الأيام الآخيرة في حياة العندليب عبد الحليم حافظ.. تدخل الشيخ الشعراوي لتغير مراسم الدفن.. وكان يستعد للموت بالغسل وتقليم الأظافر والدموع

العندليب
العندليب

ذهب العندليب عبدالحليم حافظ لبدء رحلة علاج خارجية يوم 9 يناير، من عام 1977، وكان سفره لمجرد إجراء فحوصات فقط للاطمئنان علي صحته، وشاء سوء الحظ في هذه المرحلة أن يصاب بمرض "الصفراء".

اضطر الأطباء إلى إعطائه دواء الكورتيزون بكميات كبيرة للقضاء على "الصفراء" في بدايتها لأنها تشكل خطرًا كبيرًا على صحته في هذه الفترة من مرضه.

بعد ذلك، بدأ عبد الحليم يستعد للعودة إلى القاهرة بل حجز لنفسه مقعدًا في الطائرة التي كانت ستغادر لندن يوم الثلاثاء 22 فبراير 1977، إذا رأى أن يكون في القاهرة في ذلك الوقت ليبدأ في إجراء البروفات على أغنية "من غير ليه"، التي لحّنها له الموسيقار عبدالوهاب، عن كلمات لمرسي جميل عزيز، وكان ينوي أن يغنيها لأول مرة ليلة شم النسيم في حفلة كبرى يقيمها مساء الأحد 10 أبريل 1977.

تطورت الأمور بعد ذلك، فقد أجرى الأطباء عدة تحليلات لمعرفة نوع الصفراء التي يعاني منها حليم، وهل هي ربانية أم عضوية، لكن الذي تأكد منه الأطباء وطمأنهم كثيرًا أنّ الكبد يقوم بوظائفه كاملة ما عدا "الألبومين" والصفراء، فقد اكتشف الأطباء أن الكبد لا يقوم بهما كما يجب، واستمر امتصاص المياه الزائدة من جسم عبدالحليم حتى نقص وزنه 8 كيلوجرامات فأصبح وزنه 60 كيلوجرامًا.

والذي أكتشف هذا المرض هو البروفسور روجر ويليامز، والذي حقنة بحقنة في المرئ وحصل على عينة من الكبد لتحليلها وبذل في ذلك مجهودًا كبيرًا وفشلت أكثر من محاولة للحصول على هذه العينة حتى نجحت التجربة الثالثة.

وقبل السفر بليلة واحدة مر عبدالحليم، على مستشفى كينجز كولدج، للإطمئنان على صحته وكشف عليه البروفسور روجر ويليامز، ورأى عبدالحليم تعبيرًا لم يسترح إليه على وجهه، وسأله: إيه الحكاية؟ ورد عليه البروفسور بسؤال: هل حجزت للعودة إلى القاهرة؟ فقال له حليم : بعد أقل من 24 ساعة، فرد عليه بقوله أرى أن تؤجل الحجز، فسأله حليم: لمدة يومين أو تلاتة مثلًا؟، ففاجأه البروفسور بقوله بل 20 يومًا على الأقل فقد تسبب لك الكورتيزون في انتفاخ ويجب أن نعالجه، وأنزعج عبدالحليم، ورقد في مستشفى كينجز كولدج وهو في حالة نفسية سيئة، واتصل من المستشفى بلندن تليفونيًا بالدكتور يس عبدالغفار في القاهرة، وشرح له ماحدث ولكن الدكتور طمأنه وقال له أن استبقاءة في لندن إجراء وقائي لا خوف منه، وطار إلى لندن الدكتور شاكر سرور الطبيب المرافق لعبدالحليم، والذي كان مع عبدالحليم وسبقه إلى القاهرة معتقدًا في أن الفحص قد انتهى على خير.

