هل تصح صلاة مَن يتشكك في اتجاه القبلة بمكان وجوده؟.. الإفتاء ترد

الصلاة في غير اتجاه
الصلاة في غير اتجاه القبلة

حدد الدين الإسلامي اتجاة القبلة المسلمين نحو الكعبة المشرفة، وحث على أن يولي المسلم وجه تجاهها عند صلاته، وحث الشرع أيضًا على تحري القبلة قبل الشروع في الصلاة.

ومن هنا يثور تساؤل ما حكم الشرع فيمن صلى دون تحري اتجاه القبلة؟، ويوضح الموجز الإجابة في السطور التالية. 

ما حكم الشرع فيمن صلى دون تحري اتجاه القبلة؟

السؤال السابق ردت عنه دار الإفتاء، بعدما وردها سؤال جاء في نصه: (شخص سافر إلى مكان ما، وأقام فيه مدةَ شهرٍ، وأدى الصلوات المفروضة دون أن يتحرَّى اتجاه القبلة، وفي نهاية مدة سفره ظهر له وتأكَّد أنه كان بالفعل مستقبلًا للقبلة الصحيحة في صلاته، فما مدى صحة صلاته؟ وهل يجب عليه إعادتها لكونه لم يتحرَّ القبلة منذ البداية؟. 

استقبال القبلة شَرْطٌ من شروط صحة الصلاة

وأجابت الدار: إنه من المقرَّر شرعًا أنَّ استقبال اتجاه القبلة شَرْطٌ من شروط صحة الصلاة، وجمهور الفقهاء على أنَّ الواجب على مَنْ أراد الصلاة وجَهِلَ جهة القبلة، هو السؤال عنها أو الاجتهاد في تحرِّي إصابةِ جهتها، فإذا تَرَكَ الاجتهاد في تحرِّي اتجاه القبلة -دون جَهْلٍ أو نسيانٍ- وصلى، فإن تبين الخطأ في إصابة جهة القبلة بطلت صلاته ووجب عليه إعادتها، وإن تبين عدم الخطأ وتحقق أنّه قد أصاب جهة القبلة -وهو محل السؤال-، فقد اختلف الفقهاء في صحة صلاته، مع اتفاقهم على كونه مُقصِّرًا بتركه الاجتهاد أو التحري وسؤال غيره.
وتابعت الدار: أنه قد ذهب الحنفية في المعتمد عندهم والحنابلة في قولٍ إلى أنَّ صلاته صحيحةٌ ولا تجب عليه الإعادة؛ لعموم قوله تعالى: ﴿فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ شَطۡرَهُ﴾ [البقرة: 150]، ولأنَّه أصاب القبلة، وهو المأمور به شرعًا عند أداء الصلاة، ولأن ما افترض لغيره يشترط حصوله لا تحصيله.

دار الإفتاء


واستشهدت الدار بما قاله العلامة ابن نجيم الحنفي في "البحر الرائق" (1/ 303، ط. دار الكتاب الإسلامي): [لو صلى في الصحراء إلى جهة من غير شك ولا تحرٍّ: إن تبين أنه أصاب أو كان أكبر رأيه أو لم يظهر من حاله شيء حتى ذهب عن الموضع فصلاته جائزة، وإن تبين أنه أخطأ أو كان أكبر رأيه فعليه الإعادة] اهـ.
وتابعت الدار في فتواها: قال العلامة ابن مفلح الحنبلي في "المبدع في شرح المقنع" (1/ 362، ط. دار الكتب العلمية): [وإن صلى بلا تحر أعاد، وعنه: يعيد إن تعذر التحري، وقيل: ويعيد في الكل إن أخطأ، وإلا فلا] اهـ.
ووأضافت: ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة في المعتمد عندهم إلى بطلان صلاته ووجوب الإعادة عليه؛ لأنها مبنيةٌ على وَهْمٍ لا ظنٍّ راجحٍ الذي عليه مبنى الفقه.
واستكملت: قال العلَّامة العدوي المالكي في "حاشيته على كفاية الطالب الرباني" (1/ 332، ط. دار الفكر): [إذا صَلَّى بغير اجتهادٍ فإنَّه يعيد أبدًا وإن أصاب القبلة] اهـ.
وأضافت: قال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (1/ 492، ط. دار الفكر): [(فرع) فيما يُفْعَلُ من العبادات في حال الشك من غير أصلٍ يُرَدُّ إليه ولا يكون مأمورًا به، فلا يجزيه وإن وافق الصواب، فمن ذلك... شَكَّ إنسانٌ في القبلة فصلَّى بلا اجْتِهَادٍ فوافق القبلة... ففي كل هذه المسائل لا يجزيه ما فعله بلا خلاف] اهـ.

وتابعت: قال العلَّامة ابن مفلح الحنبلي في "الفروع" (2/ 129، ط. دار الرسالة): [ومن صلَّى بلا اجتهادٍ ولا تقليدٍ، أو ظَنَّ جهةً باجتهاده فخالفها: أعاد] اهـ. ويُنظر: "عمدة الطالب" للعلَّامة البهوتي الحنبلي (1/ 69، ط. مؤسسة الجديد النافع).
ووأشارت غلى أنه ما عليه الفتوى هو قول جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة في معتمدهم من وجوب الإعادة عليه؛ وذلك خروجًا من خلاف العلماء، واحتياطًا لأمر الصلاة، ومن ترك الإعادة أجزأته صلاته؛ لِـمَا تقرَّر من أنَّ أفعال العوام بعد صدُورِها منهم محمولةٌ على ما صح من مذاهب المُجتهدين ممن يقول بالحلِّ أو بالصِّحة؛ فإن مراد الشرع الشريف تصحيح أفعال المكلَّفين وعباداتهم وعقودهم ومعاملاتهم ما أمكن ذلك.
واستشهدت الدار بـ: قال العلَّامة ابن نُجيم الحنفي في "البحر الرائق" (2/ 90، ط. دار الكتاب الإسلامي): [وإن لم يستفت أحدًا وصادف الصحة على مذهب مجتهدٍ: أجزأه ولا إعادة عليه] اهـ، وهذا فيما فات من صلوات أمَّا ما يستقبل فيجب الاجتهاد والتحري أو السؤال.

يجب شرعًا على من أراد الصلاة وجَهِلَ جهة القبلة أن يسأل عن اتجاهها 

وأختتمت الدار فتواها بـ: وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنه يجب شرعًا على من أراد الصلاة وجَهِلَ جهة القبلة أن يسأل عن اتجاهها أو أن يجتهد في تحرِّيها، وإن لم يسأل وترك الاجتهاد في تحرِّيها وصلَّى، فإن تبيَّن له الخطأ فصلاته غير صحيحة وتلزمه إعادتها، وإن تبيَّن عدم الخطأ وتحقق أنه قد أصاب القبلة: فمقصرٌ في أداءِ واجبِ الاجتهاد، والأصل أنه تلزمه إعادة الصلاة؛ على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة في المعتمد، ولو قلَّد من يُصحِّحُ الصلاةَ فلا بأس، مع وجوب تحري القبلة فيما يُستقبل من صلوات -بالاجتهاد أو السؤال؛ خروجًا من خلاف الفقهاء، واحتياطًا لأمر الصلاة المفروضة التي هي عماد الدين وركنه الأعظم.
اقرأ أيضًا:

حكم الطلاق الصوري مع استمرار العيش معا .. الإفتاء توضحموضوعات خطب يوم الجمعة لشهر ديسمبر.. الأوقاف تعلن عنها




 

تم نسخ الرابط