نفاه الملك فؤاد.. وهجومه للإستعمار تسبب في نفيه مره أخري.. وعاد إلي مصر بجواز سفر مُزور وهذه حكايته مع الملك فاروق.. ملفات خاصة من حياة شاعر الشعب بيرم التونسي
يعتبر واحدًا من أهم شعراء العامية المصرية، حيث تميزت أشعاره بمضمونها الثوري، وهو أحد ثوار الكلمة واسم بارز في الفن والشعر العربي الملتزم بقضايا الشعب والجماهير الكادحة ضد الطبقات الحاكمة الفاسدة، وبسبب ذلك تم نفيه أكثر من مرة، وأطلق عليه لقب "شاعر الشعب" إذ إنه يعتبر بمثابة من مؤسسين شعر العامية، أنه الشاعر بيرم التونسي.
اسمه بالكامل محمود محمد مصطفى بيرم الحريري وشهرته بيرم التونسي ولد في 23 مارس عام 1893 لعائلة تونسية، كانت تعيش في مدينة الإسكندرية، بحي السيالة، هجر بيرم التعليم في سن مبكر وركز في القراءة وخاصة الشعر الذي شرع في كتابته بالعامية، وكانت قصيدة المجلس البلدي أولى القصائد التي ذاع من خلالها صيته وفيها وجه انتقادات حادة للمجلس البلدي لفرضه ضرائب كبيرة على السكان.
ثم أتجه بيرم لمجال الصحافة حيث أصدر مجلة "المسلة" في عام 1919، وبعد إغلاقها أصدر مجلة "الخازوق"، ولم يكن حظها أفضل من حظ "المسلة"، ونُفي إلى تونس التي يحمل جنسيتها بسبب مقال هاجم فيها زوج الأميرة فوقية ابنة الملك فؤاد، ولكنه لم يطق العيش في تونس لما شهده من قمع من المستعمر الفرنسي، فسافر إلى فرنسا ليعمل حمّالاً في ميناء مرسيليا لمدة عامين، وبعدها استطاع أن يزوّر جواز سفر له ليعود به إلى مصر.
ومرة أخرى عاد التونسي إلي أشعاره النارية وهذه المرة انتقد فيها السلطة والاستعمار، وألقي القبض عليه مرة أخرى، عقب قصيدة هاجم فيها الملك فؤاد، وقد نفته السلطات إلى فرنسا، وعمل هناك في شركة للصناعات الكيماوية، ولكنه فُصل من عمله بسبب مرض أصابه، وعاش حياة صعبة وواجه أياماً قاسية عنوانها "الجوع والتشرد"، ورغم قسوة ظروف الحياة على بيرم غير أنه استمر في كتابة أزجاله وهو بعيد عن أرض وطنه، فقد كان يشعر بحال شعبه ومعاناته وفقره.
واجه بيرم التونسي عقبة جديدة في مسيرته الفنية عندما تم ترحيله من فرنسا إلى تونس في عام 1932 لأن السلطات الفرنسية قامت بطرد الأجانب، وهناك أعاد نشر صحيفة "الشباب"، فأخذ بيرم يتنقل بين لبنان وسوريا، وقررت السلطات الفرنسية إبعاده عن سوريا لتستريح من أزجاله الساخرة واللاذعة، وأبعدته إلى إحدى الدول الإفريقية.
لكن القدر أعاد بيرم إلى مصر، فعندما كان في طريق الإبعاد وقفت الباخرة التي أقلته في ميناء بورسعيد، فوقف بيرم باكياً حزيناً وهو يرى مدينة بورسعيد من بعيد، وصادف أحد الركّاب الذي حكى له قصته فعرض عليه هذا الشخص النزول معه في مدينة بورسعيد، وبالفعل استطاع هذا الشخص أن يحرّر بيرم من أمواج البحر ليجد نفسه في أحضان مصر، بعدها أسرع بيرم لملاقاة أهله وأسرته، ثم قدم التماساً إلى القصر بواسطة أحدهم، فعفى عنه الملك فاروق بعدما تربع على عرش مصر.
خلال مسيرته الفنية تعاون شاعر العامية مع العديد من كبار المطربين مثل فريد الأطرش، وأسمهان، ومحمد الكحلاوي، وشادية، ونور الهدى، ومحمد فوزي، ورغم ذلك إلا أن مشواره مع أم كلثوم كان له تأثيره الخاص على مسيرتهما الفنية، حيث طلبت أم كلثوم من شيخ الملحنين الشيخ زكريا أحمد أن يعرفها على الزجال بيرم التونسي، وتقابلت معه عام 1940، واتفقت معه على مجموعة من الأغاني يلحنها زكريا أحمد.
وبدأ بيرم في أول أعماله الغنائية مع أم كلثوم في أبريل عام 1941، بتأليف أغنية "أنا وأنت"، ثم تبعها بأغنية أخرى وهي أغنية "كل الأحبة"، وبدأت رحلة الأعمال الفنية لأم كلثوم مع كلام بيرم والتي زادت عن 30 أغنية، فغنت أم كلثوم أيضاً أغنية "إيه أسمى الحب"، وهي من ضمن الأغاني المفقودة للست، كما غنت من كلماته "الآهات" والتي ترددت أم كلثوم كثيراً في غنائها وعلى الرغم من ذلك حققت الأغنية نجاحًا كبيرًا.
وغنت ام كلثوم من كلمات التونسي "الاولة في الغرام " ولكن الاغنية كانت وليدة ظروف خاصة بين بيرم التونسي وصديق العمر زكريا أحمد، والتي كان يعاني منها شيخ الملحنين بعد وفاة ابنه، ظل بعدها فترة في منزله فترة يلتزم الصمت، كما غنت له كوكب الشرق بعض الأناشيد الوطنية مثل أغنية "صوت السلام"، والتي لحنها رياض السنباطي، وحصل عليها التونسي على الميدالية البرونزية من المجلس الأعلى للفنون والآداب، كما غنت آخر أغنية لبيرم التونسي بعد وفاته بعشر سنوات، وهي أغنية "القلب يعشق كل جميل" عام 1971
في عام 1960 منحه الرئيس جمال عبد الناصر جائزة الدولة التقديرية لمجهوداته في عالم الأدب، وحصل إثرها على الجنسية المصرية، ورحل عن عالمنا بيرم التونسي في 5 يناير 1961 عن عمر يناهز 68 عاماً، وذلك بعد معاناته الطويلة مع مرض الربو الذي أصابه خلال تواجده في منفاه في فرنسا.