وفي الساعة الثالثة من بعد ظهر يوم الجمعة 11 مارس، أي الواحدة ظهرًا بتوقيت لندن أجرى خمسة أطباء عالميين كونسلتو لعبدالحليم، كان الأطباء هم الدكتور يس عبدالغفار من مصر، وكان قد وصل إلى لندن يوم الخميس 10 مارس، والدكتور سارازان، من باريس، والبروفسور روجر ويليامز، والدكتورة قبولا من لندن، بالإضافة إلى الدكتور شاكر سرور الطبيب المرافق دائمًا ببيته في القاهرة.

وكان الفنان الراحل، يتصل بشقيقه محمد شبانة ويوصيه ببياض شقته في الزمالك لأنها لم تبيض منذ 12 سنة وكان يطلب من محمد أن يدعو له بالشفاء.

وكان الأطباء قد أعطوا تعليماتهم بألاّ يرد أبداً على أية مكالمة تليفونية، ولكنه رفض هذه التعليمات وأخذ يمسك بسمّاعة التليفون طوال ساعات ويتحدّث إلى جميع مَن يستطيع الاتصال بهم عبر الخط التليفوني الدولي.

وكان أيضاً يخالف تعليمات الأطباء عندما يقوم من سريره، ويأخذ في تنسيق وترتيب زهور السلال التي كانت تصل إليه كل يوم بالعشرات من المعجبين والطلاب، ولم يكن لهذا التصرّف سوى معنى واحد، هو أنه يريد أن يشغل نفسه بأي شيء، لكي لا يخلو إلى نفسه ويفكر في النهاية التي اقتربت.

ومرة جاء مجدي العمروسي،صديقه ومحاميه، كعادته إلى المستشفى في الثامنة صباحاً فلم يجد عبدالحليم حافظ، في غرفته، ولا في سريره، ولا في حمام الغرفة، وبحث عنه فوجده في بهو المستشفى يجلس على مقعد ويخبّئ وجهه براحتيه، واقترب منه مجدي وأمسك بيديه وأزاحهما عن وجهه، فرأى الدموع تتدفّق غزيرة من عينيه، وعلى الفور تغلّب العندليب الأسمر على مظهر الضعف هذا واستعاد ابتسامته.

ويوم 30 مارس 1977 كان حليم عاديًا جدًا في مستشفى «كنغز كوليدج» بلندن، وغرفة عبدالحليم لا جديد فيها، زهور هنا وهناك، محبّون وأصدقاء على الكراسي، عبدالحليم في سريره، وارتدى العندليب الأسمر ثيابه، وغسل شعره ثم جفّفه بالسشوار وأخذ مقصًا صغيرًا وراح يقلّم أظافره، وكانه يستعد للموت ويشعر إنها النهاية، وفجأة حدث النزيف الذي كان علامة بداية النهاية، ومساء 30 من مارس، سكت صوت عبدالحليم حافظ إلى الأبد.

بعد وفاة العندليب، وصل الجثمان إلى مطار القاهرة في تمام الثالثة فجرًا على متن طائرة مصرية، على متنها زوجة الفنان محمد عبد الوهاب نهلة القدوسي، ومجدي العمروسي، وشقيقته عليه شبانة، وأحد أقاربه.

وتدخل الشيخ الشعراوي لتغير مراسم الدفن، حيث كان من المقرر أن يتم نقل الجثمان إلى مستشفى المعادي، ثم يتم نقله إلى مسجد عمر مكرم، لكن الشيخ الراحل محمد متولي الشعراوي، طلب من وزير الأوقاف آنذاك أن يُفتح مسجد عمر مكرم طيلة الليل، ليظل فيه الجثمان.

واتخذت ترتيبات خاصة لتشييع جنازة "العندليب" إلى مثواه الأخير، وفي تمام الساعة الحادية عشرة حمل بعض الفنانين النعش من داخل المسجد بعد أن تمت الصلاة عليه، ثم وضع في سيارة مكشوفة لونها أخضر وغطيت بالزهور من جوانبها بينما ارتفعت على أعلاها صورة لعبد الحليم، من أول فيلم مثله للسينما وهو «لحن الوفاء» وكان النعش مجللًا بالحرير الفضي وملفوفًا بالعلم المصري.

تم نسخ الرابط