الدكتور علي عبد النبي يوضح الابتكارات التكنولوجية للطب النووي لعلاج الأورام

الدكتور علي عبد النبي
الدكتور علي عبد النبي

تحتاج البشرية للطاقة النووية ليس فقط من أجل توليد الكهرباء، إذ أن هذه الطاقة تعتبر مصدراً لتحقيق المزيد من الفرص والاكتشافات الجديدة، الغرض منها هو تحقيق الفائدة لجميع الناس.

وفي هذا السياق تتسم البحوث في مجال الطب النووي أهمية خاصة وواضحة، إذ أن التكنولوجيا النووية ساهمت ليس فقط في جعل العديد من الإجراءات الطبية أكثر فعالية، بل أثبتت أهميتها أيضًا في علاج الأمراض المزمنة.

وفي إشارة إلى إن الأبحاث والدراسات أظهرت أن الطب النووي يمكن أن يقلل من خطر الوفاة بنسبة 38% ويبطئ من الاصابة بمرض السرطان بنسبة 60% وكذلك بالنسبة لأمراض مثل الزهايمر وأمراض القلب والأوعية الدموية.

ولهذا السبب من المهم للغاية بالنسبة لنا أن ندرس الابتكارات في هذا المجال.

وعلق الدكتور علي عبد النبي، نائب رئيس هيئة المحطات النووية السابق، على الوضع بما يلي:

أود بداية أن أشير إلى إن تاريخ الطب النووي، بدءًا من اكتشاف الأشعة السينية والنشاط الإشعاعي في أواخر القرن التاسع عشر، يعتبر مثالاً للتقدم العلمي السريع، ومع مرور كل عقد من الزمن، تضاف أدوات وتقنيات جديدة وأكثر تطورًا إلى ترسانة هذا التخصص، وتشمل التطورات الرئيسية تصميم جهاز السيكلوترون لإنتاج النويدات المشعة، واختراع حجرات التلألؤ والماسحات الضوئية PET، واكتشاف امكانية استخدام النويدات المشعة المختلفة مثل اليود -131 و التكنيشيوم -99 م.

على وجه الخصوص أصبح التكنيشيوم-99م، منتشرًا على نطاق واسع في التشخيص والعلاج، فهذا النظير المشع هو نتاج "اضمحلال بيتا" للموليبدينوم-99 ويستخدم في العديد من الدراسات الطبية مثل التصوير المقطعي المحوسب بانبعاث فوتون واحد والتصوير المقطعي بانبعاث البوزيترون.

كما أصبح فلوروديوكسي جلوكوز أيضًا عنصرًا مهمًا في التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني، خاصة في تشخيص السرطان. ومنذ عام 1975، أصبح استخدامه معروفًا على نطاق واسع وأعطى زخمًا لتطوير تقنيات التصوير الطبي.

فيما يتعلق بفعالية العلاج، فقد أثبت الطب النووي أهميته بالفعل. يتم تشخيص 20 مليون مريض بالسرطان في جميع أنحاء العالم كل عام، ويحتاج حوالي 50% منهم إلى تشخيص إشعاعي. ولكن في بعض الحالات، العلاج بالطب النووي هو وحده القادر على إنقاذ وإطالة حياة الأشخاص المصابين بالسرطان في المرحلة الثالثة أو الرابعة.

  • كيف يتم استخدام التقنيات النووية في الطب؟

أولاً، تعتبر التقنيات النووية مهمة جدًا في التصوير التشخيصي، حيث يُستخدم التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني FDG والمستحضرات الصيدلانية الإشعاعية الأخرى على نطاق واسع للكشف عن الأمراض المختلفة، بما في ذلك السرطان والاضطرابات العصبية والقلبية، ويستخدم التصوير الضوئيSPECT النظائر المشعة وهو مفيد بشكل خاص لتصوير تدفق الدم ووظيفة الأعضاء.

أما فيما يتعلق بالعلاج الإشعاعي، والذي قد يكون إشعاعًا بروتونيًا، فهو نوع جديد نسبيًا من العلاج الإشعاعي يستخدم البروتونات بدلاً من الفوتونات أو الإلكترونات، مما يوفر دقة أكبر ويقلل الضرر الذي يلحق بالأنسجة السليمة المحيطة. يتم قصف ذرات الورم بالبروتونات، "الجسيمات الثقيلة"، ويمكن تحديد الاتجاه ومكان التوقف بدقة شديدة، في إشارة إلى إن العلاج الإشعاعي الموضعي هو علاج إشعاعي داخلي يتم فيه حقن مصدر مشع مباشرة في الأنسجة المريضة.

