روسيا رائدة على مستوى العالم في مجال التعليم النووي.. «تفاصيل»
شهدت روسيا على مدى العقود الأخيرة تطوراً ملحوظاً في مجال الطاقة النووية عمدت من خلاله على توسيع دورها بشكل مطرد وتعزيز تواجدها في مختلف أنحاء العالم، والحديث يدور عن إحداث تطورات وابتكارات جديدة في مجال تصميم المفاعلات والمسائل المتعلقة بالوقود النووي والخبرة في تشغيل محطات الطاقة النووية، وبطبيعة الحال فإن كل مجال من هذه المجالات يتطلب موظفين مؤهلين تأهيلاً عالياً.
أياً كان الأمر فإن نظام التعليم في روسيا الاتحادية خاصة في مجال العلوم النووية يوفر مناهج دراسية للمتخصصين على مختلف المستويات، فعلى المستوى الجامعي تقدم روسيا برامج علمية تعليمية مكثفة في الفيزياء والطاقة النووية والسلامة الإشعاعية والكيمياء الإشعاعية وغيرها من الاختصاصات ذات الصلة، بالإضافة إلى ذلك تعمل الدولة بنشاط على تطوير التعاون الدولي في مجال الطاقة النووية والبحوث النووية وبناء المفاعلات خارج روسيا الاتحادية. كل هذه الأنشطة تتطلب أيضاً كوادر ومختصين مدربين على النحو المطلوب.
تدريب الكوادر المؤهلة في محطة الضبعة النووية
كما هو معروف تستعد مصر للانضمام للنادي النووي ويجري العمل على بناء مشروع محطة الضبعة للطاقة النووية.
في إطار اجتماعات الدورة الرابعة عشر للجنة المصرية-الروسية المشتركة للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والتقني في القاهرة في مارس 2023، أعرب الجانبان عن رغبتهما في إنشاء فروع للجامعات الروسية في مصر على أرضية جامعة برج العرب التكنولوجية في محافظة الإسكندرية. في الوقت الحالي يتم العمل على افتتاح فروع لجامعتين روسيتين شاركتا في اجتماعات اللجنة المشتركة وهي الجامعة الوطنية للبحوث النووية في موسكو وجامعة سانت بطرسبرغ الكهروتقنية، بما في ذلك بهدف تدريب الكوادر المؤهلة في محطة الضبعة النووية.
في السياق ذاته، أجرى الوفد الروسي برئاسة نائب وزير العلوم والتعليم العالي السيد قسطنطين موغيلوفسكي بمشاركة ممثلين عن شركة روساتوم الحكومية والجامعة الوطنية للبحوث النووية في موسكو وجامعة سانت بطرسبرغ الكهروتقنية، مباحثات مع وزير التعليم العالي والبحث العلمي في جمهورية مصر العربية محمد أيمن عاشور بتاريخ مايو 2023، تم خلالها مناقشة بحث المزيد من الخطوات لفتح فروع للجامعات الروسية. وبالفعل هذه خطوة كبيرة نحو الأمام، حيث يجري التعاون مع الجانب المصري في مجال التعليم وتدريب الكوادر بنجاح منذ سنوات عديدة.
تدريب الدفعات الأولى من الخبراء والكوادر في مجال إدارة محطات الطاقة النووية بمصر
وحالياً يتم بشكل مكثف تدريب الدفعات الأولى من الخبراء والكوادر في مجال إدارة محطات الطاقة النووية في جمهورية مصر العربية وذلك في الأكاديمية التقنية التابعة لشركة روساتوم في سانت بطرسبرغ. بالإضافة إلى ذلك يتم حاليًا تدريس الطلاب المصريين في الاختصاصات النووية وما يتصل من اختصاصات أخرى في الجامعات الروسية وذلك في إطار المنح المقدمة من حكومة روسيا الاتحادية المخصصة لتعليم المواطنين الأجانب.
في الوقت الحالي وفي إطار التعليم من خلال شركة روساتوم، تتوفر العديد من الخيارات للبرامج الدراسية في الجامعات الروسية المتخصصة في الصناعة النووية، بما في ذلك في الجامعة الوطنية للبحوث النووية وجامعة تومسك للعلوم التطبيقية في سيبيريا.
