جريمة القرن العشرين.. تفاصيل أغرب حادثة لا يزال العلماء يدرسونها حتى الآن
هل سمعت من قبل عن جريمة القرن العشرين؟.. نعم إنها واحدة من الغرائب والنوادر التي حدثت عام 1924 ومازالت قيد الدراسة وموضع اهتمام الدارسين والباحثين في مجال العلوم الجنائية والنفسية والقانونية، حتى إنها سميت وقتها بجريمة القرن، وبخاصة أن بها قاتلان وقتیل واحد فقط.
جريمة القرن قد تبدو عادية وتافهة، لكنها على العكس من ذلك أصبحت مثار اهتمام الناس والصحافة لفترة طويلة من الزمن، والسبب ببساطة يكمن في الدافع الغريب وراء الجريمة، وفي هوية القتلة وطبيعة انتمائهم الطبقي وتحصيلهم العلمي، ما جعلها من أغرب جرائم القتل.
جريمة نابغة
كان ناثان ليوبولد مواليد 1905 نابغة بكل معنی الكلمة، نطق أول كلماته وهو بعمر أربعة أشهر فأذهل مربيته وأفزع والدي، كما دخل الجامعة 15 عاما وتخرج منها وهو لم يبلغ العشرين من عمره، ويقال بأنه حينها كان يتكلم 27 لغة، وبلغ معدل ذكائه 210 ( الإنسان العادي بين 90 - 110 ).
هذا النبوغ المبكر كانت له عيوبه أيضا، فليوبولد كان يفتقر للمهارات الاجتماعية، إذ كان اخرقا تماما عندما يتعلق الأمر بالصداقات والعلاقات ربما لأنه كان يشعر بسبب ذكاءه الخارق بأن الآخرين أقل منه قدرا، كما كان متأثرا بشدة بأفكار الفيلسوف الشهير نيتشه خاصة فكرته عن " الإنسان الأعلى ".
بطل قصتنا الأخر يدعى ريتشارد لوب مواليد 1904 كان ذكيا أيضا لكنه لم يكن بنبوغ زميله ليوبولد، فكان تفوقه الدراسي بالأساس يعود إلى أسلوب التربية المتزمت والقيود التي فرضتها عائلته عليه، وهو أيضا دخل الجامعة مبكراوكانت الجامعة بالنسبة إليه فرصة للتحرر من قيود العائلة والانغماس في حياة اللهو.
صداقة شاذة
وعلى العكس من ليوبولد كان لوب بارعا على المستوى الاجتماعي، فكان وسيما وذو شخصية جذابة ومحببة لكنه كان يخفي جانبا آخر لشخصيته لم يكن الأخرون يعلمون عنها شيئا، إذ کان متمردا يتطلع التحطيم القيود وكسر المحرمات، وهكذا فقد أدمن السرقة منذ سن مبكرة لا لذات السرقة فهو لم يكن بحاجة للمال، بل وجد فيها متنفسا لرغبات روحه المشاغبة، وكان يحلو له أن يقوم بتخريب وتحطيم الأشياء وإشعال الحرائق حتى داخل منزله ويجد متعة ما بعدها متعة في الإفلات من العقاب.
الجامعة هي التي جمعت بين الشابين وسرعان ما تطورت العلاقة بينهما إلى شكل شاذ ومنحر، فليوبولد الذي كان يفتقد الأصدقاء والعلاقات وجد ما يفتقده في شخصية صديقه الوسيم الاجتماعي فهام به حبا وتبعه مثل ظله، أما لوب فقد وجد في ليوبولد رفيقا وتابعا مثاليا يساعده في تنفيذ جرائمه الصغيرة كالسرقة والتخريب وإشعال الحرائق، غير أن هذا المزيج الغريب والمتفجر من الذكاء والشذوذ ونيتشه والروح المتمردة لم يجد ما يشبع غروره في تلك الجرائم الصغيرة والتافهة، فقد كانت هناك طموحات اكبر نشأت في راس الصديقين.
