كومانتشي ملكة الجمباز.. من طفلة ”شقية” إلى علامة مضيئة في التاريخ الأولمبي
قبل 45 عاما ، فجرت لاعبة الجمباز الرومانية ناديا كومانتشي كبرى مفاجآت دورة الألعاب الأولمبية التي استضافتها مونتريال في عام 1976 لتثير ضجة هائلة وصل صداها إلى حد الدعاية السياسية لبلادها.
وكانت كومانتشي لا تزال في الرابعة عشرة من عمرها عندما قدمت واحدة من أبرز اللحظات الخالدة في تاريخ الدورات الأولمبية حيث حطمت كل الأرقام السابقة وأصبحت أول لاعبة تحصد العلامة الكاملة (عشر من عشر درجات) خلال منافسات المتوازي في 18 يوليو 1976 .
وأثارت نتيجة كومانتشي ارتباكا واضحا حتى في لوحة النتائج الإلكترونية التي لم تكن معدة للعلامة الكاملة. ولهذا ظهر الرقم "1" بدلا من "10" على لوحة النتيجة.
وحصدت كومانتشي العلامة الكاملة وأصبحت من أفضل الرياضيين في القرن العشرين.
وفي ذلك الوقت ، كان أفضل نجوم ونجمات الجمباز من الاتحاد السوفيتي السابق. ولهذا كان الانطباع الذي تركته الرومانية كومانتشي هائلا.
وقالت مواطنتها نجمة الجمباز السابقة تيودورا أونجيرينو : "انظروا لما فعلته كومانتشي. إنها أفضل حتى من الروس".
وشاركت أونجيرينو في نجاح المنتخب الروماني بمنافسات الجمباز في أولمبياد 1976 بمونتريال.
والحقيقة أن رومانيا لم يكن لها أي باع في عالم الجمباز حتى ذلك الوقت ولكن كومانتشي قادت منتخب بلادها للتفوق على نظيره السوفيتي كما أصبح إنجاز كومانتشي وسيلة للدعاية السياسية.
وكانت رومانيا بقيادة الديكتاتور نيكولاي شاوشيسكو نأت بنفسها عن السوفييت ، واعتبر الغرب نظام شاوشيسكو نظاما صديقا في ذلك الوقت.
كما أعلن شاوشيسكو عن معارضته لغزو براغ في 1968 من قبل الاتحاد السوفيتي وحلفائه كما رفض شاوشيسكو مساعدة موسكو.
كما جرى التخلص من العديد من أبرز المسؤولين السياسيين والعسكريين في رومانيا بسبب علاقاتهم الفعلية أو المفترضة مع الاتحاد السوفيتي.
ويعود النجاح الروماني في أولمبياد مونتريال بدرجة هائلة إلى الصرامة التي اتسم بها المدرب بيلا كورولاي. وتردد حتى أنه كان يضرب لاعبي الجمباز الصغار كوسيلة لتعليمهم. ولكن كومانتشي لم تؤكد هذه الشائعات على الاطلاق.
وقالت كومانتشي : "لا أتخيل رياضيا يحرز المجد دون اجتهاد".
ورغم التدريبات القاسية ، كانت كومانتشي تستمتع بهذه التدريبات كما كانت تتطلع دائما لتحديات جديدة وأنظمة عمل جديدة مع تحسين الأداء.
وقال مدربها الذي انشق وفر للولايات المتحدة في عام 1981 : "كانت (كومانتشي) تريد دائما أن تكون الأفضل وهذا كان سببا في تحليقها عاليا".
وبعدها بسنوات عديدة ، اعترفت كومانتشي في تصريحاتها إلى صحيفة "ديلي ميل" البريطانية بأن تدريبات الفريق كانت تستمر لست ساعات يوميا بدلا من ثلاث ساعات كما كانت تقول دائما.
وأوضحت كومانتشي ، إلى صحيفة "أديفارول" الرومانية أنها بدأت مسيرتها الرياضية في السادسة من عمرها. وكانت والدتها ألحقتها بمدرسة خاصة للجمباز حتى تفرغ بعض طاقاتها حيث كانت كومانتشي طفلة نشيطة للغاية.