الجدير بالذكر أن جامعة تومسك للعلوم التطبيقية هي الجامعة الروسية الوحيدة المجهزة بمفاعل أبحاث نووي عامل وهو متاح للدراسة من قبل الطلاب الأجانب، علماً أنه في عام 2015 تم افتتاح أول برنامج ماجستير نووي دولي في هذه الجامعة.
طارق توفيق حسن الزيات مواطن مصري وهو طالب دراسات عليا في جامعة تومسك بعد أن أصبح في مارس من هذا العام متخصصًا في مجال السلامة النووية في شركة آتوم ستروي إكسبورت (القسم الهندسي التابع لشركة روساتوم الحكومية) والتي تشارك في مشروع بناء محطة الضبعة النووية.
يدرس طارق في مرحلة الدكتوراة - الدراسات العليا، باللغة الإنكليزية في جامعة تومسك للعلوم التطبيقية، عنوان الاطروحة: "الطاقة النووية والحرارية والمتجددة والتقنيات ذات الصلة" في كلية الهندسة للتقنيات النووية. كما يخطط طارق للدفاع عن أطروحته في الفترة ما بين مايو ويونيو وهو الآن في مصر في موقع مشروع محطة الضبعة للطاقة النووية.
وفي هذا الاطار تحدث طالب الدراسات العليا قائلاً:"تشمل مسؤولياتي مراقبة الامتثال لقواعد ثقافة السلامة، والحديث يدور عن حماية الكادر العامل في المحطة وحماية السكان والبيئة من الآثار الضارة للإشعاع المؤين، وهذا هو الهدف الرئيسي من العلوم التي حصلت عليها. تعجبني وظيفتي الجديدة لأن ثقافة السلامة تعد مجالاً مهمًا للغاية، والذي يتضمن الامتثال للسلامة النووية والإشعاعية والصناعية والبناء. كل هذا مهم جدًا لمشروعنا الواسع النطاق.
بالإضافة إلى ذلك تعتبر السلامة من أهم شروط الطاقة النووية بشكل عام. من المهم جدًا بالنسبة لي أن أكون جزءًا من هذا المشروع، وهو أمر مهم بشكل أساسي لبلادي، وأود هنا أن أعرب عن جزيل الشكر لشركة روساتوم الحكومية بشكل خاص وروسيا الاتحادية بشكل عام وكذلك جامعة تومسك للعلوم التطبيقية على هذه الفرصة التي أتيحت لي.
تخرج طارق من إحدى الجامعات المصرية بدرجة البكالوريوس، ثم ذهب إلى روسيا للدراسة من أجل الحصول على تعليم مرموق يرتقي إلى المستوى الدولي ضمن اختصاص العلوم النووية. وبالفعل أكمل دراسة الماجستير في الجامعة الوطنية للبحوث النووية في موسكو، وبعد ذلك اختار جامعة تومسك لدراسة الدكتوراة وفق المنح المقدمة من قبل حكومة روسيا الاتحادية من خلال شركة روساتوم الحكومية.
وهنا لابد من أن نذكر بأن أحد العوامل الحاسمة في اختياره لهذه المؤسسة التعليمية العريقة هو حقيقة أن الجامعة لديها مفاعلها النووي البحثي الخاص وهو المفاعل الجامعي الوحيد العامل في روسيا الاتحادية والمكان الوحيد الذي يمكن تدريب المختصين الأجانب على تنفيذ تجارب تتعلق بالعلوم النووية.
وتابع طارق حديثه قائلاً: "لقد وقع اختياري على هذا الاختصاص لأن الطاقة النووية تنتمي إلى أنواع الطاقة "الخضراء" وهذا النوع من الطاقة يشهد حالياً تطوراً ملحوظاً في جميع أنحاء العالم. في الوقت نفسه فإن النهج المتبع من قبل روسيا تجاه الطاقة النووية هو النهج المعترف به في الكثير من بلدان العالم. لذلك التعليم في روسيا بالنسبة لي كان هو الخيار الأفضل. إذ تتمتع روسيا الاتحادية بالعديد من المعاهد والجامعات الرائدة في هذا المجال، إحداها هي جامعة تومسك للعلوم التطبيقية.
من ناحية فإن هذه الجامعة تتمتع بتاريخ غني، ومن ناحية أخرى يمكن الحصول على أحدث تعليم في مجال الهندسة النووية".