لقد أرادا أن يبرهنا بأنهما فوق البشر لا يخضعان لقوانين البشر وبأنهما مثال حي، على إنسان نيتشه المتفوق ولإثبات هذه الفكرة المجنونة قررا أن يرتكبا ما يعرف بـ "الجريمة المثالية أو الكاملة"، أي أن يقترفا جريمة وينجوان من العقاب بشكل کامل، وانهمكا لعدة شهور في وضع خطة متكاملة لجريمتهما رسما خطوطها بدقة.
خطة متكاملة
كانت الخطة تقوم على استئجارسيارة باستعمال أسماء مزيفة ثم استخدام هذه السيارة في خطف أحد الأطفال الأغنياء على أن يكون المخطوف صبيا، ثم يقومان بقتل هذا الطفل في نفس اليوم ويرميان بجثته في احد القنوات أو الجداول الصغيرة خارج المدينة ثم يطلبان من عائلة الصبي فدية مالية مقابل وعد بإطلاق سراحه.
وفى يوم 21 مايو عام 1924 استأجرا سيارة وراحا يتجولان بها في شوارع الحي الراقي الذي يقطنان فيه بحثا عن فريسة، فلم يفكرا بشخص معين كان الأمر بالنسبة لهما أشبه بجولة صيد، وشاءت الأقدار أن يلمحا عند الساعة الخامسة من عصر ذلك اليوم صبيا يعرفانه بوبي فرانکس، أبن المليونير جاکوب فرانكس الذى كان كان صبيا في الرابعة عشر من عمره يمت بصلة قرابة للوب، وكان في طريق عودته من المدرسة إلى منزله حين توقفت قربه سيارة الشابين اللذان دعواه للركوب معهما، فصعد إلى السيارة وجلس فى مقعد الراكب الأمامي من دون تردد لأنه يعرفهما جيد.
جريمة القرن
ولم تمر سوى لحظات على حركة السيارة حتى تعرض بوبي لضربة مباغتة وقوية على رأسه من الخلف بواسطة أزميل لا يعرف على وجه الدقة من الذي وجه الضربة ليوبولد أم لوب ولكنه كان حيا حينما سحبوه للمقعد الخلفي ودسوا في فمه جورب أحدهمت، ثم وضعوه على أرضية السيارة ووضعوا أقدامهم فوقه حتى لفظ المسكين أنفاسه الأخيرة جراء النزيف أو ربما اختناقا بالجورب .
وبعد أن تأكدا من موته قاما بنزع ملابسه ونثراها على جانب الطريق، ثم سكبا بعض الحمض فوق وجهه کي يصعب التعرف عليه، وتركاه لقرابة الساعة في السيارة ريثما تناولا عشاؤهما في أحد المطاعم، وأخيرا أخذا الجثة إلى خارج المدينة ورمياها تحت قنطرة صغيرة بعدها عادا إلى المدينة حيث غسلا الدم عن ملابسهما ونظفا السيارة ثم أعاداها إلى صاحبها كل شيء تم كما كان مخططا له، كانت جريمة متقنة خطفا الصبي وقتلاه ودارا بجثته في شوارع المدينة المزدحمة من دون أن يفطن لهما أحد . وحان الآن وقت الجزء الثاني من الخطة الفدية.
في ساعة متأخرة من ذلك المساء أتصل القاتلان بعائلة بوبي من هاتف عمومي،، لم يكن في المنزل سوی فلورا، والدة بوبي فالجميع كانوا قد ذهبوا للبحث عن بوبي بعدما تأخر في العودة إلى المنزل، أما القاتلان فأخبرا فلورا بأنهما خطفا أبنها فسقطت المسكينة مغشيا عليها في الحال .
