سالم حامدي: البحث العلمي استراتيجية عربية لتجاوز الصعوبات التي نواجهها
قام الدكتور سالم حامدي، رئيس الهيئة العربية للطاقة الذرية، اليوم الأحد، بإلقاء كلمة خلال المؤتمر العربي الـ15 للاستخدامات السلمية للطاقة الذرية المنعقد بمدينة أسوان، مؤكدا فيها أن البحث العلمي استراتيجية عربية لتجاوز الصعوبات التي نواجهها.
ولفت إلى أن مدينة أسوان التي تعبق برائحة العظمة والتاريخ الحافل بالأمجاد، حيث استطاع المصريون الأوائل تأسيس حضارة عظيمة لاتزال شواهدها شامخة تحكي قصة حضارة عريقة أُسّست على ضفاف النهر الخالد، ومازالت هذه الحضارة لم تكشف عن جميع أسرارها إلى حد الآن بالرغم ممّا وصل إليه العالم اليوم من تقدم في تفسير الموروث الحضاري لجميع الحضارات القديمة.
وأوضح، إن هذا المؤتمر يساهم بدرجة كبيرة في تحقيق التنمية الشاملة والرفاهية للشعوب العربية، كما يؤدّي إلى تأسيس إقتصاد المعرفة وفروعه المتعددة خاصة إذا أضفنا إلى هذا الخيار الموروث الفكري والحضاري العريق للأمة العربية حيث كان العرب خلال القرن السابع حتى أواسط القرن السادس عشر منارة العلم والمعرفة، إذ مع انهيار الدولة الفارسية والبيزنطية لجأ علماء وأطباء هاتين الدولتين وحرفييها ونخبتها الاقتصادية والإجتماعية إلى الدولة العربية الناشئة، وجلبوا معهم كم هائل من المعارف والعلوم والتقنيات التي لم يكن العرب يعرفونها.
واستكمل كلمته قائلاً:«وأصبحت دمشق، وحلب، وبغداد، والقيروان، والقاهرة، وفاس، وقرطبة مراكز علم بها جامعات وفيها صناعات متقدمة وأطباء ومهندسون. فكانت هذه المدن مزاراً لطالبي العلم وكان العلماء محل احترام العامة والخاصة، وانتشرت المكتبات ونَسخ الكتب واهتموا بالترجمة من جميع اللغات المعروفة وقتها من الهندية إلى الفارسية إلى اليونانية، وبرز علماء كثيرون مثل ابن سينا والفارابي والخوارزمي وجابر بن حيان وابن رشد والكندي وغيرهم كثيرون».
واستكمل حديثه قائلا:«وأدّى إنهيار الدولة العباسية ومن بعدها الدولة الفاطمية ثم سقوط الخلافة في الأندلس إلى ظهور دول جديدة، كالدولة الإسبانية والدولة البرتغالية والدولة العثمانية التي بسطت سلطتها على المنطقة العربية باسم الخلافة الإسلامية، ثم تلاها الاستعمار الأوروبي، حيث دخل العرب في حالة خمول حتى النصف الأول من القرن العشرين، وظهرت دول الاستقلال التي بدأت تهتم بالبحث العلمي واكتساب المهارات وتوطين التكنولوجيا والتشجيع على التعليم والبحث العلمي وصولاً إلى المرحلة التي نعيشها اليوم، حيث ازداد الإيمان بأن البحث العلمي والتفكير العلمي والأخذ بأسباب التقدم والتطور وتوطين التكنولوجيا هو السبيل الأمثل لتحقيق الإزدهار والتنمية ورفاهية الشعوب.
وأشار إلى أن الدول العربية، بذلت جهوداً لا يستهان بها للنهوض بالبحث العلمي واختلف واقع البحث العلمي من دولة إلى أخرى، حيث الإنفاق على البحث العلمي لا يزال متدنياً ممّا أدى إلى إنخفاض الإنتاج العلمي بالدول العربية مقارنة بالدول المتقدمة. وهذا الأمر يدفعنا إلى التفكير بعمق في إصلاح منظومة التعليم والبحث العلمي بصفة عامة، والتعليم العالي بصفة خاصة، وتتأكد ضرورة الإصلاح إذا ما علمنا أن نسبة الشباب في الوطن العربي هي %33 من مجموع السكان، بينما النسبة العالمية لا تتجاوز 26.% وتمثل هذه الفئة العمرية لبعض الدول العربية التي تعاني من مؤسسات قاصرة وخدمات اجتماعية محدودة عبء مرهق، لذلك فإن حتمية إصلاح المنظومة التعليمية أصبحت ضرورة مؤكدة.
وأفاد رئيس الهيئة العربية للطاقة الذرية، خلال كلمته بأن الدول العربية انتبهت مبكراً إلى أهمية الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، وبالتالي بادرت منذ القمة العربية الأولى التي عقدت بالإسكندرية عام 1964 إلى الدعوة لتأسيس جهاز عربي يعنى بتطوير التعاون العربي في مجال الاستخدام السلمي للطاقة الذرية، وتأسست اللجنة العربية للتعاون في مجال الاستخدام السلمي للطاقة الذرية التي أدت إلى إعلان إنشاء الهيئة العربية للطاقة الذرية وبدء العمل الفعلي لها في 15/2/1989.
