تقرير أمريكى يكشف كواليس الحرب الدائرة بين ”أمراء قطر”
بعد إصرار قطر على رفض المطالب العربية لإنهاء الأزمة، أصبح هناك العديد من التساؤلات ،لاسيما فيما يتعلق بتمسكها بالرفض وفي المقابل تشدد العرب في عدم التنازل عن مطالبهم، الأمر الذي فاقم من الأزمة، وقد اعتبر الباحث إيريك تريجر أن الصراع وجوديا ويكمن في قلبه الإخوان المسلمين،حيث تصر الدوحة على دعم الجماعة بينما يرى الغرب أن الأخيرة تشكل تهديدا لأنظمة حكمهم
قال الكاتب ٱريك تريجر الباحث المتخصص في شئون الشرق الأوسط في مقال له بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى ،انتهاء المهلة التي منحتها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر لقطر من أجل الاستجابة لثلاثة عشر مطلبا حتى تتم إنهاء الأزمة , دون جدوى.
وأشار إلى أنه كبداية طلب من قطر تخفيض علاقاتها مع إيران، وإغلاق قناة الجزيرة، ووقف منح الجنسية القطرية للمعارضيين المنفيين من بلدان أخرى، وعلى الرغم من جهود الوساطة الأمريكية والكويتية الرفيعة المستوى، لم يتم التوصل إلى اتفاق في الموعد الذي حددته الدول الأربع ،حيث تعتبر قطر أن المطالب هي اعتداء على سيادتها ورفضت الخضوع للضغوط. أما الدول الأربع الأخرى التي أعلنت عن فرض حظر اقتصادي ودبلوماسي على الدوحة في الخامس من يونيو فقد أصرت مرارا وتكرارا بأن مطالبها غير قابلة للتفاوض، ووعدت بمزيد من التصعيد إذا مر الموعد النهائي دون التوصل إلى اتفاق.
وظاهريا، ليس هناك من جديد في الخلافات السياسية التي تشكّل صلب هذا الصدع، ولطالما اعتبرت الكتلة المناهضة لقطر أن الدوحة مقربة للغاية من إيران، ومحرضة جدا في دعمها لقناة الجزيرة ووسائل الإعلام المماثلة، وداعمة جداً للحركات الإسلامية. أما الأشياء الجديدة فهي المخاطر التي تدركها الكتلة المناهضة لقطر في المواجهة الحالية، فالسعودية والإمارات بشكل خاص تنظران إلى دعم قطر للجماعات المنتسبة للإخوان المسلمين بأنه يهدد نظاميهما بشكل كبير، وبالتالي لا تعتبران أن تصرف قطر مرفوض فحسب، بل غير مقبول تماما ولا يمكن الاستهانة به.
وفي الواقع، بينما تشمل مطالب البلدين الثلاثة عشر من قطر مجموعة من القضايا، إلا أن الأغلبية الساحقة منها تتعلق بمخاوفهما المستمرة بشأن علاقة قطر بجماعة الإخوان المسلمين ،وتعكس رغبتهما في وأد ما تعتبرانه تهديدا وجوديا في مهده.
وإلى حد ما، كان القلق يساور الحكومات الملكية الخليجية إزاء استقرارها على المدى البعيد منذ آواخر عام 2010، عندما بدأت سلسلة من الانتفاضات الشعبية في الإطاحة ببعض الأنظمة الاستبدادية عبر الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفي حين طالب الناشطون الذين كانوا في طليعة تلك الانتفاضات بإجراء إصلاح سياسي وتحقيق مساواة اقتصادية، سرعان ما تحول ما يسمى بالربيع العربي إلى سلسلة من الصراعات المريرة على السلطة. وفي أشد الحالات فتكا،اندلعت حروب أهلية في سوريا وليبيا، عندما ردت الأنظمة بوحشية على الاحتجاجات، الأمر الذي أثار صراعات قتل فيها مئات الآلاف وشرد الملايين، ولكن حتى في الحالات الأقل عنفا،واجهت الأنظمة بسرعة مخاطر محصلتها صفر، فقد هرب الدكتاتور التونسي المخلوع زين العابدين بن علي إلى المنفى في حين تمت محاكمة نظيره المصري حسني مبارك وسجنه، وقد أثارت هذه الأحداث، واحتضان واشنطن لمختلف الحركات الاحتجاجية، قلق ممالك وإمارات الخليج بما فيها قطر إلى حد ما. وفي الوقت الذي غطت فيه قناة الجزيرة ثورة يناير 2011 في مصر بتحمس شديد، إلا أنها انضمت إلى شركائها في مجلس التعاون الخليجي في معارضة الانتفاضة اللاحقة في البحرين، وشاركت في التدخل العسكري بقيادة السعودية في مارس 2011 لدعم مملكة البحرين في قمع الاحتجاجات.