وفي صباح اليوم التالي وصل ظرف بريدي إلى منزل عائلة بوبي به رسالة، وتضمنت الرسالة وعدا بإعادة بوبي إلى المنزل سليما مقابل فدية مقدارها عشرة آلاف دولار على أن يكون المبلغ من عملات نقدية قديمة فئة عشرين دولارا، وأن يوضع المبلغ كله في علبة سيجار ويلف جيدا بشريط لاصق ثم على والد بوبي أن يحمل المبلغ إلى عنوان محدد في الرسالة وينتظر هناك بالقرب من هاتف عمومي : وتضمنت الرسالة تهديدا بقتل بوبي في حال إبلاغ الشرطة .
حل الجريمة الكاملة
خطة ليوبولد ولوب كانت تقضي بالأتصال بوالد بوبي مجددا بعد وصوله إلى الهاتف العمومي الذي حدداه في رسالتهما،کانا سيطلبان منه أن يدخل إلى محطة القطارات القريبة ويقطع تذكرة إلى مدينة أخرى، وفي مرحلة معينة من الرحلة، عند نقطة محددة، على والد بوبي أن يتوجه إلى مؤخرة القطار ويرمي بالنقود إلى الخارج فيأتي القاتلان ويلتقطانها من دون أن يعرضا نفسيهما لأي خطر كانت خطة عبقرية.
وبالفعل عند الساعة الرابعة من عصر ذلك اليوم أتصل القاتلان بالهاتف العمومي الذي حدداه لوالد بوبي . لكن أحدا لم يرد أعادا الاتصال عدة مرات .. لكن لا رد فنظر أحدهما إلى الآخر بقلق .. ماذا حدث ؟ هل فشلت الخطة ؟ . ما لم يدركه الشابان في ذلك الوقت هو أن أحد المزارعين عثر على جثة بوبي في صباح اليوم التالي للجريمة.
طبعا الشرطة لم تكن تعلم من هو القتيل لكنها بحثت في البلاغات ولم يكن هناك سوى بلاغ واحد مقدم عن بوبي فاتصلت الشرطة بهم وذهب خال بوبي لمعاينة الجثة في المشرحة، وفي عصر ذلك اليوم، بينما كان والد بوبي يتأهب لركوب سيارته للذهاب إلى المكان الذي حدده القاتلان لتسلم مبلغ الفدية، أتصل به شقيق زوجته من المشرحة وأخبره بأن الجثة تعود لبوبي لكن القاتلان لم يعلما بعثور الشرطة على الجثة إلا بعد يومين عندما نشرت الصحف المحلية الخبر.
وبالرغم من فشل الجزء الثاني من خطتهما إلا أنهما لم يهتما كثيرا فالمال لم يكن غايتهما ولا يوجد أبدا ما يمكن أن يقود الشرطة إليهما، حتى الآلة الكاتبة التي طبعا عليها طلب الفدية قاما بتحطيمها ودفنها، كانا موقنين بأنهما لم يتركا ورائهما أي دليل أو أثر . لكنهما كانا على خطأ فرغم أن تحقيقات الشرطة كانت تسير في اتجاه خاطئ وبعيد تماما عن القتلة حيث حامت الشبهات حول معلمي بوبي في المدرسة وجرى بالفعل احتجاز اثنان منهم . لكن يد الأقدار تدخلت لتعيد الأمور إلى نصابها الصحيح .
فالشرطة كانت قد استدعت والد بوبي من اجل سؤاله عن بعض الأمور، وبعد انتهاء التحقيق، بينما كان والد بوبي يتأهب للمغادرة، سلمه المحقق نظارة قائلا أنها نظارة بوبي عثروا عليها بجوار جثته، فتعجب والد بوبي من ذلك وقال بأن أبنه لم يكن يرتدي نظارة . فعلمت الشرطة عندئذ بأن النظارة تعود اللقاتل . وفي الحقيقة كانت النظارات تعود لليوبولد، وقد سقطت منه أثناء نقل الجثة إلى أسفل القنطرة الشرطة لم تعطي هذا الدليل أهمية كبيرة فهناك ملايين الناس يرتدون النظارات ومن المستبعد أن تقود النظارة إلى كشف القاتل لكن عندما عرضوا النظارة على خبير العدسات أخبرهم بأن عدساتها مصنوعة بآلية نادرة جدا، وبالرجوع إلى السجلات تبين أن هناك ثلاث أشخاص فقط في شيكاغو يمتلكون مثل هذه النظارات، أحدهم هو ناثان ليوبولد .
