مرصد الأزهر يكشف مخطط إرهابي لاستهداف الفرق الطبية ولقاحات فيروس كورونا

الموجز

قال مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، إن الجماعات المتطرفة تبذل قصارى جهدها لوقف مسيرة العلم في أيِّ مجتمع تتواجد به، فتقوم باستهداف الفرق الطبية، والحيلولة دون تقديم العلاج المناسب للمرضى، وزعم أن المرض ابتلاء من الله وعقاب لمن يحيدون عن طريقه، كما حدث عند ظهور جائحة "كورونا" أو أن الدواء حيلة لإلحاق الأذى بالمسلمين لإثارة الذعر في قلوبهم حيال الدواء.. إلخ!

تحذيرات من استهداف اللقاحات

وذكر المرصد في تقرير له، أنه مع انطلاق سباق اللقاحات في العالم للخروج من جائحة (كورونا) التي أثَّرت سلبًا على حياة الملايين حول العالم، انطلقت عدة تحذيرات من ارتفاع معدلات الجريمة خلال تسليم جرعات اللقاحات، لعل أبرزها ما حذر منه رئيس الشرطة الدولية "الإنتربول"، يورغن ستوك، من احتمال وقوع سرقات وعمليات اقتحام مخازن وهجمات أثناء نقل تلك اللقاحات.

كما لفت تقرير لصحيفة "ذا صن" البريطانية إلى تحذير أجهزة الاستخبارات والأمن في المملكة المتحدة، من خطط لاستهداف شحنات لقاح كورونا وهو ما دفع الحكومة لتتبع مواقع الشاحنات عبر الأقمار الاصطناعية، وتزويد المركبات الناقلة بأنظمة إنذار وإغلاق تحسبًا لأيِّ هجوم محتمل.

وبالانتقال إلى ألمانيا، نجد أن رئيس مؤتمر وزراء الداخلية، غيورغ ماير، حذَّر أيضًا من تعرض عمليات نقل لقاحات كورونا، ومراكز التطعيم لهجمات مع تصاعد التطرف في صفوف المناهضين للتلقيح رغم خطورة الوضع في البلاد والدعوة لتشديد إجراءات العزل العام.

نماذج لتعامل الجماعات الإرهابية مع الفرق الطبية واللقاحات

وفي باكستان، سجَّلت الجهات الصحية والأمنية ما يقارب من 71 حادثة اغتيال منذ عام 2012، لممرضين وعمال في القطاع الصحي ورجال شرطة على يد حركة "طالبان" لوقف حملات التطعيم ضد مرض شلل الأطفال. ورغم الانخفاض الملحوظ في عدد الإصابات بهذا المرض في عام 2016 إلا أن ذلك يرجع للتعزيزات الأمنية التي فرضتها باكستان لمواجهة الحركة الإرهابية.

فنجد أن حركة "طالبان" مثل غيرها من الجماعات الإرهابية استخدمت اللقاح كورقة ضغط لفرض شروطها، وتحقيق مكاسب على الأرض سواء بالمنع أو بتوزيع منشورات تتهم فيها العاملين الصحيين بأنهم جواسيس، ومن أمثلة ذلك منعها عمليات القضاء على المرض في جنوب وزيرستان في محاولة منها، لوقف ضربات الطائرات بدون طيار ضد معاقلها.

وتعد باكستان واحدة من ثلاث دول فقط لا تزال تعاني من مرض شلل الأطفال في العالم، الذي يمكن أن يؤدي إلى الوفاة إذا لم يأخذ الطفل التطعيم في التوقيت المناسب.

ووفق منظمة الصحة العالمية يمكن أن يؤدي الإخفاق في تنفيذ نهج استراتيجي صحيح إلى استمرار فيروس شلل الأطفال في السَّريان، إذ يتواصل سَريانه المتوطن في كل من باكستان وأفغانستان. وقد يسفر الفشل في وقف المرض في هذه المناطق المتبقية المذكورة عن وقوع حالات جديدة يصل عددها إلى 200 ألف حالة سنويًّا على مدى 10 سنوات في أنحاء العالم أجمع.

