أولمبياد طوكيو.. ماذا فعلت الحرب العالمية الأولى والثانية بالدورات الأولمبية؟
لم تستطع الحروب أو المقاطعات السياسية أو الرأسمالية النامية منع الدورات الأولمبية من أن تصبح أكبر الأحداث الرياضية في العالم.
وأحيا الأرستقراطي الفرنسي بيير دي كوبيرتان هذا المهرجان الرياضي من منشأه الأساسي في اليونان القديمة عندما أقيمت فعاليات أولى الدورات الأولمبية في العصور الحديثة حيث أقيمت الدورة الأولى في العاصمة اليونانية أثينا عام 1896 .
وتسببت الحربان العالميتان الأولى والثانية في منع إقامة الدورات الأولمبية أعوام 1916 و1940 و1944 ولكن العائلة الأولمبية استطاعت الاحتفال بالعيد المئوي لإقامة الدورات الأولمبية الحديثة من خلال أولمبياد أتلانتا عام 1996 .
وفيما يلى ملخصا عن أهم وأبرز الأحداث على مدار السنوات الماضية بداية من أولمبياد أثينا 1896..
أولمبياد أثينا 1896 :
أصبح نجم الوثبة الثلاثية الأمريكي جيمس كونولي أول بطل في تاريخ الدورات الأولمبية الحديثة ، بعد مرور 1583 عاما على قرار الإمبراطور البيزنطي تيودوسيوس بمنع إقامة الدورات الأولمبية ، التي كانت تقام في العصور القديمة وحتى قرب نهاية القرن الرابع الميلادي.
وشهد أولمبياد 1896 مشاركة 245 لاعبا جميعهم من الذكور وينتمون إلى 14 دولة فحسب.
وحصل الفائزون في كل مسابقة أو سباق على غصن زيتون وميدالية مصنوعة من الفضة بينما حصل أصحاب المركز الثاني في كل مسابقة على ميدالية نحاسية في الوقت الذي لم يحصل فيه أصحاب المركز الثالث على أي شيء.
وأدخل سبيريدون لويس السعادة إلى قلوب اليونانيين من خلال الفوز بالميدالية الذهبية لسباق الماراثون ، الذي أقيم على نفس الطريق الذي ركض فيه البطل الإغريقي القديم فيديبيديس ، ليذيع نبأ انتصار بلاده على الفرس في معركة "ماراثون" عام 490 قبل الميلاد.
أولمبياد باريس 1900 :
ولم تكن الدورة الأولمبية الثانية عام 1900 ، والتي أقيمت في العاصمة الفرنسية باريس ، موطن دي كوبيرتان رئيس اللجنة الأولمبية الدولية آنذاك "أروع وأفضل" من سابقتها في أثينا بل كانت بمثابة استعراض جانبي دام 162 يوما في ساحة برج إيفل الشهير.
وحصلت السيدات على فرصة المشاركة في مسابقات عديدة بهذه الدورة ولكن التنظيم كان سيئا للدرجة التي جعلت لاعبة الجولف الأمريكية مارجريت أبوت لا تدرك حتى وفاتها في عام 1955 بأنها فازت بإحدى مسابقات هذه الدورة.
وفاز الأمريكي راي إيفري بالمركز الأول في كل من الوثب العالي والطويل والوثبة الثلاثية ، ولكن مواطنه ألفين كراينيلين تفوق عليه حيث فاز بأربع ميداليات ذهبية ، وما زال حتى الآن ضمن عدد قليل من الرياضيين نجحوا في إحراز أربع ذهبيات في دورة واحدة.
وكانت ذهبياته الأربع في سباقي 60 مترا حواجز و110 أمتار حواجز و220 مترا حواجز بالإضافة لمسابقة الوثب الطويل.
أولمبياد سان لويس 1904 :
وشهد أولمبياد 1904 في سان لويس بالولايات المتحدة بدء توزيع الميداليات بثلاثة أشكال (الذهبية والفضية والبرونزية) للمرة الأولى في تاريخ الدورات الأولمبية ، وذلك على أصحاب المراكز الثلاثة الأولى في كل مسابقة أو سباق خلال هذه الدورة ، التي أقيمت فعالياتها على مدار خمسة شهور ، وذلك ضمن فعاليات المعرض العالمي أيضا مثل سابقتها في باريس.
وشارك في هذه الدورة 13 دولة فحسب كان من بينها ثماني دول فقط من خارج القارة الأمريكية. وسيطرت المشاكل على هذه الدورة كما جرد فريد لورز عداء نيويورك من ذهبية سباق الماراثون بعدما اكتشف أنه قطع أميالا قليلة على قدميه قبل أن يستقل السيارة خلال السباق.
أولمبياد لندن 1908 :
وبعد انسحاب روما الفائزة بحق تنظيم الدورة الأولمبية الرابعة عام 1908 ، تجمع نحو 2000 لاعب ولاعبة من 22 دولة في العاصمة البريطانية لندن حيث شهدت الدورة للمرة الأولى أكثر من 100 سباق ومسابقة (107 مسابقات بالتحديد).