وتابع : «منذ نشأتها بذلت الهيئة جهوداً مكثفة للنهوض بالإستخدامات السلمية للطاقة الذرية في الدول العربية وتعزيز التعاون بينها في هذا المجال الهام، وأولت بالباحثين العرب عناية خاصة وفتحت لهم فرصة اللقاء المشترك، فكان هذا الفضاء الذي نلتقي فيه اليوم تحت عنوان المؤتمر العربي للاستخدامات السلمية للطاقة الذرية الذي عقدت دورته الأولى في مدينة طرابلس - ليبيا خلال العام 1992 وتوالت دوراته من القاهرة ودمشق وتونس وبيروت وصنعاء وعمّان وأربيل والخرطوم والحمامات وشرم الشيخ، وصولا إلى مؤتمرنا هذا الذي نلتقي فيه اليوم مجموعة خيرة من أبناء شعبنا العربي من العلماء والباحثين الأجلاء لإلقاء بحوثهم وعرض أهم نتائجها ومناقشتها وتبادل الرؤى والخبرات وتعزيز أواصر التعاون وتطوير البحث العلمي وتحقيق التراكم المعرفي النووي وتحقيق الإستفادة مما توصلوا إليه من نتائج».
وأضاف حامدي:«منذ الإعلان الأول عن المؤتمر ورغم تداعيات جائحة كورونا وتأثيرها سلباً على جميع أنواع العمل فقد حرصنا على عقد المؤتمر والتخطيط الجيد لتنفيذه في أحسن الظروف حضوريا وعن بعد، حيث تقدم إلى المؤتمر 144 بحثاً من 10 دول عربية أجازت منها الأمانة العلمية للمؤتمر 140 بحثاً وزعت للتحكيم من طرف أساتذة ومتخصصين متميزين في 10 دول عربية، حيث انتهت اللجنة العلمية للمؤتمر بعد مراجعة نتائج التحكيم إلى إجازة 118 بحثاً مقبولة نهائيا للإلقاء في المؤتمر وتم توزيعها على محاور المؤتمر.
كما يتضمن برنامج المؤتمر عدد عشر محاضرات عامّة في مختلف مجالات العلوم النووية المرتبطة بمحاور المؤتمر وتغطي جوانب مختلفة من الاستخدام السلمي للطاقة الذرية».
وأوضح أن اللجنة العلمية للمؤتمر، ستتابع مختلف الجلسات اليومية وتسجل النقاشات والتوصيات الخاصة بكل جلسة وكل محور من محاور المؤتمر وستُضمن هذه التوصيات في التقرير الختامي للمؤتمر. وهذه التوصيات موجهة أوّلاً إلى المسؤولين في الدول العربية عن الطاقة الذرية، وثانياً توصيات موجهة إلى الهيئة العربية للطاقة الذرية بشأن برامجها وأنشطتها في كل محور من محاور المؤتمر. وأيضا ستكون هناك توصيات إلى السادة الباحثين، وخاصة الباحثين الشبان، حول طرق البحث ووسائله وكيفية الاستفادة من نتائج هذه البحوث.
شارك بالمؤتمر كل من الدكتور محمد شاكر وزير الكهرباء والطاقة، والدكتور عمرو الحاج، رئيس هيئة الطاقة الذرية، وبحضور الدكتور أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، واللواء أشرف عطية محافظ أسوان، وبرعاية الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، ويشارك بالمؤتمر أكثر من 250 عالماً من 10 دول عربية هي «مصر، لبنان، تونس، اليمن، الأردن، فلسطين، ليبيا، السعودية، السودان والعراق».
ويشارك بالمؤتمر أيضاً عدد من ممثلي شركة روساتوم الحكومية الروسية للطاقة النووية والتي تقوم بإنشاء المحطات النووية بالضبعة والتي ستمثل بإنشائها لتلك المحطات رمزاً للصداقة المصرية والروسية في القرن الواحد والعشرين بمدينة الضبعة الساحلية، كما شهدت مدينة أسوان مقر عقد المؤتمر إنشاء رمز الصداقة المصرية الروسية في أواخر الستينات.
وتجدر الإشارة إلى أن المؤتمر يعقد في ظروف هامة بعد الافتتاح العالمي لطريق الكباش بمدينة الأقصر، وتحتضنه مدينة أسوان التي تعد مدخل مصر الجنوبي وأحد المقاصد السياحية والثقافية العالمية الهامة، مما يؤكد على أن العالم العربي والعالم أجمع ينظر بكل فخر واحترام لمصر ليس فقط بأثارها وكمقصد سياحي ولكن بأمانها وقوتها وعلمائها ومشروعاتها القومية الهامة التي قد أبهرت العالم أجمع خاصة في ظل الظروف الحالية لأزمة كورونا.
كما أن مدينة أسوان تحتضن هذا الحدث العربي والعالمي الهام خلال الفترة من 12 إلى 16 ديسمبر 2021.