شقيقه فنان معروف وتجمعه علاقة صداقة قوية بالعندليب..له قصة مثيرة مع إسرائيل ورفض التلحين لأم كلثوم.. حكايات الموسيقار علي إسماعيل
تصادف اليوم ذكرى ميلاد الملحن الكبير علي إسماعيل والذى ولد فى مثل هذا اليوم من عام 1922، ويعتبرواحد من أيقونات الموسيقى التصويرية في السينما المصرية، وعرف علي إسماعيل بلقب بيتهوفن مصر نظراً لألحانه الرائعة والمميزة، حيث أنه قدم الموسيقى التصويرية لعديد من الأفلام المصرية من أبرزها فيلم “الأيدي الناعمة” للفنان أحمد مظهر، وفيلم “الحقيقة العارية” للفنانة ماجدة، عمل ضمن فرقة محمود رضا حيث كان رئيساً للفرقة الموسيقية ومؤلف موسيقى أغاني الرقصات، ابتكر فكرة الثلاثي المرح وقدم لهم أغاني منها أغنية “العتبة جزاز”.
قدم العديد من الأغاني التي ألهبت حماس الجنود قبل إنتصار أكتوبر مما هز عرش إسرائيل وطالبوا بقتله.. أمره الزعيم جمال عبد الناصر بقص شعره وكرمه السادات.. وبكي علي فراقه العندليب عبد الحليم حافظ ورفض التلحين لأم كلثوم... ومن أشهر أغانية "رايحين رايحين.. شايلين في إيدنا سلاح"، وأغنية "حلاوة شمسنا"، وأغنية "فدائي" للعندليب الأسمر وأغنية "الأرض لو عطشانة" وغيرها من الأغاني التي قام بتليحنها...
ولد علي إسماعيل في 28 ديسمبر من العام 1922 في حي المناصرة بدرب الدقاق، كان والده إسماعيل خليفة يعمل مدرساً للموسيقى في البداية وبعد ذلك عمل قائداً لفرقة الموسيقي الملكية.
تدرج علي في التعليم حتى حصل على دبلوم مدرسة الصناعات البحرية من السويس وكان بحكم الموهبة والنشأة يتمتع باذن موسيقية حساسة ودرس الموسيقي الغربية على يد الأستاذ (برنتي) والتحق بالمعهد العالي للموسيقي المسرحية - قسم الآلات إلي جانب عمله كموسيقي مجند بالجيش.
كان على إسماعيل زميلاً للمطرب عبد الحليم حافظ في معهد الموسيقى الذي كان يسمى آنذاك "معهد فؤاد الأول"، وكانت الدفعة تشمل أسماء لمعت في عالم الموسيقى بعد ذلك مثل: كمال الطويل وأحمد فؤاد حسن وفايد كامل.
وعمل في كازينو بديعة مصابني والذي كان محطة مهمة في مشواره الفني، وفى بداياته لحن مونولوجات، وعمل كعازف أيضًا في فرقة الموسيقار محمد عبد الوهاب، وظهر في فيلم “غزل البنات” بأغنية “عشق الروح”، واستطاع أن يثبت نفسه ويبرز موهبته بالتدريج في كازينو بديعة، وقدم “لحن مونولوج” لبديعة مصابنى أعجبت به وغنته ثريا حلمى وقتها، وبعدها بدأ اسمه يُعرف في الوسط الفنى عن طريق الكازينو، وتعرف عن طريقه على المخرج الكبير حسن الإمام ومحمود رضا وعلى رضا، وكون معهم بعدها “فرقة رضا”.
تزوج علي إسماعيل من نبيلة قنديل، وكانت بداية تعارفهما، عن طريق أحد أصدقاءه، ويدعى زكى غنيم، وكان عازفًا معه في فرقة رضا وأحد جيرانه، وكان علي دائم التردد عليه، وفى ذلك الوقت كان يدرس في المعهد، ويعزف في كازينو بديعة وفرقة محمد عبد الوهاب، وشاهد نبيلة ذات مرة أثناء وجوده عند صديقه، وكانت عائدة من المدرسة، وبدأ بعد ذلك يتابعها وينتظرها أمام المدرسة، وتجرأ ذات مرة وتحدث معها لكنها رفضته في البداية ثم كتب لها خطابًا، وردت عليه وبعدها طلب أن يتقدم للزواج منها، ولكنها كانت من أسرة غنية فرفض شقيقها الزواج، وطرده وقال له: “مش هاجوز أختى لزمار”.