لكن في ظل صعود نجم جماعات الإخوان المسلمين سياسيا في أعقاب هذه الانتفاضات، سلكت قطر مسارا مختلفا، بتأييدها بقوة هذه الجماعات. وقد عكَس قرار الدوحة جزئيا ميولها الأيديولوجية، فقد كان الأمير مقربا من رجل الدين المصري المولد يوسف القرضاوي، المرشد الروحي للإخوان المسلمين الذي عاش في قطر منذ عام 1961، وكانت قناة الجزيرة قد وفرت منصة للقرضاوي وغيره من شخصيات الإخوان لفترة طويلة بهدف تعزيز الإيديولوجية الثيوقراطية للجماعة، ولكن قرار الدوحة عكس أيضا اعتباراتها الاستراتيجية فمع فوز فروع الإخوان في الانتخابات في مصر وتونس، بدا أن الجماعة تمثّل الموجة السياسية المستقبلية ،كما لم يشكّل الإخوان أي تهديد داخلي على النظام القطري، إذ إن الدوحة طوت الفصل المحلي من الإخوان عام 1999
غير أن السعودية والإمارات اعتبرتا بروز الإخوان المسلمين بمثابة تهديدا خطيرا ففي النهاية، تسعى الجماعة إلى إقامة دولة إسلامية عالمية تحت سيطرتها، مما يعني إسقاط تلك الحكومات الإسلامية غير الخاضعة لحكم الإخوان على المدى البعيد، وقد خشيت كل من الرياض وأبوظبي من أن نجاح الجماعة في مصر وتونس وغيرهما من الدول سينشط جماعات الإخوان السرية في الدولتين، وبالفعل، كانت الحكومة الإماراتية تعمل على حل فرع الإخوان المحلي، المعروف باسم الإصلاح، منذ عام 1994، واعتبرت أن التأثير التقليدي لحركة الإصلاح داخل المؤسسات التعليمية للدولة مثيرا للقلق بشكل خاص.
وفي بادئ الأمر، حاول زعيم الإخوان المسلمين محمد مرسي تبديد هذه المخاوف من خلال زيارته للرياض بعد وقت قصير من فوزه في الانتخابات الرئاسية في مصر في يونيو 2012، كما حاولت الإمارات استمالة مرسي عبر دعوته إلى أبوظبي ،غير أن انتقادات قادة الإخوان المستمرة والصريحة للإمارات، لا سيما فيما يتعلق بمحاكمة أبوظبي أفرادا من جماعة الإصلاح عام 2013، أدت إلى تفاقم مخاوف السعودية والإمارات بشأن نوايا الإخوان البعيدة الأمد، لذلك عندما رد الجيش المصري على الاحتجاجات الشعبية عبر الإطاحة بمرسي في يوليو 2013، اعتقدت السعودية والإمارات أنهما تجنبا كارثة، ونظرتا إلى النضال ضد الإخوان الناتج عن ذلك من منطلق وجودي، وبالتالي، دعمتا بسخاء وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي ، حيث اعتبرتا أن مصيرهما مرتبطا بهزيمة الإخوان.
وعلى الرغم من أن شركاء الدوحة في دول مجلس التعاون الخليجي قد اعتبروا الإخوان بأنها جماعة تشكل خطرا قاتلا، إلّا أن قطر واصلت رسم مسار مؤيد للجماعة. وفي ثورة 30 يونيو، منحت قطر ملجأ لبعض قادة الإخوان الذين فروا من مصر، كما استضافتهم قناة الجزيرة في فندق الدوحة من فئة الخمسة نجوم ومنحتهم أوقات بث منتظمة لتعزيز قضيتهم. كما بثت قناة الجزيرة الاحتجاجات المستمرة لجماعة الإخوان المناهضة للثورة، وزُعم أنها دفعت أموال لبعض أعضاء الإخوان المسلمين عن اللقطات التي ظهروا فيها، وردا على ذلك سحبت السعودية والإمارات والبحرين سفرائها من الدوحة في مارس 2014 متهمة إياها بانتهاك مبدأ مجلس التعاون الخليجي ضد التدخل في الشئون الداخلية للدول الأعضاء. وتم حل المواجهة بهدوء بعد شهرين، وغادر قادة الإخوان المصريون الدوحة في وقت لاحق من ذلك العام.
