تقود الجهود الدبلوماسية بشأن حل تفاوضي لإنهاء أو تخفيف الصراع في ليبيا وإنشاء نظام غير ديني يخدم المصالح الوطنية الليبية، ويجب أن تعالج التسوية القابلة للتطبيق العوامل العسكرية المؤدية لعدم الاستقرار، أولاً وقبل كل شيء التدخلات التركية والروسية التي كثفت العنف خلال العام الماضي. يجب على الولايات المتحدة قدر الإمكان إقناع زملائها الأعضاء في الناتو بتبني نهج موحد في دعم حل تفاوضي.
غياب الاستراتيجية
يعكس نهج أمريكا الحالي في مواجهة الأطراف في ليبيا غياباً أوسع للتركيز الاستراتيجي على المنطقة منذ نهاية الحرب الباردة، وتجري عمليات إعادة تنظيم جيوسياسية كبيرة تتطلب اهتماماً متجدداً.
وأوضح الموقع أن ليبيا تعد موطناً لاكتشافات الطاقة البحرية الرئيسية وهي شريان رئيسي للهجرة الجماعية إلى أوروبا ومناطق أخرى. وعاد التنافس "الجيوسياسي" عالي المخاطر مع وجود موسكو الدائم في سوريا ونفوذها المتزايد في ليبيا بما في ذلك نشرها مؤخراً طائرات حربية في ذلك البلد.
وأضاف إن "التحول العميق للموقف الاستراتيجي لتركيا في ظل الرئيس أردوغان هو عامل آخر، وبمجرد أن أصبحت أنقرة حليفاً فإن دبلوماسية القوارب الحربية في أنقرة ودعم جماعة الإخوان الإرهابية والعلاقات الوثيقة بشكل متزايد مع روسيا تضعها على خلاف متزايد مع الشركاء التقليديين مثل الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل ومصر.
وفي محاولة تركيا كسر هذه العزلة ودعم الإخوان وقعت تركيا اتفاقيتين مهمتين في نوفمبر الماضي مع حكومة الوفاق في طرابلس برئاسة فايز السراج المتبني لإيدولوجية وأفكار جماعة الإخوان التي تتداخل بشدة مع عناصر إسلامية أخرى. وفي مقابل تقديم دعم عسكري حاسم ضد الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، حصلت تركيا على اتفاق ثنائي يُزعم أنه يعترف بمطالبها الإقليمية الواسعة في المياه الغنية بالطاقة بشكل متزايد في البحر ويقوض حقوق دول أخرى.
التورط التركي
وأصدر مشروع سياسة شرق المتوسط في معهد الأمن القومي الأمريكي (JINSA) تقريراً حول تداعيات تورط تركيا في ليبيا وبحسب المشروع أدى قدوم المستشارين العسكريين الأتراك والمقاتلين بالوكالة والأسلحة المتقدمة إلى تفاقم القتال وشجع طرابلس على التخلي عن محادثات السلام.
وأشار مشروع سياسة شرق المتوسط لمعهد الأمن الأمريكي إلى "حلقة مفرغة" رد حفتر عليها عينياً بدعم "معنوي" متفرق ومصر وروسيا وفرنسا وغيرها.
ولفت المعهد أنه إذا ساعدت تركيا طرابلس في تحقيق النجاحات العسكرية التي من شأنها تعزيز اتفاق الحدود البحرية الأخير مع الحكومة هناك فأن ذلك يتعارض بشكل مباشر ومقصود مع المطالبات اليونانية والقبرصية على الرغم من أنها تتمتع بمكانة أقوى بموجب القانون الدولي. كما أنه يعقد جهود هذه الدول وإسرائيل لتطوير الغاز الطبيعي وتسليمه إلى القارة الأوروبية.
تركيا والإرهاب
إذا أخذنا مناورات تركيا مجتمعة في الاعتبار فإنها تزيد من حدة الصراع في ليبيا تماماً مثلما يحدث مع فيروس كورونا كل هذا يمكن أن يخلق مساحة لإحياء تنظيم داعش الإرهابي في المنطقة ويزيد من خطر موجات اللاجئين الجديدة إلى أوروبا.
وتتحدى تصرفات أنقرة بشكل مباشر المصالح الأمريكية في تعزيز تنمية الطاقة الإقليمية السلمية، ومع ذلك تبقى أمريكا غائبة بشكل واضح.
وتعترف واشنطن رسمياً بحكومة الوفاق طرابلس ربما لتأييد المجتمع الدولي سابقاً لها، لكن ترامب أيد هجوم الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفترالعام الماضي وعلى عكس أوروبا أو الأمم المتحدة لم تقد الولايات المتحدة أي مبادرات تأييداً لمحاولة المشير حفتر توحيد البلاد وطرد الميليشيات الإرهابية باستثناء المطالبة بوقف "إطلاق النار الإنساني".
لفترة طويلة جداً كان غياب أمريكا سبباً متساهلاً لصراع ليبيا المتعمق وتوسعها إلى حرب بالوكالة الإقليمية ويجب على الولايات المتحدة الآن أن تقود جهوداً متضافرة لإنهاء القتال قبل أن تتعمق ليبيا أكثر في الفوضى وتأخذ معها الكثير من شرق البحر الأبيض المتوسط.