وتم منع نبيلة بعدها من المدرسة لفترة، وأثناء عمل على بكازينو بديعة لاحظت إحدى صديقاته من الفنانات حزنه، وعندما علمت بالقصة نصحته بأن يتزوجها، وبالفعل هربت نبيلة معه وتزوجته عند صديقته، وأقاما في منزلها لعدم امتلاكه لمنزل وقتها، ثم اكتشف فيها موهبة الكتابة وشجعها عليها، وكان أشهر ما قدمته، هي بعض الأغاني الوطنية مثل أغنية (فدائي) و(دع سمائي) في فترة الخمسينات التي واكبت الأحداث السياسية في ذلك الوقت، وأنجب علي إسماعيل إبنه سماها شجون علي إسماعيل و مصطفى على إسماعيل الذي عمل ملحن لمحمد منير ولطيفة وغيرهم، وأيضا حسين على إسماعيل.
عمل علي إسماعيل في فرقة محمد عبد الوهاب، كما أصبح رئيسا لفرقة الاختين رتيبة وانصاف رشدي وكان يعزف علي آلتي الساكسفون والكلارنيت في الملاهي الليلية في عدة فرق منها فرقة (ببا عزالدين) و(احسان عبده)، وعندما كون الاخوان رضا (علي رضا ومحمود رضا) فرقة رضا للفنون الشعبية كان علي إسماعيل هو رئيس الفرقة الموسيقية ومؤلف موسيقى كل الرقصات والتابلوهات الاستعراضية وطاف معهم أغلب دول العالم وهو أهم انجازاته الموسيقية ومنها: رنة الخلخال - المجنونة نين زين - رقصات صعيدية، كما لحن علي إسماعيل جميع الأغاني والموسيقي التصويرية لأفلام فرقة رضا وهي :(اجازة نصف السنة) و(غرام في الكرنك).
وابتكر فكرة (فرقة الثلاثي المرح) فقدم لهم أغنياتهم الشهيرة (العتبة جزاز - يا أسمر ياسكر - مانتاش خيالي ياوله -وغيرها)، ووضع الموسيقي التصويرية لاكثر من 350 فيلما سينمائيا مصرياً، وكان أشهرها "الأرض - الأيدي الناعمة - معبودة الجماهير".
قبيل حرب أكتوبر 73 تم تكليفه بإعداد عملاً عن تحرير سيناء، وألفت زوجته الشاعرة نبيلة قنديل أشهر أغنية عن حرب أكتوبر ولحنها وهي: "رايحين رايحين.. شايلين في إيدنا سلاح.. راجعين راجعين.. رافعين رايات النصر.. سالمين سالمين.. حالفين بعهد الله.. نادرين نادرين.. واهبين حياتنا لمصر"، وفي اليوم التالي للحرب، أذيعت الأغنية على المصريين، فأصبحت النشيد الرسمي الشعبي للحظة العبور في ذلك الوقت وبعد استشهاد ابن الفنانة شريفة فاضل كتبت زوجته أغنية "أم البطل" ولحنها.
وكما يروي الكاتب عمر طاهر في سلسلة مقالاته "الصنايعية" عن استهداف إسرائيل لعلي إسماعيل وطلب قتله، فيقول : "أغنيات علي إسماعيل الوطنية جعلت مندوب "منظمة فتح" الفلسطينية يطرق بابه، حاملاً إليه الدعوة لزيارة معسكرات الفدائيين، من جهة ليتعرف على الرجال الذين يلهب حماسهم بموسيقاه، وفي الوقت نفسه ليضع موسيقى النشيد الوطني الفلسطيني في صحبة ياسر عرفات ورفاقه، فأقام إسماعيل أربعة أيام هناك ثم عاد ليسجل "فدائي"، وعندما استمع إليها عبدالحليم أصر أن يغنيها، وحققت نجاج كبير، وكانت واحدة من أهم مراحل النضال، وشجع نجاحها علي إسماعيل أن يقيم كل ثلاثة أشهر حفلاً موسيقيًّا للمقاتلين، مرةً اصطحب معه فرقة رضا، ومرات اصطحب معه مشاهير الفنانين، إلى أن أبلغه المسؤولون أن رأسه مطلوب، وطالبوا بالتوقف عن زيارة الجبهة، فكان أن كثف عدد الزيارات إلى أن احتدم القتال وصارت الزيارة مستحيلة"، وقدم العديد من الموسيقي للعالم العربي وليس مصر فقط، فعلى سبيل المثال قدم الموسيقى التصويرية لفيلم “ثورة اليمن” إيمانًا منه بقضيتهم، وقدم أيضًا النشيد الوطنى الفلسطينى.
