حكاية معزة السيدة نفيسة المباركة التي جمعت الذهب ولقنّت الجميع درسًا لا يٌنسى

معزة
معزة

يزخر التاريخ المصري بالكثير من القصص والحكايات الغريبة التي تعتبر جزء من الموروثات الشعبية التي تتناقلها الأجيال المتعاقبة، ومنها قصّة عنزة السيدة نفيسة المباركة التي جمعت الفقراء والأغنياء حولها!

تعود الواقعة إلى العصر المملوكى وتحديدًا خلال الحروب مع الفرنجة في الشام، إذ كان بعض الجنود المصريين قد وقعوا أسرى في يد الأعداء الذين اخذوهم معهم إلى انطاكية (جزء من تركيا حاليا).

وذات يوم من أيام المواسم عند المصريين أرسل الجنود فاشتروا عنزة من السوق ليذبحوها في مجلس ذكر، وهم يدعون الله أن يفك اسرهم ويعيدهم إلى ديارهم، ولكن الحارس المسئول عنهم رفض ذلك واستولى على العنزة واخذها إلى بيته.

معزة السيدة نفيسة

وعندما آوى الحارس إلى فراشه رأى في منامه رؤيا أزعجته فاقتنع أن هذه العنزة مباركة، وبالفعل لم تغمض عينه ليلتها ولما أشرق الصباح اخذ العنزة وأعادها للأسرى، وليس هذا فقط بل أطلق سراحهم وأيضا أعطاهم بعض المال ليعودوا إلى بلدهم، فوجدوا مركبًا ذاهبا إلى مصر فركبوه ومعهم العنزة المباركة، فلما بلغوا القاهرة ذهبوا مباشرة إلى مسجد السيدة نفيسة وقضوا ليلتهم بجوار ضريحها ومعهم العنزة.

وفى الصباح فوجئوا باختفاء العنزة، فبحثوا عنها حتى وجدوها كما حكوا قد اعتلت منارة المسجد، بينما تردد القصة بأنها كانت تكلم الناس.

وفي هذا الوقت كان للمسجد خادم اسمه الشيخ عبداللطيف، ادرك الفائدة العظمى التى ستعود عليه من ترويج قصة العنزة، فأشاع بين رواد المسجد أن السيدة نفيسة كلمته من مقصورتها وأوصته بالعنزة خيرا، وبالطبع انتشرت الاشاعة بين اهل القاهرة وزاد فيها كالعادة اهل الخير من خرافات وعجائب.

وتوافد الناس على المسجد لرؤية العنزة والتبرك بها والتبرع لها بما يستطيعونه، وانفتح باب رزق وفير للشيخ عبداللطيف فوضع تسعيرة محددة لكل درجة من درجات التقرب من العنزة أقلها هو الرؤية من بعيد أما اعلاها وأغلاها فهو المسح على جسمها للحصول على بركته.

هدايا العنزة المباركة

وانهالت الهدايا والنذور على عبداللطيف فكان يخبرهم أن العنزة لا تأكل الا اللوز والفستق ولا تشرب الا ماء الورد المحلى بالسكر المكرر، فيحمل اليه الناس اطنانا من كل هذا حتى تكدست لديه اكوام من اطيب الطعام والشراب تملأ عدة مخازن، وبالطبع بلغت القصة مسامع الأميرات وزوجات القادة وكبار التجار وتسابقوا جميعا إلى اهداء العنزة الأساور والقلائد الذهبية ليزينوا بها العنزة المباركة وبالطبع كان كل هذا يصب في جيب عبداللطيف.

كان محتسب القاهرة أيامها هو الأمير عبد الرحمن كتخدا، وكان من اشد الأمراء حزما وحسما ووعيا ورفضا لهذه الخزعبلات لكنه كان من الذكاء بمكان فأرسل إلى الشيخ عبداللطيف يرجوه أن يتعطف بزيارته في قصره ومعه العنزة المباركة حتى يتمكن اهل بيته من رؤيتها والتبرك بها، وسعد الشيخ عبداللطيف بهذه الدعوة وكاد أن يطير من الفرحة فهذه الزيارة ستفتح امامه قصور الأمراء والكبراء .

حدد الشيخ عبداللطيف يوما لهذه الرحلة الميمونة وتجمع حوله ارباب الطرق الصوفية في موكب مهيب لمرافقته من مسجد السيدة نفيسة إلى قصر الأمير كتخدا المجاور لمسجد احمد بن طولون، وامتطى الشيخ بغلته وحمل العنزة في حجره تحيط به اعلام وبيارق الطرق الصوفية وتتقدمه الطبول والمزامير وتهادى الموكب عبر شوارع الصليبية وسوق السلاح والناس يتجمعون في كل الشوارع التى يمر بها في الطريق لرؤية العنزة المباركة وهى تتربع على حجره في دهشة من هذا الحشد الغريب ولاتدرى شيئا مما يدور حولها

الأمير عبد الرحمن كتخدا

بلغ الموكب باب القصر نهض الأمير وضيوفه من العظماء والكبراء والوجهاء لأستقبال العنزة المباركة واستأذن الأمير من الشيخ عبداللطيف أن يرسل العنزة إلى جناح الحريم ليتبركوا بها ويغطوها بالهدايا فرحب الشيخ ترحيبا واسعا واعطاه العنزة ونادى الأمير على كبير الخدم واعطاه العنزة بينما اتخذ الشيخ عبداللطيف مكانه في صدر المجلس يروى للحاضرين من كبار القوم مزيدا من القصص الوهمية عن كرامات العنزة

وحان موعد الغداء فأمر الأمير بمد الموائد ودخل الخدم يحملون اطباق الفتة تعلوها قطع اللحم الشهى وانهالت ايدى الشيخ عبداللطيف وباقى الضيوف تنهش اطيب اللحوم مع الفتة الشهية، وبين الحين والحين كان الامير يميل على الشيخ عبداللطيف ويناوله مزيد من اللحم حالفا عليه أن لا يكسف يده، ويأكل هذه اللحوم فيلتهما الشيخ شاكرا للأمير حتى انتهى الطعام وشربوا المشروبات الساخنة فنهض الشيخ عبداللطيف مستأذنا في الانصراف وطلب العنزة فنظر اليه الأمير متعجبا قائلا :" اى عنزة؟"

فقال الشيخ عبداللطيف :" العنزة المباركة التى دخلت جناح الحريم"

فقال الأمير :"العنزة لم تدخل جتاح الحريم مطلقا ولكنها دخلت بطنك ياكاذب يافاجر ياأفاق وهذا دليل على ضلالك المبين "

كان الأمير عندما وافق الشيخ على ارسال العنزة إلى جناح الحريم قد اعطى كبير الخدم التعليمات، فأخذ العنزة إلى المطبخ حيث انهالت عليها سكين الجزار فذبحتها وسلختها وتسابق الطباخون إلى سلقها وتحميرها وتجهيز الفتة من شوربتها

ذهل الشيخ عبداللطيف من المفاجأة وحاول الأفلات بجلده هاربا لكن الأمير امسك بخناقه وامر مماليكه بضربه ستين عصا على رجليه ثم امر بوضع جلد العنزة على عمامته وطاف به الجنود في شوارع القاهرة ليكون عبرة لكل النصابين والمحتالين الذين يستغلون العاطفة الدينية للعب بعقول الناس والدين منها برىء.

أقرأ أيضا:

قصة غريبة وراء ”حسبة برما” التي شغلت الجميع في قرية مصرية

لن تصدق.. أول عبارة غزل في التاريخ قالها ملك لزوجة تزوج عليها 54 امرأة

تم نسخ الرابط