أما أفغانستان، فقد أبلغت كابول في عام 2011 ــ وفق صحيفة الجارديان البريطانية ــ عن زيادة عدد الحالات؛ لعدم تمكنها سوى من حماية ثلثي الأطفال فقط من المرض. فالتقارب الجغرافي مع باكستان ووجود جماعة طالبان في كلا البلدين حيث التقارب الأيديولوجي كان عقبة أيضًا في جهود القضاء على مرض شلل الأطفال، فدائمًا كان هناك مخاوف من انتقال معارضة "طالبان" الباكستانية لحملات التطعيم ضد المرض إلى الجماعات الأفغانية الـتي تضمُّ مقاتلين أجانب أكـثر تشددًا من الحركة الباكستانية، وهو ما أكده بعض اللاجئين الفارِّين من منطقتي ويغال وكامديش.

وبالانتقال إلى إفريقيا، وتحديدًا نيجيريا لم تكن الفرق الطبية هناك أكـثر حظًّا فقد واجهت تحديات كثيرة لممارسة دورها في تطعيم الأطفال ضد الفيروس الذي لا يقل خطورة عن "كورونا"، حيث وقوع حالة واحدة كفيلة بنقل العدوى للمئات لعوامل كثيرة منها: استمرار الفيروس في البيئة المحيطة بالأطفال لبضعة أسابيع، وهو ما يزيد من فرص انتقاله لباقي الأطفال خاصة في المناطق المكتظة مع ضعف شبكة الصرف الصحي وهطول الأمطار السنوية، والأهم وقوع تلك الإصابات في الأراضي الوعرة التي تسيطر عليها حركة "بوكو حرام" الإرهابية في شمال البلاد.

فقد سلَّط تقرير بعنوان “Amid Fear and Guns, Polio Finds a Refuge” الضوء على تأثير تواجد "بوكو حرام" على آلية مكافحة شلل الأطفال في نيجيريا، حيث لفت التقرير إلى أن التحليل الجيني كشف عن تفشي المرض دون اكتشافه لمدة خمس سنوات على الأقل، بسبب التطرف والإرهاب الذي تمارسه "بوكو حرام" في ولاية "بورنو" التي مزَّقتها الحرب شرق "كانو". وبناءً على التقرير فإن جميع المصابين كانوا من الأطفال الذين رافقوا عائلاتهم الفارَّة من جحيم الحركة الإرهابية، إلى مخيمات الإيواء المزدحمة التي تفتقر إلى أبسط الاحترازات الصحية.

ولا تقلُّ الخطورة في نيجيريا عن باكستان وأفغانستان، فالفِرق الطبية الملقِّحة ضد شلل الأطفال بها، واجهت الكثير من الاستهداف من قبل عناصر الحركة الإرهابية في شمال نيجيريا بما في ذلك مدينة "كانو"، بينما كان سلاح تلك الفرق الوحيد في تحركاتهم هو "دلو" الثلج الذي به اللقاح، ولمواجهة تلك المخاطر عمدت الفرق الطبية المتخصصة إلى العمل في ورديات في محطات الحافلات، لتطعيم الأطفال دون سن الخامسة خلال تنقلات ذويهم قبل وصولهم إلى منازل الأقارب والمخيمات، على الرغم أن تلك المواقف حول مدينة "كانو" تعد أهدافًا مفضلة للإرهابيين، خاصة الانتحاريين.

ولم تكن تلك المعركة الوحيدة التي واجهوها؛ بل ساهمت السموم الفكرية التي بثَّتها الحركة للتشكيك في فاعلية اللقاح ومدى أمانه - مثل باقي الجماعات الإرهابية التي تسعى لاستمرار المرض والجهل في المجتمعات، لتتمكن من تثبيت أقدامها وإشغال الدولة في معارك جانبية تثنيها عن خطط استتباب الأمن ومكافحة الإرهاب، في عزوف الأهالى عن تطعيم أطفالهم، مما شكَّل عامل ضغط إضافي على تلك الفرق الطبية.

ومن المشاهد التي سلَّط التقرير الضوءَ عليها ما نقله عن أحد العاملين بالمراكز الصحية في نيجيريا، الذي روى ما شهده في عام 2013 عندما هاجم مجموعة من المسلحين المركز، وأطلقوا النار على العاملين به وأحرقوا المكان، مما تسبب في مقتل ثلاثة بالرصاص بينهم امرأة أكملت دراستها في التمريض لتوها، وإصابة ثلاثة آخرين. لافتًا إلى لجوء العاملات في جولاتهم للتطعيم إلى تخبأة حامل اللقاح داخل حجابهم؛ كي لا يتم استهدافهم من قبل عناصر "بوكو حرام".

