راشيل كيك.. قصة عاملة النظافة الإفريقية التي أصبحت نائبة في البرلمان الفرنسي
قررت اقتحام عالم السياسة بعدما عملت لسنوات عديدة كعاملة نظافة في عدة فنادق باريسية، وتمكنت من الفوز في الانتخابات التشريعية الفرنسية التي عُقدت الجولة الثانية منها، يوم الأحد الماضي، وذلك بعد أن تغلبت على وزيرة الرياضة السابقة روكسانا ماسينونو، أنها راشيل كيك (48 عامًا)، التي ولدت في ساحل العاج وعاشت فيه جل شبابها قبل أن تغادر إلى فرنسا، وافقت أن تكون ضمن المرشحات اللواتي خضن غمار الانتخابات التشريعية باسم "الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد" الذي يتزعمه جان لوك ميلنشون، والذي يضم عدة أحزاب من بينهم حزب "فرنسا الأبية" والحزب الاشتراكي وحزب الخضر والحزب الشيوعي، إضافة إلى جمعيات سياسية واجتماعية أخرى.
من فندق "إبيس" إلى أروقة البرلمان الفرنسي
لم تأخذ راشيل قرار دخول المعترك السياسي بسهولة، بل فكرت كثيرًا كونها تملك "نظرة سلبية إزاء عالم السياسة" كما قالت لجريدة "لاكروا" الفرنسية، فكانت تخشى أن يتم "توظيفها أو استغلالها من قبل أحزاب سياسية".
لكن بعد مدة من التفكير، قررت في نهاية المطاف دخول الحلبة السياسية حيث واجهت وزيرة الرياضة السابقة روكسانا ماراسنينو في الدائرة الانتخابية السابعة وهي "فال دو مارن" في الضاحية الباريسية.
ورغم العروض الكثيرة التي تلقتها من قبل أحزاب كثيرة، إلا أنها اختارت أن تنخرط مع "الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد" الذي يتزعمه ميلنشون.
ما ميز راشيل كيك عن باقي المرشحين الآخرين، هو أنها دخلت عالم السياسة والانتخابات لأول مرة وهذا لم يمنعها من امتلاك شعبية وسط الفرنسيين منذ إعلان ترشحها وبروز اسمها على وسائل الإعلام الفرنسية.
وظيفتها الأساسية لوقت ليس ببعيد كانت تنظيف غرف الفنادق الباريسية وبالتحديد غرف فندق "إبيس" التابع لمجمع "آكور" في الدائرة السابعة عشرة بباريس.
ولدى هذه المرشحة سجل نقابي طويل، باعتبارها هي التي كانت وراء الإضراب التاريخي التي نظمته عاملات النظافة في فندق "إبيس" طيلة اثنين وعشرين شهرًا (يوليو 2019 حتى مايو 2020)، وهو أطول إضراب عرفه هذا القطاع في فرنسا.
ومن بين المطالب التي رفعتها راشيل كيك وزميلاتها آنذاك، رفع الأجور وتقليص ساعات العمل فضلا عن منح العاملات حقوقًا أخرى، كدفع نصف ثمن وجبات الغذاء وبطاقة المواصلات من قبل الشركة.
التحديات تصنع المستحيل
قبل أن تصل إلى فرنسا، لم تكن راشيل من تلك النساء اللواتي كن يردن سلك طريق النضال السياسي، بل كانت بالعكس شابة خجولة، لكن فقدانها لوالدتها، وهي في السن الثانية عشرة، جعلها تنظر إلى الحياة بشكل مختلف عن باقي الفتيات من نفس العمر، "أصبحت تشعر بالحزن كونها هي التي كانت تهتم بأخوتها الأربعة في ساحل العاج"، حسبما صرحت به شقيقتها تاتيانا للصحافة الفرنسية.
وبعد الانقلاب العسكري الذي شهده ساحل العاج في 1999، غادرت راشيل بلدها وجاءت إلى فرنسا وبالتحديد إلى باريس في الدائرة الثمانية عشرة.
عملت في قطاعات عديدة في البداية (كبائعة في المراكز التجارية ومساعدة للمسنين إلخ...) ثم التحقت بقطاع الفنادق لتعمل كعاملة نظافة في فندق "إبيس" حيث كانت تقوم بتنظيف وتجهيز أكثر من أربعين غرفة كل يوم مقابل راتب لا يتعدى 1300 يورو شهريًا.
شعور راشيل بأنها مستغلة من قبل الفندق، جعلها تنخرط في نقابة عمالية لتدافع عن مصالحها ومصالح الموظفات اللواتي كن يعملن معها، فخاضت غمار الانتخابات النقابية وفازت بمقعد في الكونفدرالية العامة للعمال، وقالت: "أدركت فجأة بأنني أستطيع حماية الآخرين، خاصة تلك النساء المنظفات اللواتي لا يعرفن القراءة ولا الكتابة". وكان أول إجراء قامت به بعد انتخابها كممثلة للعمال، تنظيم إضراب للمطالبة بتحسين وضع عاملات النظافة.
وفي نهاية المطاف، انتصرت العزيمة وحققت عاملات النظافة في فندق "إبيس" أهدافهن، فعلى سبيل المثال بينما كانت راشيل كيك تتقاضى قبل الإضراب ألفا وثلاث مئة يورو (1300 يورو) أصبحت تتقاضى ألفا وسبع مئة يورو (1700 يورو)، كان ذلك بمثابة انتصار كبير لها.
أريد الدفاع عن النساء والعمال
أما اليوم فهي تريد أن تناضل على مستوى أعلى. "أريد الدفاع عن الذين لا نراهم وعن البسطاء أريد أن يرى الفرنسيون هؤلاء المخفيين، مثل عمال النظافة والبائعات والممرضات وعمال قطاع الأمن والمدرسين، كل هذه الوظائف المهمة بالنسبة للمجتمع".
ومن بين القضايا التي تريد الدفاع عنها راشيل، قضية التربية والتعليم لا سيما في الأحياء الشعبية والفقيرة. فهي تعتبر أن ابنها "كان من المفروض أن يكون مهندسًا، لكن عدم تمكنه من القيام بتربص في شركة حال دون ذلك. اليوم يقوم بإيصال الوجبات الغذائية السريعة إلى الزبائن ويرفض العودة إلى مقاعد الدراسة".
وبفوز راشيل كيك، في الانتخابات، ستكون بذلك أول عاملة نظافة على الإطلاق تنجح في دخول البرلمان الفرنسي.
وأطاحت كيك على منافستها بنسبة 50.3% وبفارق يقل عن 200 صوت، لكن فوزها استقبل بتصفيق مدو وبصيحات تنادي: "راشيل كيكي نائبة".
وبعد ذلك بدقائق علقت أمام مناصريها قائلة: "هذا الانتصار تاريخي"، مشبهة ما حصلت عليه بكأس العالم، ومضيفة: "سأكون نائبة مثالية، إنني أريد أن أنظف الجمعية الوطنية".