محطة الضبعة النووية مهمة للغاية ليس فقط لجمهورية مصر العربية ولكن للقارة الأفريقية بأكملها
ويضيف أن محطة الضبعة النووية مهمة للغاية ليس فقط لجمهورية مصر العربية ولكن للقارة الأفريقية بأكملها. وسوف يهيء المشروع الظروف لمزيد من التنمية في البلاد وتحسين الشروط البيئية. وأوضح طارق بهذا الشأن قائلاً: "أولاً إن تطوير قطاع الطاقة النووية يؤثر بحد ذاته على أنواع أخرى من الصناعات. وفي كل عام تنمو وتتطور الحياة في مصر وهذا يتطلب مجموعة متنوعة من مصادر الطاقة، وليس نوعًا واحدًا فقط.
ثانيًا من وجهة نظر توفير الموارد، فإن محطة الطاقة النووية تسمح بعدم استخدام موارد النفط والغاز الطبيعي في مصر، وبالتالي الحد من التأثير سلبياً على البيئة، ذلك لأن الطاقة النووية لا تنتج انبعاثات ضارة أثناء التشغيل. بالإضافة إلى ذلك توفر المحطة النووية الوظائف للعلماء والمتخصصين العلميين والباحثين التقنيين والخبراء الفنيين. وهذا بحد ذاته تطوير للبنية التحتية في بلادنا، لأن تطوير الطاقة النووية يتطلب بنية تحتية حديثة وبناء الطرق. لذلك فإن مثل هذه المشاريع تؤثر على جميع مجالات الحياة في الدولة وتعمل على تحسينها. بالإضافة إلى ذلك فإن هذا لا يؤثر فقط على مصر، بل إن تطوير الطاقة النووية سيؤثر على منطقة الشرق الأوسط بأكملها".
ونوه طالب الدراسات العليا إلى حقيقة أنه كان في تومسك مرتاحًا سواء من ناحية الحياة المعيشية أو الدراسة. إذ يتقن الأساتذة في جامعة تومسك للعلوم التطبيقية اللغة الإنكليزية بشكل جيد، ويوجد قسم تحضيري للطلاب الأجانب وقسم للغة الروسية والعديد من دورات اللغة الأخرى.
ولذلك فإن النهج المتبع في جامعة تومسك الحكومية يساعد في تذليل هذه الصعوبات وتبسيط العملية الدراسية بالنسبة لجميع الطلبة. كما أحب أيضًا أن يتواصل الأساتذة معنا بشكل غير رسمي، فنحن هنا نتعامل مع بعضنا البعض كأسرة أو أصدقاء حميمين. فإذا حدث شيء ما وواجهتنا بعض المشاكل، فإنهم يبذلون كل الجهود لتقديم المساعدة لحل هذه المشاكل. على سبيل المثال أنا حالياً في مصر، ومع ذلك نتواصل حتى الآن باستمرار مع المشرف، فهو يقدم لي الاستشارة العلمية والنصيحة حول جميع المسائل المتعلقة بالإعداد للدفاع عن الأطروحة. إذا تحدثنا عن روسيا ومصر بشكل عام، فهناك الكثير من الأشياء المشتركة بين بلدينا أكثر مما قد يعتقده البعض، خاصة في مجال الثقافة. لقد لاحظت بأن روسيا تشبه إلى حد كبير منطقتنا أكثر من دول أوروبا وأمريكا. لذلك لا أشعر أنني أجنبي هنا وإنني غريب في هذه البلاد، خاصة وإن نمط الحياة هنا لا يختلف كثيرًا عن أسلوب الحياة في جمهورية مصر العربية.
الجدير بالذكر أن 48 طالبًا من الطلبة الأجانب ومن بينهم 13 من جمهورية مصر العربية أنهوا بنجاح في عام 2021 البرنامج العلمي "المحطة النووية: التصميم والتشغيل والهندسة" بتمويل من شركة روساتوم الحكومية.
د. نورا حسن، دكتور فيزياء مفاعلات نووية، قسم هندسة محطات الطاقة النووية كلية الهندسة الجامعة المصرية الروسية شاطرتنا رأيها قائلة: "الهندسة النووية مجال سريع التطور وتتمتع بإمكانات كبيرة في المستقبل. وبما أن العالم يواصل مساعيه للانتقال إلى الطاقة النظيفة والمستدامة يتزايد الطلب على الطاقة النووية. ونتيجة لذلك يختار العديد من الشباب اليوم المجال النووي للارتقاء في السلم المهني ومن المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه في السنوات القادمة".
