«زواج التجربة» .. المؤسسات الدينية تحسم الجدل

الموجز

أثارت عقود زواج تحت مسمى زواج التجربة العديد من التساؤلات على مواقع التواصل الاجتماعي خصوصا من قبل الشباب الراغبين في الزواج ولكن يخشون عواقبه.

زواج التجربة، حسب العقد المتداول فهو عقد مدني ملحق بعقد الزواج، ينص على استمراره لمدة ثلاث سنوات، وذلك لتجربة الزواج لوقت كافي، ولا يجوز الطلاق في هذه المدة، لكي يستطيع الزوجان الحكم على التجربة، وإصدار نتائج حقيقية بعد اكتمال فترة المعايشة.

وبعد انتهاء العقد إما أن يكمل الزوجان حياتهما معا أو ينتهي الزواج إذا أرادا، وكذلك يمكن لهما وضع أي شروط أخرى في هذا العقد فهو بمثابة دستور للزواج، وإذا طلب أحد الزوجان الطلاق قبل انتهاء المدة، فإذا كان الرجل هو من طلب، فيمنحها نفقتها وعدتها ومتعتها كاملة ومؤخر صداق وقائمة المنقولات كاملة، ومسكن الزوجية في حالة إذا كانت حاضنة، أما إذا كانت الزوجة هي من طلبت الطلاق فلابد أن تعيد الشبكة والمهر فقط.

وقال الباحث الشرعي في مشيخة الأزهر، الشيخ أبو اليزيد علي سلامة، إن الزواج من نعم الله على عباده بما فيه من السَّكن والأنس والراحة النفسيَّة بين الزوجين؛ فقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}.

وأوضح أن زواج التجربة يتضمن شروطا تتنافى مع هذه القيم الراقية، وفي الحديث الصحيح «ما بال أقوامٍ يشترطون شروطًا ليست في كتابِ اللهِ، ما كان من شرطٍ ليس في كتابِ اللهِ فهو باطلٌ وإن كان مئةَ شرطٍ ، كتابُ اللهِ أحقُّ، وشرطُ اللهِ أوثقُ».

وقال إن زواج المتعة والزواج المؤقت وزواج التجربة كلهم يخرج من معين واحد يتنافى مع المثياق الغليظ الوارد بقوله تعالى {وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا} (النساء : 21)، والذي يقتضي حسن المعاشرة بين الزوجين، والصدق، والتضحية، والبذل، والوفاء والحب، والتفاهم وليس التناطح والتخاصم وافتراض الأزمات قبل وجودها.

وأضاف الشيخ أبو اليزيد، أن أغلب شروط عقد التجربة تدل على بطلانه كأخويه السابقين زواج المتعة والزواج المؤقت، وفي الفقه الإسلامي يقولون:

١) الاشتراك في الصفة يقتضى الاشتراك في الاسم والحكم

2) والعبرة في العقود بالمعاني وليست بالألفاظ والمباني

ولفت إلى أن العقد الذي يتضمن شروطا جزائية على زواج أو طلاق عقد باطل، وكأنه عقد على سلعة تباع وتشترى، متسائلا: «فأين المودة والرحمة، وماذا نقول لثمرة هذا النكاح الباطل من الأولاد، وهل نقول أنكم جئتم من تجربة؟».

وقال إن ذلك يقلب المرأة إلى سلعة من يملك ثمن الشروط الجزائية، يتقدم ولا يخشي شيئا لأنها في النهاية تجربة يدفع ثمنها حفنة من المال، والأثر المترتب عليها طابور من الأطفال يتحولون إلى قنابل موقوتة تحاول أن تدمر المجتمع الذي سمح بأن تقوم حياتهم على مجرد تجربة.

وشدد على أنه على الإعلام دورا مهما بألا يسمح بانتشار مثل هذه الدعوات المنافية للشرع والعرف والقيم، ومن أراد حلولا حقيقية فليتوجه بمقترحاته للجهات المختصة لدراستها وبحثها بدلا من نشرها على وسائل التواصل بغرض إثارة الفتن بالمتاجرة بآمال الشباب.

علقت دار الإفتاء المصرية، على ما يتردد على مواقع التواصل الاجتماعي، بما يسمى زواج التجربة.