ولكن من وجهة نظر السعودية والبحرين والإمارات، لم تلب قطر أبدا التزاماتها وفقا لاتفاقية عام 2014، واستمرت تشكل حلقة وصل بين شبكات الإخوان الإقليمية. وعلى الرغم من ذلك، لا تزال قطر تستضيف قيادة حركة حماس التي تعرف بأنها الفرع الفلسطيني لجماعة الإخوان المسلمين والتي تصنفها الولايات المتحدة كجماعة إرهابية، وفي الآونة الأخيرة نأت حماس بنفسها عن الحركة الدولية للإخوان، لكن زعيمها أكّد أنه لا يزال ينتمي إلى المدرسة الفكرية للجماعة ،وأدلى بهذا الإعلان من الدوحة، بالإضافة إلى ذلك، تواصل قناة الجزيرة تعزيز أصوات الإخوان، وغالبا ما تقوم وسائل الإعلام والمراكز الفكرية الأخرى التي يمولها القطريون بتوظيف كوادر الجماعة وحلفائهم، فعلى سبيل المثال، حتى وقت قريب، كان أحد الأعضاء السابقين لشباب الإخوان إسلام لطفي رئيسا للمجلس التنفيذي للشبكة الفضائية العربي الجديد. ولا يزال القرضاوي يتمتع بمنبر في الشبكات الفضائية في قطر.
لذلك ليس من المفاجئ أن يكون القلق من الإخوان المسلمين في صلب الأزمة الخليجية وقائمة المطالب الثلاثة عشر.
وأشار تريجر إلى أن المطلب الثاني كان يقول بأن تقطع الدوحة جميع علاقاتها مع المنظمات الإرهابية، وتحديدا الإخوان المسلمين، وإعلانها منظمة إرهابية.
والمطلب الثالث يدعو الى اغلاق قناة الجزيرة والمحطات التابعة لها التي تعتبرها هذه الدول كناطقة بلسان الإخوان، والمطلب الرابع يدعو في هذا السياق إلى إغلاق ما لا يقل عن اربعة منافذ إعلامية أخرى تعتبر إلى حد كبير موالية لجماعة الإخوان.
ويدعو المطلب الخامس الدوحة إلى إنهاء الوجود العسكري التركي الحالي في قطر على الفور وإنهاء أي تعاون عسكري مشترك مع تركيا داخل قطر، ويعكس ذلك قلق الدول الأربع من التعاطف الصريح للرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع قضية الإخوان المسلمين ضد ثورة يونيو في مصر، واحتمال أن يؤدي النفوذ التركي داخل قطر إلى تعزيز الدعم القطري لمنظمات الجماعة.
وفرض المطلب السادس على الدوحة إيقاف كافة أشكال التمويل للأفراد الذين وضعوا على لائحة الإرهاب أو الجماعات أو المنظمات التي أدرجتها السعودية والامارات ومصر والبحرين والولايات المتحدة ودول أخرى على قائمة المنظمات الإرهابية، والذين يضمون العديد من الأفراد والجماعات المنتسبين للإخوان المسلمين.
وجاء في المطلب السابع بتسليم قطر شخصيات إرهابية وكافة الأفراد المطلوبين من السعودية والإمارات ومصر والبحرين إلى بلدانهم الأصلية، وهي قائمة تضم كوادر الجماعة ومؤيديهم،و من بينهم القرضاوي.
ويدعو المطلب الثامن الدوحة إلى إنهاء التدخل في الشئون الداخلية للدول ذات السيادة، التي تشمل دعمها لفروع الإخوان في جميع أنحاء المنطقة، والمطلب التاسع يدعو بصورة فعلية إلى تكرار ذلك، حيث نص على وقف قطر كافة علاقاتها مع المعارضة السياسية في السعودية والإمارات ومصر والبحرين، وتسليم كافة الملفات التي تتضمن تفاصيل اتصالات قطر السابقة مع جماعات المعارضة ودعمها.
واعتبر تريجر هذا الصدع وجوديا للحكومة القطرية أيضا لكن نظرا لتاريخ البلاد الطويل من الانقلابات وعمليات التنازل عن العرش، لا توجد إجابات جيدة للدوحة، وسوف يؤدي رفض الامتثال للمطالب الثلاثة عشر إلى تفاقم التهديد الخارجي الذي تواجهه، علما بأن الإذعان لهذه المطالب سيظهر ضعفا على الساحة المحلية، ويمكن أن يجعل الأمير عرضة للخطر.