وشهد الاستاد الأولمبي متعدد الأغراض في المدينة البيضاء أول دخول للفرق المشاركة إلى أرض الاستاد حاملة الأعلام ولكن ذلك تسبب في اضطراب سياسي حيث حاولت بريطانيا منع أيرلندا من استخدام علم خاص بها كما تصرفت روسيا الاستبدادية بنفس الطريقة مع فنلندا.
وأنهى العداء الجنوب أفريقي ريجي ووكر الهيمنة الأمريكية على سباقات العدو حيث أحرز الميدالية الذهبية لسباق 100 متر ، كما فاز البريطاني ويندهام هالسويل بالميدالية الذهبية لسباق العدو 400 متر بسهولة اثر رفض عدائي الولايات المتحدة خوض إعادة السباق بعد حادث وقع في المحاولة الأولى.
ورغم ذلك ، كانت أبرز الأحداث في تلك الدورة هي مأساة العداء الإيطالي دوراندو بييتري في سباق الماراثون حيث حرم من الحصول على الميدالية الذهبية للسباق وجرد من نتيجته بسبب المساعدة التي نالها عند خط النهاية من الكاتب سير آرثر كونان دويل مؤلف روايات شارلوك هولمز وآخرين.
واتضح لاحقا أنه لم يكن يعاني من الإرهاق وإنما من تعاطيه جرعة زائدة من مادة سامة.
أولمبياد ستوكهولم 1912 :
وشهدت الدورة الخامسة ، التي استضافتها العاصمة السويدية ستوكهولم عام 1912 ، مشاركة لاعبين من القارات الخمس للمرة الأولى في تاريخ الدورات الأولمبية كما أدرجت رياضتا الخماسي الحديث والفروسية للمرة الأولى ضمن فعاليات الدورة.
وفاز الفنلندي هانس كوليماينن بالميدالية الذهبية في سباقات خمسة آلاف متر وعشرة آلاف متر اختراق الضاحية.
ولكن اللاعب الهندي الأصل الامريكي الجنسية جيم ثورب خطف الأضواء من الجميع عندما أحرز ذهبية الخماسي الحديث وذهبية المسابقة العشارية ما دفع العاهل السويدي الملك جوستاف الخامس إلى أن يقول للاعب "إنك أعظم رياضي في التاريخ".
وكانت نتائج وأرقام ثورب في المسابقة العشارية كفيلة بإحرازه الميدالية الذهبية لهذه الرياضة في أولمبيادي 1920 و1924 والميدالية الفضية في أولمبياد 1948 ولكن بدلا من ذلك تعرض اللاعب في عام 1913 للتجريد من نتائجه التي حققها في أولمبياد ستوكهولم 1912 بعدما ترددت أنباء عن تلقيه بعض المال لممارسة لعبة البيسبول وهو ما كان انتهاكا للقواعد الأولمبية في تلك الفترة.
ولم تعف اللجنة الأولمبية الدولية عن ثورب إلا في عام 1982 ، وبعد 29 عاما من وفاته عام 1953 ، حيث رفض أفري برونداج (الذي احتل المركز السابع في مسابقة الخماسي الحديث ولم يستكمل المسابقة العشارية) مناقشة هذه القضية خلال الفترة التي تولى فيها رئاسة اللجنة الأولمبية الدولية من 1952 إلى 1972 .
أولمبياد أنتويرب 1920 :
وسقط أولمبياد 1916 ، الذي كان مقررا إقامته في العاصمة الألمانية برلين ضحية للحرب العالمية الأولى حيث منعت الحرب إقامة تلك الدورة.
ومع استئناف إقامة الدورات الأولمبية بعد انتهاء الحرب ، حرمت ألمانيا والنمسا والمجر وحلفاؤهم في الحرب من المشاركة في الدورة التالية ، التي أقيمت عام 1920 في أنتويرب ببلجيكا.
وشهدت هذه الدورة تقديم القسم الأولمبي والعلم الأولمبي الذي يضم خمس حلقات متشابكة.
وأحرز الفنلندي بافو نورمي ثلاث من ميدالياته الذهبية التسع في تاريخ مشاركاته الأولمبية حيث فاز في هذه الدورة بالمركز الأول في سباق العدو 10 آلاف متر وفي سباق اختراق الضاحية كما فاز بالمسابقة الأخيرة على مستوى الفرق.
وتعرض نورمي للإيقاف في أولمبياد 1932 من قبل اللجنة الأولمبية الدولية بسبب اتهامه بالاحتراف.
وأصبحت السباحة الأمريكية إتيلدا بليبترو أول سيدة تحرز ثلاث ميداليات ذهبية بينما تفوق مواطنها جاك كيلي والد أميرة موناكو المستقبلية جريس على منافسيه البريطانيين وفاز بميدالية ذهبية في منافسات التجديف.
أولمبياد باريس 1924 :
واستضافت العاصمة الفرنسية باريس الأولمبياد للمرة الثانية حيث نظمت فعاليات أولمبياد 1924 لتعويض ما فاتها في 1900 وذلك من خلال التنظيم الجيد لتلك الدورة.