وقالت كومانتشي : "كنت أحطم دائما أي شيء بالمنزل".
وكان مارسيل دانكان أول مدرب لكومانتشي.
وقالت كومانتشي ، الفائزة بخمس ذهبيات أولمبية خلال مسيرتها الرياضية ، "كان هذا هو المكان الذي تعلمت فيه أول حركة بهلوانية والوقوف على عارضة الاتزان. هناك لعبت وتعلمت كل شيء للمرة الأولى. كانت أمي سعيدة لتخلصها مني لعدة ساعات يوميا".
وحققت كومانتشي أولى انتصاراتها الدولية في بطولة أوروبا للجمباز التي أقيمت عام 1975 بمدينة شين النرويجية.
ومنذ ذلك الحين ، اعتادت كومانتشي النجاح والانتصارات. وخلال مشاركتها في أولمبياد 1976 بمونتريال ، حصدت كومانتشي ثلاث ميداليات ذهبية إضافة لميدالية فضية وأخرى برونزية.
وفي رومانيا ، كانت هذه الإنجازات كافية ، لتحصل كومانتشي على لقب "بطلة العمل الاشتراكي" لتكون أصغر شخص يتوج بهذا اللقب.
ورغم زيادة وزنها وإصابتها في ساعد اليد عام 1978 ، أحرزت كومانتشي الميدالية الذهبية لعارضة التوازن في بطولة العالم بمدينة ستراسبورج بنتيجة بلغت 95ر9 درجة.
وفي أولمبياد 1980 بموسكو ، أحرزت كومانتشي ميداليتين ذهبيتين في مسابقتي عارضة الاتزان والحركات الأرضية إضافة لفضية الفرق لتكون هذه الدورة الأولمبية خير ختام لمسيرتها الرياضية قبل اتجاهها للتدريب.
وقبل فترة قصيرة من الثورة التي أطاحت بالديكتاتور شاوشيسكو ، تعرضت كومانتشي لأحد أكثر الأحداث المأسوية في حياتها حيث فرت بصحبة ستة آخرين من نجوم الجمباز في 27 نوفمبر 1989 من رومانيا هربا من الحكم الديكتاتوري.
وقالت كومانتشي ، في تصريحاتها إلى "ديلي ميل" عام 2014 : "الاستخبارات كانت تعلم كل شيء عني".
وفرت كومانتشي في رحلة هربها من رومانيا عبر المجر والنمسا إلى الولايات المتحدة.
وفي 1996 ، تزوجت كومانتشي لاعب الجمباز الأمريكي بارت كونر وأنجبت منه ابنها.
وأشرفت كومانتشي /59 عاما/ مع زوجها على إدارة مركز للياقة البدنية (جيمنازيوم) في نورمان بولاية أوكلاهوما الأمريكية. كما شاركت كومانتشي في عملية تطوير مستوى الجمباز ببلدها رومانيا.
وأعرب المنتخب الروماني للجمباز عن شكواه في كل من بطولة أوروبا التي أقيمت في موسكو عام 1977 وأولمبياد 1980 بموسكو وذلك لتعرضه للظلم من قبل الحكام.
وفي 1977 ، أعطى شاوشيسكو للاعبي الجمباز أمرا بالعودة لرومانيا قبل انتهاء المنافسات ولكن هذا لم يتكرر في أولمبياد 1980 .
وصرحت كومانتشي إلى "أديفارول" قائلة : "في ذلك الوقت ، لم أكن وزملائي نعلم شيئا عن الأمور السياسية. مدربونا حاولوا حمايتنا من هذه الأمور. وفي موسكو ، كنت من اضطر الحكام إلى خصم بعض النقاط".
وأضافت : "الحقيقة أنه ، مهما كان ظلم الحكام ، لا يستطيع أحد تجريدك من شيء إذا أديت عملك باتقان".
وكان شعار كومانتشي في حياتها هو "لا تصلي من أجل حياة رغدة وإنما لتصبح شخصا قويا".