كان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تجمعه علاقة قوية بالموسيقار على إسماعيل، حيث كان دائم المشاركة في احتفالات أعياد الثورة ويقود الأوركسترا دائمًا، وفي ذات مرة أمر عبد الناصر علي بأن يحلق شعره، ووقتها كان يصافح كل المشاركين في الحفل الزعيم، وعندما جاء الدور عليه قال له عبد الناصر: “أنا عايز أعرف”، فأجابه “اؤمر”، وبعدها قال عبد الناصر: “أنت يعنى مش هاتعرف تطلع مزيكا غير وشعرك عالى كده من غير ماتقصه؟!”، ليرد: “أوامرك ياريس”، واختتم عبد الناصر حديثه معه قائلًا: “الحفلة الجاية قصَّر شعرك”، وبعد تلك الحفلة قام على إسماعيل بتنفيذ كلام عبد الناصر وقصَّ شعره لأول مرة في حياته، ثم تقابل مع عبد الناصر في حفلة أخرى بعدها، وعندما صافحه قال له: “أنا بأحمد ربنا إنى شفت شعرك قصير”، وكانت علاقتهما قوية جدًا.
اما علاقته بالسادات فقد بدأت بعد انتصار أكتوبر 1973، وقبل ذلك شهدت فترة النكسة والهزيمة في 1967 إنتاجًا هزيلًا لعلى إسماعيل ونبيلة قنديل وجميع المبدعين، وتسبب نصر1973 في حالة من الزهو والفرحة انعكست على الفن، وقدم على ونبيلة أول أغنية للنصر وكانت “راجعين”، وشكلت إحدى أيقونات النصر وقدما أيضًا “أم البطل” و”رايحة فين يا عروسة”، وحضر على إسماعيل احتفالية واحدة لنصر أكتوبر قبل وفاته، وقاد فيها الأوركسترا، وبعدها اتصل به السادات بنفسه وطلب منه أن يشرف على أغنية “الزفة” لحفل زفاف ابنته، واشترط السادات أن يلحنها على إسماعيل، وتكتبها نبيلة قنديل وتغنيها مها صبرى، وبعد وفاته أمر السادات بأن تقام له جنازة عسكرية ويذاع خبر وفاته في التليفزيون، ويعرض خبر الوفاة أيضًا قبل الفيلم في النشرة بالسينمات، وتعرض الجنازة أيضًا شهرًا كاملًا.
وكانت تجمعه علاقة قوية بالعندليب عبد الحليم حافظ، ولحن له العديد من الأغنيات و عندما سمع العندليب خبر وفاته وكان حينها في منزله، وكان وقتها ممنوعًا بأمر الأطباء من الحركة، وبمجرد أن سمع حليم الخبر اتصل بكمال الطويل، وطلب منه الحضور بسرعة، وأزال الأجهزة الطبية، وغادر المنزل “حافي” القدمين من شدة الصدمة، ولم ينتبه إلا عندما أخبره كمال الطويل بأنه نسى ارتداء حذائه، وردد وقتها جملة واحدة: “على مات يا كمال.. جزء من المزيكا مات”، وانهار بالبكاء.
وكان يرفض التلحين لأم كلثوم فقد كانت فرقة على إسماعيل أكبر فرقة وقتها وضمت أمهر العازفين، وكانت أم كلثوم دائمًا تتصل به وتطلب منه بعض العازفين بالاسم ومنهم “عظمة”، وذات مرة مازحت أم كلثوم على إسماعيل قائلة: “انت مش عايز تلحن لى يا واد يا على”، فأجابها قائلًا: “يبقى انتى عايزة تكتبى شهادة إعدامى.. هو أنا أطول ولا أقدر”، والحقيقة أنه لم يخف من التجربة بل رفضها بروح الدعابة والمرح لإدراكه أن ذلك ليس مكانه ويُعتبر ذكاء منه وقتها.
وفي إحدى إحتفلات الثورة وقع علي مغشيًّا عليه، وكانت أول مرة يكتشف فيها أنه مريض بالقلب، وتعرض لأزمة قلبية ومكث في المستشفى يومًا واحدًا وغادر، وكان يتمني ان يموت وهو يقدم أعماله الفنية وهذا ما تحقق فقد كان موجود يوم وفاته في مسرح الحرية ليسلم سمير خفاجى مسرحية "كباريه" وافتتاحية فيلم “مولد يا دنيا” للمخرج حسين كمال، والذي أخبره أنه سيسافر لتسلم جائزة جمال عبد الناصر من روسيا، وتقديم عروض مع فرقة رضا ثم يعود ويسلمه الافتتاحية والموسيقى التصويرية، لكن المفاجأة أن علي صمت بعد ذلك الحديث وتوفى، وكان معروفًا عنه حبه للمقالب وروح الدعابة، مما جعل حسين كمال يقول له وقتها: “مش وقت مقالب يا على”، وبعدها كرر حديثه أكثر من مرة، ورفع رأسه ليجده ميتًا، وتحققت بذلك أمنيته حيث كان دائمًا يدعو الله ويقول: “يارب خدنى وأنا واقف باشتغل"، وأطلق اسمه على أحد الشوارع في حي بولاق الدكرور.