بدوره يقوم “CyberKnife” بتوليد حوالي 200 شعاع تتجمع عند نقطة واحدة حيث يوجد الورم السرطاني.

وتعتبر المستحضرات الصيدلانية الإشعاعية مهمة جدًا أيضًا، والتي تشمل النظائر المشعة العلاجية - نظائر مثل اليود -131، والتي تستخدم لعلاج أنواع معينة من سرطان الغدة الدرقية، ولا ينبغي أن ننسى أيضًا التشعيع، الذي يُستخدم لتعقيم المعدات الطبية التي يمكن التخلص منها مثل المحاقن والأدوات الجراحية.

تشمل التطورات الأخيرة في هذا المجال ما يلي: العلاج الموجه بالنويدات المشعة هو مزيج من الأجسام المضادة والنظائر المشعة لاستهداف الخلايا السرطانية بشكل أكثر دقة، كما يتم باستمرار تطوير تقنيات الطب النووي والعلاج الإشعاعي الحديثة لجعل الإجراءات أكثر أمانًا وفعالية وسهولة في الحصول عليها. ولهذه التقنيات تأثير على تشخيص وعلاج العديد من الأمراض، وتحسين جودة حياة المرضى.

  • كيف يتم استخدام النظائر المشعة للأغراض الطبية؟

قبل كل شيء لابد من توضيح ما يلي: يتم قياس جرعة الإشعاع التي تمتصها أعضاء جسم الإنسان بـ "الزيفرت"، ويحدث مستوى الإشعاع الذي يزداد عنده خطر الإصابة بالسرطان عندما تتجاوز الجرعة السنوية من الإشعاع 100 ملي زيفرت، في الوقت نفسه، يستخدم التشخيص الطبي جرعات أقل بكثير: جرعة الأشعة السينية للصدر هي 0.1 ملي زيفرت؛ مع التصوير الشعاعي للثدي - 0.4 ملي زيفرت؛ أثناء فحص الأسنان - فقط 0.005 ملي زيفرت.

النظائر المشعة هي عناصر كيميائية ذات طاقة زائدة في نواتها الذرية، مما يجعلها غير مستقرة، وللانتقال إلى حالة مستقرة، تبعث هذه الذرات طاقة، يتم استخدام في الطب النووي، حوالي مائة نظائر مشعة، وذلك باستخدام أشعة بيتا أو غاما للتشخيص والعلاج.

يتم استخدام النظائر المشعة من خلال إدخالها إلى الجسم عن طريق الحقن أو عن طريق الفم. يعتمد نوع وكمية المادة التي يتم إعطاؤها على المريض وعمره ونوع المرض وموقعه، بمجرد تناولها، يتم توزيع المواد المشعة في جميع أنحاء الجسم ويتم مراقبة حركتها بواسطة أجهزة خاصة، عند الوصول إلى موقع التشخيص، يتم إنشاء صور أو مقاطع فيديو للإشعاع الصادر باستخدام كاميرات خاصة، ومن خلال استخدام الأجهزة التي تسجل أشعة غاما، يمكن للمهنيين الأطباء مراقبة العمليات في أجزاء مختلفة من الجسم، والحصول على صور ثنائية أو ثلاثية الأبعاد باستخدام التصوير المقطعي المحوسب.

تلعب النظائر المشعة دورًا رئيسيًا في تشخيص أمراض أنسجة العظام، بما في ذلك الفقرات والمفاصل وعظام الجمجمة، وهذه النظائر المشعة تساعد في تحديد الكسور ومراقبة عمليات التكلس والالتئام، وكذلك تشخيص الأمراض المختلفة، بما في ذلك الالتهابات وتسوس الأسنان وهشاشة العظام.

عند استخدام النويدات المشعة التي ينبعث منها البوزيترون، يتم إدخال مواد إلى الجسم تتجمع في أنسجة معينة، وأثناء عملية التحلل فإنها تطلق البوزيترونات، التي تتفاعل مع الإلكترونات لتوليد أشعة غاما.