وقالت خلال منشور عبر الصفحة الرسمية على موقع «فيسبوك »: «اطلعنا على الأسئلة المتكاثرة الواردة إلينا عبر مختلف منافذ الفتوى بدار الإفتاء المصرية حول ما يُسَمَّى إعلاميا بمبادرة زواج التجربة، والتي تُعْنَى بزيادة الشروط والضوابط الخاصة في عقد الزواج، وإثباتها في عقد مدني منفصل عن وثيقة الزواج، والهدف من ذلك: إلزام الزوجين بعدم الانفصال في مدة أقصاها من ثلاث إلى خمس سنين، يكون الزوجان بعدها في حِلٍّ من أمرهما، إما باستمرار الزواج، أو الانفصال حال استحالة العشرة بينهما».

وأفادت بأنَّ «هذه المبادرة بكافة تفاصيلها الواردة إلينا قَيْد الدراسة والبحث عبر عدةِ لجان مُنْبَثِقةٍ عن الدار، وذلك لدراسة هذه المبادرة بكافة جوانبها الشرعية والقانونية والاجتماعية؛ للوقوف على الرأي الصحيح الشرعي لها، وسوف نعلن ما تَوصَّلنا إليه فور انتهاء هذه اللجان من الدراسة والبحث».

من جانبه، أكد مركز الأزهر العالمي للفتوى، أن الزواج ميثاق غليظ لا يجوز العبث به، واشتراط عدم وقوع انفصال بين زوجين لمدة 5 سنوات أو أقل أو أكثر فيما يسمى بـ"زواج التجربة" اشتراط فاسد لا عبرة به، منوها بأن اشتراط انتهاء عقد الزواج بانتهاء مُدة مُعينة يجعل العقد باطلًا ومحرما.

وأوضح في بيان له، اليوم الأحد، أن الزواج في الإسلام آية من أعظم آيات الله سبحانه، وميثاق سمَّاه الله سبحانه مِيثاقًا غليظًا، ومنظومة مُتكاملة تحفظ حقوق الرَّجل والمرأة، وبقاء زواجهما، وسعادتهما، وتحفظ ما ينتج عن علاقتهما داخل إطاره من أولاد.

ولفت إلى من أهمِّ دعائم نجاح هذه المنظومة هو قيام عقد الزواج بين الرجل والمرأة على نيَّة الاستمرار، والتحمّل الكامل لمسئولياته كافَّة.

وعلى الجانب الآخر كفل الإسلام لكلا طرفي هذا العقد البالغين العاقلين الرَّشيدين، حق إنهاء الزوجية في أي وقت استحالت فيه العِشرة بينهما، دفعًا لضرر مُحقَّقٍ لا يُحتَمل مثله عادةً.

وتابع: «جَعَل السلام حَلّ هذا العقد بيد الزوج عن طريق الطَّلاق، أو الزوجة عن طريق الخُلع، أو القاضي عند التَّرافع إليه لرفع الضَّرر عن المرأة مع حفظ حقوقها الشَّرعية، أما عن صورة عقد الزواج المستمى بـ زواج التجربة، فإنها تتنافى مع دعائم منظومة الزواج في الإسلام، وتتصادم مع أحكامه ومقاصده؛ إضافة إلى ما فيها من امتهان للمرأة، وعدم صون لكرامتها وكرامة أهلها، وهذه الصورة عامل من عوامل هدم القيم والأخلاق في المجتمع».

وأكمل: «زواج التجربة -كما قرَّر مُبتدعوه- هو زواج محظور فيه على الزوجين حَلّه بطلاق من الزوج، أو خلع من الزوجة، أو تفريق من القاضي مدة 5 سنوات، أو أقل أو أكثر، على أن يكون ذلك شرطًا مُضمَّنًا في عقد الزواج إلى جوار شروط أخرى يتفق عليها طرفاه».

ونوه بأن هذا الزَّواج في الشَّرع يندرج تحت مسمى الزواج المشروط، غير أن الشروط في عقود الزواج تنقسم إلى 3 أقسام:

1) شروط صحيحة ونافذة يجب الوفاء بها، وهي تلك الشروط التي لا تَعارض بينها وبين مُقتضيات عقد الزواج، كاشتراط المرأة ألا يُخرجها زوجها من دارها، أو ألّا يُسافر بها، فمثل هذه الشروط لا حرج على من اشترطها أن يُطالب زوجَه بها، بل ويُسوِّغ عدم الوفاء بها إنهاء الزواج؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 5]، ولقوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً} [الإسراء: 34].

