اعتنق الإسلام بسبب آل البيت..وكرمه عبدالناصر..وغنى له الست والعندليب..ومات مقتولًا في الأرجنتين..حكاية آندريه رايدر أشهر موسيقار في تاريخ السينما
رغم أنه صاحب أشهر اسم مكتوب في تترات أفلام السينما المصرية في القرن العشرين، وتحديداً في الفترة من سنة 1954 حتى سنة 1971، إلا أنك ربما لا تتذكر له اسما ولا تعرف له شكلا، لكنه تتردد موسيقاه يوميا في أذنيك، وقد تضبط لسانك وهو يدندن بأحد ألحانه أو مؤلفاته، فتشعر بالألفة والامتنان، ليس لأنه ضخ الحياة في مجموعة من أشهر وأهم كلاسيكيات السينما المصرية، لكن لأنه ساهم في تشكيل وجدان أجيال متعاقبة، وأصبحت أعماله جزءا لا يتجزأ من تاريخهم وإنسانيتهم، وأصبح دوره في السينما المصرية ليس فقط بارزاً وإنما ركن أصيل في الأفلام، هو الموسيقار اليوناني أندريه اناجنستوس رايدر
والذي كان يُكتب اسمه ف التترات بـ “أندريه رايدر”.
هو صاحب الموسيقى التصويرية لأبرز وأهم أفلام السينما المصرية مثل “دعاء الكروان” ، “النظارة السوداء” ، “غروب وشروق” وغيرها.
اعتنق أندريه رايدر الإسلام، وذلك حين عرفه بعد قدومه إلى مصر بعام واحد عن طريق الشيخ إبراهيم محمد أبو خليل “شيخ الطريقة الخليلية، وعضو المجلس الأعلى للطرق الصوفية ” في خمسينيات القرن الماضي، وكانت له بعض المحاضرات في الجامع الأزهر .
كان أندريا رايدر صديقا مقربا للفنان فريد شوقي، وكان فريد شوقي يعتاد الذهاب إلى السيدة زينب بحكم أن نشأته كانت هناك، وكان الشيخ إبراهيم محمد أبو خليل يلازم قبل سفره للحج ضريح السيدة زينب، وكان ينشد لها أشعاراً ، فلمست أشعاره أوتار قلب أندريا رايدر حيث كان يعرف اللغة العربية جيداً
وبعدها بسنوات اعتنق الإسلام وأخذ الجنسية المصرية.
ولد الموسيقار اليوناني أندريه أناجنستوس رايدر، الذي كان يُكتب اسمه في التترات «أندريه رايدر»، في 10 أغسطس 1908، باليونان، لكنه عاش معظم حياته في مصر، َكان «رايدر» يلقي بعض المحاضرات عن الإسلام في الجامع الأزهر.
بدأت موسيقاه المميزة في الانتشار السينمائي عام 1954 مع أنغام القيثارة ليلى مراد، ليقدم بعد ذلك الألحان والموسيقى التصويرية لأشهر أفلام السينما المصرية، وقدم الألحان والموسيقى التصويرية لحوالي 61 فيلما أشهرها، «دعاء الكروان، والباب المفتوح، ونهر الحب، واللقاء الثاني، وأغلى من حياتي، والنظارة السوداء، وشروق وغروب، وشاطئ الذكريات، والرجل الثاني، والحب الكبير، وحكاية حب، واللص والكلاب، وبين الأطلال، والسراب، وفتى أحلامي».
استخدم رايدر ببراعة «صولو الكمان» الذي يصاحب استعراض «ليلى»، أو فاتن حمامة، لمصابي المقاومة الشعبية في بورسعيد، قرب نهاية فيلم «الباب المفتوح»، 1963، ما يجعلها تحسم أمرها وتقرر كسر قيودها والتمرد على سلطتي الأب والخطيب للحاق بحبيبها، صالح سليم، والسفر معه، ومعهما آلات «رايدر»، التي تعلن انتصارهما وانتصار العهد الجديد قبلهما.
شارك رايدر مع فريق عمل «الباب المفتوح» وهم الفنانة فاتن حمامة، والمخرج هنري بركات، ومدير التصوير وحيد فريد، في صناعة تحفة أخرى هي فيلم «دعاء الكروان»، 1959، ووضع له ما وصفها الموسيقار الراحل عمّار الشريعي، في برنامجه التليفزيوني «سهرة شريعي» أنها أفضل موسيقى تصويرية في تاريخ السينما المصرية.
ينسب الفضل لـ«رايدر» في أنه كان أحد الذين نقلوا السينما المصرية من عصر مختارات من المقطوعات العالمية في موسيقاها التصويرية، إلى عصر الموسيقى المؤلفة لها خصيصا، والموزعة أوركستراليا، والمعزوفة بأيدي أكبر الفرق وأمهر العازفين، لتكتسب أفلام السينما المصرية شخصيتها المستقلة، وتؤكد هويتها، وتنطلق إلى آفاق لم تكن تعرفها من قبل، وقام بعمل موسيقى تصويرية لحوالي 6 أفلام يونانية أشهرها، «رياح الغضب، وطريق الأقدار».
وزع الكثير من الألحان التي غناها مشاهير المطربين، أمثال أم كلثوم، ومحمد عبد الوهاب، وعبد الحليم حافظ، وفايزة أحمد.
كما تعاون مع الفنان السوداني الشهير محمد وردي، ووزع ألحان أغنية «الود»، التي تعتبر إحدى روائع الطرب السوداني، ولحن أغاني دينية في أواخر حياته أشهرها أنشودة «هايم في حب الله» للشيخ الطناني.
حصل على وسام الاستحقاق في الفنون من الرئيس جمال عبد الناصر، واختير كأحسن مؤلف موسيقى تصويرية في تاريخ السينما في مئوية السينما المصرية.
أشاد النقاد بالمشهد الأخير من فيلم كمال الشيخ «غروب وشروق»، 1970، حين تقف «مديحة»، أو سعاد حسني، في النافذة وتزيح الستارة قليلاً لكي تتابع، بعينين مبتلتين بالدموع، زوجها وصديقه رشدي أباظة وصلاح ذو الفقار، وهما يغادران حديقة قصر رئيس القلم السياسي بعد نهاية والدها وتدمير حياتها هي بالكامل، وكانت عيناها تلخصان المأساة كلها من دون كلمة واحدة، وبعد خروجهما، تسحب يدها لتنسدل الستارة بسرعة على حياتها وعلى الفيلم كله.
توفي «رايدر» مقتولا بالأرجنتين في 5 مارس 1971، خلال إحدى جولاته الفنية، إثر مشاجرة في العاصمة الأرجنتينية، بيونس إيرس.