هناك اهتمام متزايد من قبل المعنيين في مصر في دراسة الهندسة النووية
وأضافت د. نورا: "هناك اهتمام متزايد من قبل المعنيين في مصر في دراسة الهندسة النووية، وبُذلت جهود لتوسيع المناهج والبرنامج العلمية لتشمل جميع الجامعات في الدولة. تم القيام بذلك من أجل إنشاء جيل كبير من المهندسين المؤهلين الذين يمكنهم المساهمة في نمو وتطوير هذه الصناعة الحيوية. يشار إلى إن الهندسة النووية هي مجال متعدد التخصصات يعتمد على مبادئ الفيزياء والكيمياء والهندسة.
وبالتالي فإن الطلاب الذين الحاصلون على هذه الدرجة العلمية يطلعون على مجموعة واسعة من المواد العلمية، بما في ذلك الفيزياء النووية والحماية من الإشعاع وتصميم المفاعلات وإعادة معالجة الوقود النووي. بصرف النظر عن الجوانب الفنية يوفر هذا المجال فرصًا هائلة للابتكار والتطوير، إذ يمكن استخدام الطاقة النووية بطرق مختلفة. وبما أن الشباب يواصلون إبداء الاهتمام بالهندسة النووية، فإنه من المهم ضمان حصولهم على التدريب والتعليم اللازمين لتحقيق التقدم العلمي المطلوب".
الهندسة النووية مجال واعد يتمتع بآفاق كبيرة في المستقبل
وتختتم د. نورا حسن حديثها بالقول: "الهندسة النووية مجال واعد يتمتع بآفاق كبيرة في المستقبل. ومن خلال تقديم الدعم لأساليب التعليم والتدريب في هذا المجال، يمكننا ضمان أن الجيل الصاعد من المهندسين النوويين سيكون مجهزًا بشكل جيد للمشاركة في التطوير والنمو.
ومن خلال الحصول على التعليم والمهارات الصحيحة، يمكنهم تقديم المساعدة في دفع هذا القطاع إلى الأمام والمساهمة في مستقبل أنظف وأكثر استدامة".
من ناحية أخرى هناك عوامل ومؤشرات تلعب دورًا مهمًا في الصناعة النووية مثل الالتزام الصارم بمعايير اختيار الموقع وتصميم المحطة وتشغيلها والكادر المشغل وتحسين كفاءتهم.
في هذا الصدد أشار الدكتور كريم الآدهم خبير السلامة النووية والرئيس السابق لهيئة الأمان النووي قائلاً:"محطات الطاقة النووية هي أنظمة معقدة تتطلب إجراءات هندسية وتشغيلية لضمان أمنها وسلامتها. وبالتالي يتم تصميم كل جزء من محطة الطاقة النووية وفق مراعاة العوامل الخارجية، بما في ذلك الظروف الميكانيكية والحرارية والإشعاعية والمناخية.
المهندسون في المجال النووي لهم دورًا حاسمًا في ضمان الاستخدام الآمن والفعال للطاقة النووية
تعتبر عملية تشغيل المفاعل أمرًا بالغ الأهمية يتعلق بمؤشر السلامة، ويتم تدريب المهندسين النوويين على الحفاظ على ظروف معينة لضمان هذه التدابير، كالتحكم في درجة الحرارة والضغط ومستوى الوقود داخل المفاعل، وكذلك ضمان التدفق المستمر لمياه التبريد لمنع ارتفاع درجة الحرارة، بالإضافة إلى إجراءات منع الحوادث والأعطال هناك أيضًا تدابير متبعة لتقليل تأثير أي حوادث محتملة، مثل الهياكل الوقائية لمنع تسرب المواد المشعة.
ويلعب المهندسون في المجال النووي دورًا حاسمًا في ضمان الاستخدام الآمن والفعال للطاقة النووية. وعليه فمن خلال تصميم وصيانة كل جزء من محطة للطاقة النووية بدقة متناهية ومن خلال اتباع إجراءات تشغيل صارمة، فإن كل ذلك يقلل من مخاطر الحوادث وتوفر الأمن والسلامة للسكان والبيئة.
وأود أن أشدد على حقيقة هامة وهي أن الحصول على أسس التعليم في الهندسة والأبحاث النووية على أيدي رواد العالم في هذا المجال الحيوي سوف يسمح لجمهورية مصر العربية بتحقيق النجاح والتفوق في قطاع الصناعة النووية".