2) شروط باطلة في ذاتها؛ ولكن لا يلزم من بطلانها بطلان الزواج الذي اشتمل عليها، وهي الشروط المُنافية لعقد الزواج ومُقتضياته، أو التي تُسقِط حقًّا واجبًا به، كاشتراط الرجل ألا يُعطي المرأةَ مهرًا، أو ألَّا يكون لها نفقة، أو كاشتراط المرأة ألَّا يطأها زوجها، فكل هذه شروط باطلة لكونها تُحرِّم حلالًا أو تقيده؛ لهذا لا يجب الوفاء بها ولا تعد شيئًا، مع الحكم بصحة عقد الزواج؛ لقول سيدنا رسول الله ﷺ: «المسلمونَ على شروطِهم، إلَّا شرطًا حرَّمَ حلالًا أو أحلَّ حرامًا». [أخرجه الترمذي]

ولقوله ﷺ: «... ما كانَ مِن شَرْطٍ ليسَ في كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهو بَاطِلٌ، وإنْ كانَ مِئَةَ شَرْطٍ، كِتَابُ اللهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللهِ أَوْثَقُ ...». [متفق عليه]

وأشار إلى أنه إذا اشترط الزوج على نفسه عدم طلاق زوجته مدة من الزمان ثم طلقها في المدة؛ كان الطلاق واقعًا، وكذا الزوجة إن طلبت طلاق نفسها، أو رفعت أمرها للقاضي فطلقت قبل انتهاء المدة المشترطة.

3) شروط باطلة في ذاتها وتنسحب على عقد الزواج الذي اشتمل عليها بالبطلان، كاشتراط مدة معينة للزواج ينتهي بعدها، كما هو الحال في زواج التجربة إن كان محددًا بوقت؛ إذ هو بهذا يعد زواج متعةٍ مؤقتٍ باطلٍ ومُحرَّمٍ؛ فعن علي بن أبي طالبٍ رَضِي اللهُ عنه، أنَّ سيدنا رسول الله ﷺ: «نهى عن مُتعةِ النِّساءِ يومَ خَيبرَ ...» [متفق عليه]، وعن عمر بن عبد العزيز قال: حَدَّثَنا الرَّبيعُ بنُ سَبْرةَ الجُهَنيُّ عن أبيه: «أنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ نهى عن المُتعةِ وقال: ألا إنَّها حَرامٌ مِن يَومِكم هذا إلى يومِ القيامةِ، ومن كان أعطى شيئًا فلا يأخُذْه». [أخرجه مسلم]
من جانبه، أوضح الشيخ سيد عبد العزيز، نائب رئيس لجنة الفتوى بأسيوط، أن عقد الزواج في الإسلام الأصل فيه أن يكون مؤبدا، فلا يقبل التأقيت بأي شكل من الأشكال طالت المدة أم قصرت معلومة كانت أو غير معلومة.

وأضاف أن جمهور العلماء أجمع على بطلان النكاح الذي تم ذكر التأقيت في صلب العقد، وأما إذا كان هذا التأقيت في ضمير الزوج فالجمهور على صحته ويأثم فيما بينه وبين ربه من نية التأقيت، هذا وعندما تكلم الفقهاء عن عقد الزواج المقيد بشروط.

وأشار إلى أنهم أجازوا الشروط التي لا تحرم حلالا ولا تحل حراما، كما قال صلى الله عليه وسلم «المسلمون عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما»، وعلى هذا فإن تأقيت الزواج في العقد المدني شرط فاسد لا يجوز العمل به ولا يؤثر على صحة العقد الأصلي.

ولفت إلى أن تنظيمه لأحكام الانفصال فلا داعي لها لأن الفقه الإسلامي لم يترك مجالا لأحد في تنظيم مثل هذه الأمور التي قتلت بحثا في طيات فقه الأخوال الشخصية.

وأنهى تصريحه بأنه يخشى أن تتطور الأمور ويأخذ هذا العقد الملحق مكانة فوق مكانة عقد الزواج الذي كرمه الله في ضوء الشريعة الإسلامية ورفع شأنه.

وكانت أرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء كشفت عن تراجع عدد عقود الزواج عام 2019 مقارنة بعام 2018 بعدد 8017 عقدا، ليبلغ عدد عقود الزواج 887315 عقدا عام 2018 مقابل 879298 عقدا عام 2019.

أما بالنسبة للطلاق فقد بلغ عدد شهادات الطلاق 211554 شهادة للعام 2018 في مقابل 205387 شهادة للعام الماضي.

أرقام الجهاز نفسها، أزاحت الستار عن وقوع 1.9 مليون حالة طلاق في مصر خلال الـ 10 سنوات الماضية.

تم نسخ الرابط