محاكمة القرن
عند سؤال الشرطة لليوبولد عن نظارته قال بأنها سقطت منه أثناء ممارسته لهوايته في مراقبة الطيور البرية، وعند سؤاله عن مكان تواجده خلال ليلة مقتل بوبي زعم بأنه كان بصحبة لوب وبأنهما قضيا المساء برفقة مومسين فأخذت الشرطة تحقق مع لوب أيضا وبسؤال الاثنين على انفراد ظهر بعض التناقض في أقوالهما فأدرك المحققون بأنهما يخفيان شيئا ما.
وبالضغط عليهما أكثر بدءا ينهاران وكان لوب هو أول من أعترف فزعم بأنه لم يقتل بوبي قال بأنه كان يقود السيارة وبأن ليوبولد هو الذي وجه الضربة القاتلة للفتی وحين أخبروا ليوبولد بذلك لم يجد هو الأخر مناصا من الاعتراف.
محاكمة الشابين سميت بمحاكمة القرن وقد توقع الجميع بأن يحصلا على عقوبة الإعدام لكن والديهما الثريين قاما بتعيين أحد أشهر وأفصح وأنجح المحاميين في أمريكا آنذاك، المحامي كلارنس دارو، أوكلاه مهمة الدفاع أبنيهما . وكان دارو معروفا بمناهضته الشديدة لعقوبة الإعدام
وخلال المحاكمة ألقى واحدة من أروع المرافعات في تاريخ القضاء الأمریکی، فنجح في إنقاذ رقبة موكليه من حبل المشنقة، وعوضا عن ذلك نال كل منها حكما بالسجن المؤبد .
مصير القاتلين
حياة السجن لم تكن سهلة بالنسبة لشابين مترفين . ففي عام 1936 لقي لوب مصرعه ذبحا بالموس خلال شجار مع زميل آخر في الحمام أراد الاعتداء عليه جنسيا أما ليوبولد فقد أمضى 33 عاما في السجن، ولم يطلق سراحه إلا في عام 1958 بعد حصوله على عفو، في حين واجه صعوبة في الاندماج مع المجتمع من جديد، وظلت أشباح الماضي تلاحقه وكان الناس يتحاشونه، فحاول الابتعاد عن كل ذلك بالهجرة فهاجر إلى بورتوريكو حيث تزوج هناك من أرملة وعمل لسنوات كمدرس رياضيات، وألف قبل موته كتابا عن الطيور في بورتوریکو ، حتى مات بالسكتة القلبية عام 1971 .
موت ليوبولد لم يعني موت قصته فالجريمة التي أقترفها مع صديقه لوب فهى مازالت موضع اهتمام اهتمام الدارسين والباحثين في مجال العلوم الجنائية والنفسية والقانونية . فهذه الجريمة تؤكد بأن دوافع القتل لا تكون دوما متعلقة بالفقر أو التربية الخاطئة أو الدوافع الجنسية كما يحسب معظم الناس، فهناك من يقتل لا لشيء إلا من أجل متعة ولذة القتل
قصة ليوبولد ولوب تم اقتباسها في الكثير من الأفلام والمسلسلات، أشهرها فلم الحبل الألفريد هتشكوك عام 1948 وفلم أكراه عام 1959 هل كانا فعلا ذكيين؟! لماذا لما يدفنا الجثة أما أردا تحدي الجميع بجثة ظاهرة.
أقرأ أيضا:
لغز مقتل فاتنة هوليود وسر نبوءة العرافة التي تحققت في لحظات النهاية
جنّده رأفت الهجان.. الجاسوس النازي الذي تنكّر في شخصية إسرائيلي وساعد مصر