قصة القضية التي أنشأت محاكم الاستئناف في العالم.. بطلها متهم بريء

محكمة الاستئناف
محكمة الاستئناف

محاكم الاستئناف من أهم أركان النظام القضائي في العالم، والتي تعد من أقدم المحاكم صاحبة التاريخ الطويل في نظر القضايا وإعادة الحقوق لأصحابها، ولكن هل تعرف تاريخ إنشاء محاكم الاستئناف والقضية التي تسببت في تواجدها؟

يعود الأمر إلى أدولف بيك، هو شخص مولود في النرويج سنة 1841، وعاش حياته متنقلا بين النرويج وأمريكا الجنوبية وبريطانيا إلى أن حدث له ما لم يكن يخطر على باله، ففي ذات يوم سنة 1895 وبينما كان يسير في شارع فيكتوريا بلندن فوجىء بسيدة ألمانية أسمها (اتيلي ميسونيير) تستوقفه في الشارع وتطلب منه أن يعيد إليها مجوهراتها.

واستغرب بيك من كلامها وحاول إفهامها أنها تتحدث عن شخص آخر غيره، إلا أنها لم تقتنع بكلامه ورفضت تصديقه مما اضطر بيك للاستعانة بأقرب رجل شرطة حيث أخبره أن هذه السيدة الغريبة تضايقه، ولكن اتهمته السيدة أمام الشرطي أنه احتال عليها وسرق مجوهراتها، وبالطبع احتار الشرطي في تصديق الطرفين فساقهما إلى قسم الشرطة حيث بدأت هناك مأساته.

أغرب قضية

في القسم قالت اتيلي ميسونيير أنها معلمة لغات وأنها التقت من فترة وفي الشارع نفسه هذا الرجل، وأشارت إلى ادولف بيك وأنه حياها وتحدث معها وجذبها بأسلوبه فدعته إلى منزلها حيث اخبرها أنه قريب اللورد سالزبوري (الذي أصبح فيما بعد رئيسا للوزراء )، ثم دعاها إلى مرافقته في رحلة بحرية على يخته، وكتب لها شيكا بمبلغ من المال لتشتري ما تحتاجه استعدادا لهذه الرحلة، وبعدها واصلا الكلام ولا تدري كيف بخدعة بارعة وكلامه وأسلوبه الجذاب استطاع أن يأخذ منها بعض مجوهراتها بحجة أنه يشك أنها مزيفة وأنه سيعرضها على الصائغ الخاص به ليكتشف ذلك وسيساعدها ضد من باعها هذه المصوغات.

وبحسن نية سلمته هذه المصوغات قبل أن ينصرف بعد أن أعطاها رقم تليفونه لتتصل به بعد شراء لوازم الرحلة، وبالطبع اكتشفت عندما ذهبت للبنك أن الشيك بلا رصيد وانه محتال، ثم أبلغت الشرطة عنه وعن اوصافه، وصممت المعلمة أن ذلك المحتال هو هذا الرجل ادولف بيك.

رجعت الشرطة للبلاغ المقدم واكتشفت أنه حقيقي، بل وان هناك عدد من السيدات تقدمن بشكاوى مماثلة عن نفس الشخص الذي يختلف اسمه في كل حالة لكنها نفس الاوصاف، وتم احضارهن للتعرف على المحتال الذي قام بخداعهن، ووضعوا ادولف بيك بين مجموعة من المشبوهين بنفس الاوصاف والمفاجأة انهن جميعا أشرن بالأتهام إلى ادولف بيك فقط.

وأكثر من ذلك اثنان من رجال الشرطة شهدا انهما قبضا على هذا الشخص نفسه ادولف بيك في تهمة مشابهة سنة 1877 وانه حوكم وقتها بأسم مختلف هو (جون سميث) وسجن لمدة 5 سنوات.

المتهم البريء

وبرغم أن ادولف بيك اثبت امام القاضي الذي قدمت له قضية اتيلي ميسونيير وباقي السيدات أن الفترة التي قيل أنه قضاها في السجن لمدة خمس سنوات تثبت أنه ليس المقصود لأنه كان في الفترة من 1873 وحتى 1884 يعيش في امريكا الجنوبية ولم يغادرها ابدا، ولكن رفض القاضي فحص هذه الادلة واصدر حكما على ادولف بيك بالسجن 7 سنوات يوم 5 مارس 1896 بعد أن صوت المحلفون بإدانته.

امضى ادولف بيك 5 سنوات في السجن قبل أن يطلق سرحه سنة 1901 لحسن السير والسلوك على ألا يغادر بريطانيا، وبعد 3 سنوات تلقت الشرطة في لندن سلسلة جديدة من شكاوى النصب والاحتيال على سيدات وسرقة مصوغاتهن بنفس الاسلوب فألقوا القبض من جديد على ادولف بيك واحيل إلى المحاكمة بعد أن تعرفت عليه النسوة ووجهن اتهامهن إليه.

تمت المحاكمة في يونيو 1904 ووجد المحلفون أن ادولف مذنب، غير أن القاضي هذه المرة كان حكيما فأجل اصدار حكمه على بيك، وتشاء الاقدار أن يقع المحتال الحقيقي بعد أيام في قبضة الشرطة واعترف بكل شيء علاوة على اعترافه بأنه هو ايضا الذي سجن عام 1877 بأسم جون سميث وظهر أن اسمه الحقيقي وليم توماس .

بالفعل كان وليم توماس يشبه ادولف بيك في الطول والشارب وشكل الرأس وتسريحة شعره، ومع ذلك كانت هناك اختلافات بينهما فكيف شهد الجميع انهما الشخص نفسه.

إلغاء الشهود وإنشاء محاكم الاستئناف

ومنذ ذلك اليوم اصبحت شهادة الشهود ليست الدليل الحاسم في اي قضية، وانها يمكن أن تكون مضللة وخاطئة كما أن هذه القضية كانت من اهم اسباب انشاء محاكم الاسئناف في بريطانيا والعالم، فقبلها كان الحكم يصدر ويتم تنفيذه فورا وحاول كثير من المصلحين المناداة بوجوب انشاء محاكم للاستئناف، وكانت هذه القضية من القضايا التي جعلت انشاء هذه المحاكم ضرورة وهو ماحدث بالفعل سنة 1907.

ولأن الجميع شعر أن ادولف بيك سجن ظلما وشعر المحلفون والقاضي الذي اصدر الحكم على بيك بالخجل وبفداحة الغلطة الفظيعة التي ارتكبت في حق رجل بريء، ولذلك تم منح ادولف بيك 5 آلاف جنيه استرليني تعويضا عن السنوات الخمس التي قضاها في السجن، وبعد 5 سنوات توفى ادولف بيك غير أن قضيته لم تمت معه، وأصبحت من العلامات المؤثرة في تاريخ القضاء البريطاني ولمن لايعلم لم تكن وقتها قد ظهرت تقنية البصمات للتفرقة بين شخص وأخر.

أقرأ أيضا:

جريمة القرن العشرين.. تفاصيل أغرب حادثة لا يزال العلماء يدرسونها حتى الآن

حكاية أكبر معمّر مصري.. عاش 153 عامًا وأنجب للمرة الأولى في سن الـ80

تم نسخ الرابط