  • ما هي أنواع الأورام السرطانية الموجودة؟

هناك أكثر من 200 نوع من الأورام السرطانية ويمكن أن يظهر السرطان في أجزاء مختلفة من جسم الإنسان. علماُ أن إحدى طرق تصنيف السرطان هي من مكان ظهوره في الجسم، يمكن أيضًا تصنيف السرطان حسب نوع الخلايا التي يتطور فيها: سرطان في الجلد أو في الأنسجة الداخلية للأعضاء والسرطان الذي يتطور في العظام والغضاريف والدهون والعضلات أو الأوعية الدموية وسرطان النخاع العظمي، حيث يتم إنتاج خلايا الدم البيضاء والسرطان في خلايا الجهاز المناعي والسرطان في خلايا الدماغ والحبل الشوكي.

  • حدثنا بمزيد من التفصيل عن آخر التطورات في مجال الطب النووي؟

تلعب النظائر الطبية دوراً كبيراً في هذا المجال. تعد شركة روساتوم healthcare، وهي قسم من شركة روساتوم الحكومية، إحدى الشركات الرائدة عالميًا في إنتاج النظائر الطبية، وفي هذا الاطار تعرض روساتوم على السوق 16 نوعًا من المعدات الطبية الشهيرة من تصميمها وإنتاجها الخاص، على سبيل المثال، مجمع غاما العلاجي "Brachium"، الذي ينتمي إلى العلاج الإشعاعي الموضعي، مخصص للعلاج المعقد لأمراض الأورام في أعضاء الحوض والثدي والمريء والبلعوم الأنفي وتجويف الفم باستخدام العلاج الإشعاعي التلامسي.

قدمت روساتوم هذا العام، في معرض Africa Health ExCon ​​الذي أقيم في القاهرة، خط إنتاج في مجال الرعاية الصحية، والذي شمل أيضًا الأدوية المستخدمة لمرضى المرحلتين الثالثة والرابعة من السرطان، تعتبر مصر اتجاهًا مهمًا استراتيجيًا لتطوير التعاون مع روسيا.

تنتج شركات روساتوم عددًا من النظائر الطبية لتشخيص أمراض الجهاز الهضمي والغدة الدرقية وغيرها من أمراض الأورام والقلب، وكذلك للأغراض العلاجية أو التلطيفية مثل: علاج سرطان الغدة الدرقية والنقائل العظمية.

وتقوم روساتوم حاليًا ببناء أكبر مصنع في أوروبا لإنتاج المستحضرات الصيدلانية الإشعاعية، والذي سيسمح في عام 2025 بإنتاج منتجات الصيدلانية الإشعاعية لتشخيص وعلاج مجموعة واسعة من الأمراض ذات الأهمية الاجتماعية، بما في ذلك أشكال السرطان النقيلي، ويأتي توريد المستحضرات الصيدلانية المشعة لتلبية احتياجات الأطباء والمرضى في مصر ضمن خطط مجموعة الشركات، بالإضافة إلى التطوير المشترك لأدوية جديدة.

بالإضافة إلى ذلك تتمتع روساتوم بخبرة واسعة في تطوير وإنتاج معدات الطب النووي مثل: مجمعات السيكلوترون وأجهزة الإشعاع والعلاج الإشعاعي الموضعي، مع العلم أنه يجري حاليًا تطوير أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي.

والجدير بالذكر أن روساتوم مستعدة لتوريد الأجهزة الجاهزة لمصر والعمل المشترك على تطوير نماذج جديدة من شأنها أن تساعد المواطنين المصريين الحصول على علاج فعال عالي الجودة.

ينظر الكثيرون إلى التكنولوجيا النووية على أنها مصدر للأمل، إذ أن تأثيرها يتجاوز التطبيقات الطبية، على الرغم من أنها أداة قيمة في علاج العديد من الأمراض، ومع ذلك، فإن الجانب الأكثر أهمية في التكنولوجيا النووية هو رغبتها في الحفاظ على البيئة والتقليل من الضرر الذي يمكن أن يلحق بكوكبنا، إنها بمثابة المفتاح لمستقبل مشرق لأجيالنا القادمة، مما يخلق الظروف اللازمة لاستمرارهم بشكل صحي وآمن.

تم نسخ الرابط