ورغم ذلك ، كانت القرية الأولمبية أشبه بمعسكر للاجئين أكثر منها مكان إقامة يناسب الرياضيين.
وانتزع نورمي خمس ميداليات ذهبية في سبعة سباقات شارك فيها على مدار ستة أيام. وكان من الممكن أن تتحول قصة حياة نورمي إلى رواية تظهر من خلال أحد الأفلام السينمائية ، ولكن ذلك كان من نصيب رياضيين آخرين عرف الجميع قصتهم من خلال الأفلام.
وفاز جوني فايسمولر بثلاث ميداليات ذهبية في منافسات السباحة كما اكتسب شهرة كبيرة من خلال شخصية طرزان في الأفلام السينمائية.
وأصبح البريطاني هارولد ابراهام أول أوروبي يحرز الميدالية الذهبية لسباق العدو 100 متر كما أحرز زميله في التدريب الاسكتلندي إيريك لايدل الميدالية الذهبية لسباق العدو 400 متر. وقد خلدت إنجازاتهما بفيلم سينمائي هو "عجلات النار" الذي أنتج في الثمانينيات وحصل على جائزة أوسكار.
أولمبياد أمستردام 1928 :
وعادت ألمانيا للمشاركة في الدورات الأولمبية من خلال أولمبياد أمستردام 1928 وضمت البعثة الألمانية في هذه الدورة واحدة من السيدات اللاتي أحرزن الميداليات الخمس الذهبية في منافسات ألعاب القوى بتلك الدورة حيث فازت لينا رادكه بذهبية سباق 800 متر عدو.
وتساقطت العديد من المتنافسات بعد هذا السباق ما دفع اللجنة الأولمبية الدولية بعد ذلك إلى إلغاء أي سباق يتجاوز 200 متر على مستوى منافسات السيدات في الدورات الأولمبية حتى عام 1960 .
ولم تشهد الدورة أي مشاكل أخرى حيث نالت الأمريكية بيتي روبنسون /16 عاما/ الميدالية الذهبية لسباق العدو 100 متر.
وشهدت هذه الدورة بدء العمل بمراسم الشعلة الأولمبية كما شهدت ظهور نظام الرعاية المالية وأصبحت شركة كوكاكولا أول راع في تاريخ الدورات الأولمبية حيث كانت راعية للبعثة الأمريكية بينما بيعت حقوق التصوير الفوتوغرافي لإحدى الشركات.
أولمبياد لوس أنجليس 1932 :
وأدت الضغوط العالمية وبعد المسافة عن أوروبا إلى تقليص عدد المشاركين في أولمبياد لوس أنجليس 1932 إلى 1333 لاعب ولاعبة من 37 دولة. وفقد الغائبون الكثير كما فقدوا فرصة مشاهدة قرية أولمبية حديثة.
وشهدت الدورة تحطيم 39 رقما قياسيا عالميا منها تحطيم الأرقام القياسية لجميع مسابقات وسباقات ألعاب القوى التي شهدتها هذه الدورة بخلاف مسابقة الوثب الطويل فحسب.
واستخدمت في هذه الدورة تقنية "السبق الضوئي" (ضبط نهاية السباقات بالتصوير) ولكن إيدي تولان لم يكن بحاجة إليها حيث فاز بالميدالية الذهبية في سباقي 100 متر و200 متر بفارق جيد عن أقرب منافسيه ليصبح أول عداء أمريكي من أصل أفريقي يفوز بالسباقين في الدورات الأولمبية.
وترك بيب ديدريكسون انطباعا جيدا لدى فوزه بالميدالية الذهبية في كل من سباق 80 متر حواجز ومسابقة رمي الرمح وفضية الوثب العالي بينما أحرزت البعثة اليابانية خمس ميداليات في السباحة.
أولمبياد برلين 1936 :
وشهدت الدورة التالية والتي أقيمت في العاصمة الألمانية برلين عام 1936 تنظيما رائعا ، وبدأ التصوير التلفزيوني تحت إشراف المنتج ليني ريفنستال.
ولكن الشيء المسيء للدورة كان محاولة الحزب النازي بزعامة أدولف هتلر التأكيد على سيادة وزعامة الجنس الآري من خلال الميداليات الأولمبية.
ونجحت ألمانيا في تحقيق ذلك بالفعل من خلال إحراز 89 ميدالية ولكنها واجهت أيضا خيبة الأمل من خلال الهزيمة المبكرة لمنتخب كرة القدم في تلك الدورة أمام نظيره النرويجي في حضور هتلر.
ولكن الأسوأ من ذلك بالنسبة لهتلر كان التشجيع الذي حظي به الأمريكي (من أصل أفريقي) جيسي أوينز من قبل الألمان ودخوله سجلات التاريخ الأولمبي من خلال فوزه بأربع ميداليات ذهبية في منافسات ألعاب القوى بالدورة وذلك في سباقات 100 متر و200 متر و4 × 100 متر تتابع وفي مسابقة الوثب الطويل وهو الإنجاز الذي لم يحققه أي لاعب سوى كارل لويس في أولمبياد 1984 .