وبعملية حسابية بسيطة أجراها العامل بالمركز الصحي نجد أن طفلًا مصابًا بشلل الأطفال بإمكانه نقل العدوى لـ 200 طفل، بينما يؤدي قدوم 10 أطفال مع أسرهم من المناطق التي يصعب وصول اللقاح إليها، كتلك الواقعة في شمال البلاد، إلى نقل العدوى بشكل أسرع لما يقارب من 2000 طفل.

تلك العملية الحسابية السابقة رأيناها مؤخرًا مع تفشي فيروس "كورونا" عالميًا، وتخطيه الحدود بين الدول، وهو ما يؤكد المخاوف حيال أيّ تباطؤ في عمليات توزيع اللقاحات، خاصة في الدول التي تعانى من وطأة التطرف والإرهاب، مثل نيجيريا وباكستان وأفغانستان وغيرهم.

ونظل في نيجيريا التي عانت من كابوس آخر أرهق الفِرق الطبية عند تطعيم الأطفال، وهو (الشائعات) التي لم تقتصر على الحركة الإرهابية، ففي عام 2003 ادَّعى أحد الأطباء في "كانو" عدم أمان اللقاح الخاص بشلل الأطفال؛ مما أجَّج المخاوف منه، وتسبَّب في إغلاق برامج مكافحة المرض في خمس ولايات شمال البلاد. جدير بالذكر أنه قبل مقاطعة اللقاح كان هناك 202 حالة فقط في جميع أنحاء البلاد، ثم في 2004 بعد تداول تلك الشائعة سجَّلت "كانو" وحدها 491 حالة، لترتفع عدد الإصابات إلى 1143 بكافة الأنحاء بحلول 2006.

وبهذا نرى أن الأمثلة التي طرحناها لأحد الأمراض المعدية، والتي تواجدت في بلدان تعاني من التطرف والإرهاب كفيلة بتوضيح مدى المخاطر التي تمثلها الجماعات الإرهابية، أمثال "داعش" و"القاعدة" و"طالبان" وغيرهم. فظروف انتشار مرض مثل شلل الأطفال لا تختلف كثيرًا عن كورونا، فكلاهما فيروس ينتقل بالعدوى، وسريعا الانتشار، ولا يخضعان لحدود جغرافية. كما أنهما أثبتا استغلال الجماعات الإرهابية للأمراض، خاصة المعدية لتدعيم فكرها المتطرف، وما رأيناه في حوادث وقعت في البلدان السابق ذكرها يمكن أن يتكرر خاصة مع سعي تنظيم "داعش" الإرهابي المستميت؛ لتعويض خسائره في سوريا والعراق، وإثبات وجوده عالميًّا إضافة إلى وجود جماعات موالية له، لا تقل شراسة عنه مثل "بوكو حرام".

وأكد مرصد الأزهر أن تهديدات الجماعات الإرهابية مثل تنظيم "داعش" الإرهابي، لن تتوقف عند حدود المناطق المتواجد بها فروعها؛ بل الذئاب المنفردة التابعة لها التي تُكشِّر عن أنيابها في كل مناسبة تمثل تهديدًا حيًّا لدول بعيدة جغرافية عن أماكن تواجد فروعه. كما أن استمرار تفشي الوباء في مناطق سيطرة التنظيم وغيره، يشكل تهديدًا أيضًا للعالم أجمع؛ فقد أثبتت التجربة التي عرضناها حيال مرض شلل الأطفال أن تلك الأمراض المعدية لا تعترف بالحدود الجغرافية، ولعل ذلك وضَح مؤخرًا مع اكتشاف سلالات جديدة لفيروس كورونا في أوروبا، ثم بدأت الأخبار تتداول عن وجود عينات من تلك السلالات في دول خارج القارة الأوروبية في فترة وجيزة.

وشدد المرصد على ضرورة تأمين كافة الخطوات الخاصة بلقاحات فيروس "كورونا" عالميًّا من مرحلة الإنتاج إلى التطعيم، خاصةً في تلك الدول التي تعاني من وطأة الإرهاب. كما يحذّر المرصد من أيِّ تباطؤ أو مماطلة حيال تنفيذ برامج مكافحة الإرهاب؛ لأن المستفيد الحقيقي من استمرار الجائحة وتداعياتها هو الجماعات الإرهابية.

تم نسخ الرابط