استمر 8 ساعات.. قصة أقصر برلمان فى تاريخ مصر والعالم

البرلمان
البرلمان

ماذا تعرف عن أقصر برلمان فى تاريخ مصر والعالم؟ ولماذا تم حله بعد 8 ساعات من انعقاده؟

يعد البرلمان الثانى لثورة 1919، برلمان عام 1925، أقصر برلمان فى تاريخ مصر والعالم، وبدأت الأحداث بعد حل الملك فؤاد للبرلمان الأول فى 24 ديسمبر 1924، فكان من المفترض أن تتم الدعوة لانتخاب البرلمان الجديد فى حدود شهرين، إعمالًا للدستور، الذى نص فى المادة 89 منه على «الأمر الصادر بحل مجلس النواب يجب أن يشتمل على دعوة المندوبين لإجراء انتخابات جديدة فى ميعاد لا يتجاوز الشهرين وعلى تحديد ميعاد لاجتماع المجلس الجديد فى العشرة أيام التالية لتمام الانتخاب».

المثير أن وزارة زيور باشا ماطلت فى الدعوة لإجراء الانتخابات النيابية الجديدة متحدية نصوص الدستور، لكنها أجبرت تحت ضغط القوى السياسية، والاحتجاجات الشعبية على تحديد موعد الانتخابات، فى محاولة أخيرة لإضفاء طابع شرعى على حكمها غير الدستورى.

ودخلت وزارة زيور الانتخابات، وفى نيتها التلاعب فى النتيجة لصالحها، ودخلها الوفد مدافعًا عن الدستور كما أعلن زعيمه سعد زغلول باشا، وتوالت الأحداث.

وفى 9 ديسمبر 1924 عين إسماعيل صدقى باشا وزيرا للداخلية، لتظهر يد حزب الأحرار الدستوريين فى الانقلاب ضد وزارة الوفد والدستور، وليبدأ إسماعيل صدقى رحلته فى تحدى الدستور، وتزييف الإرادة الشعبية.

وفى 10 يناير 1925 أسس حزب الاتحاد بإيعاز من القصر، بتدخل مباشر من حسن نشأت باشا وكيل الديوان الملكى، أكبر أعداء سعد زغلول، وتم تقديم الحزب الجديد كحزب للعرش، ليكون ذراعًا مباشرة للملك فى الانتخابات، مما أثار استياء الأحرار الدستوريين، الذين تصوروا أنهم من سيرث الوفد، ولكن حسن نشأت أكد لهم أنه مجرد ضمانة للقصر حتى لا ينفرد الأحرار الدستوريين بإدارة البلاد كما فعل سعد زغلول من قبل.

أكتمل الحلف المعادى للوفد والديمقراطية، وبدأ فى الاستعداد للانتخابات، الحزبين القديمين، الحزب الوطنى، وحزب الأحرار الدستوريين، والحزب الجديد، حزب الاتحاد، يدعمهم القصر والإنجليز.

وهنا كانت الصدمة، حيث بدأت وزارة زيور وفى مقدمتها وزير الداخلية إسماعيل صدقى التلاعب فى الانتخابات، فألقت قانون الانتخابات الجديد الذى عدله البرلمان المنحل، وصدر فى 24 يوليو 1924 فى صفيحة المهملات، والذى جعل الانتخاب مباشرة لجميع أفراد الشعب، بدلا من درجتين لمجلس النواب، وثلاث درجات لمجلس الشيوخ، كما كان ينص القانون القديم، فأعادت الوزارة القانون القديم، متحدية الدستور والشرعية، ولعلمها أن الانتخاب المباشر سيصب فى مصلحة حزب الوفد، صاحب الشعبية الكبيرة.

لم تلتزم الوزارة بنصوص القانون القديم أيضا، فقد كان ينص فى المادة 46 على «مدة نيابة المندوبين خمس سنوات، وإذا جرت انتخابات عامة أو تكميلية وجب عمل انتخاب جديد لإبدال أحد المندوبين بغيره أو استبقائه إذا طلب ذلك أغلبية قسم ناخبيه»، وكانت مدة المندوبين القائمين تنتهى فى سبتمبر 1928م، ولكن الوزارة دعت لانتخاب مندوبين جدد، لعلمها ولاء المندوبين القدماء للوفد، فدعت لانتخاب المندوبين فى 4 فبراير 1925.

أمتد تلاعب الوزارة لتغيير حدود الدوائر الانتخابية، لتتشكل حسب رغبات مرشحى الحكومة، لتعطيهم أفضلية على مرشحى الوفد، فأصدر مجلس الوزراء قرارًا فى أول فبراير 1925 بتعديل 106 دائرة انتخابية من 214 دائرة، كذلك فتحت باب الترشيح بعد انتهاء ميعاده القانونى فى بعض الدوائر لحساب مرشحيها.

أصدر إسماعيل صدقى وزير الداخلية أوامره للمحافظين ورؤساء المديريات بدعم مرشحى الائتلاف الحكومى ضد حزب الوفد بأى ثمن، وحذرهم بأن المحافظ الذى ينجح وفدى فى دائرته سيتحمل المسئولية أمامه، وأطلق العنان لقوات الشرطة فى قمع ومطاردة معارضى وخصوم الحكومة وأنصار الوفد.

وتم انتخاب المندوبين يوم 4 فبراير 1925، فأخذت الحكومة تسوف، وتماطل فى تحديد يوم الانتخاب، لتعطى إسماعيل صدقى أطول وقت ممكن ليمارس الإرهاب والضغط على المندوبين لضمان توجيه أصواتهم، وأخيرا بعد تزايد الضغط الشعبى حددت يوم 12 مارس 1925 لإجراء الانتخابات.

مع اقتراب الانتخابات أخذت حدة الإجراءات الحكومية تتزايد، فأصدرت وزارة الداخلية قرارا بأن يتم التصويت بالقلم الرصاص الأسود، فاعتبره الوفديون دليلا على نية التزوير، وطالبوا باستخدام القلم «الكوبيا» أو القلم الحبر منعا للتلاعب، ومنذ عصر يوم 25 فبراير، حاصر البوليس بيت سعد زغلول، فوقفوا على مداخل الشوارع المؤدية إليه، ليمنعوا أنصاره من الاتصال به خلال المعركة الانتخابية.

و أصدرت الداخلية أيضًا قرارًا بتعيين مندوبى المرشحين فى اللجان لمنع مندوبى الوفد من دخول اللجان الانتخابية، وبلغ التدخل ذروته بقرار وزير الداخلية الذى صدر فى أسبوع الانتخابات، بمنع احتشاد الناس قرب مقار اللجان، وأن تسد الطرق الموصلة لها على بعد كاف يقدره البوليس، ومنع المظاهرات والاجتماعات يوم الانتخابات، واتخاذ الإجراءات ضد الطلاب الذين يشاركون فى الحملات الانتخابية، مادام كانوا غير مقيدين فى كشوف الناخبين.

تمت الانتخابات يوم 12 مارس، وفى 13 مارس أعلن زيور حصول الائتلاف الحكومى على الأغلبية، فقرر الاستمرار فى الحكم مع تعديل فى شكل الوزارة لتتناسب مع نتيجة الانتخابات، فرفع زيور استقالته للملك فى نفس اليوم، فعهد إليه بتأليف الوزارة الجديدة، وأتى التشكيل الجديد خليط من حزب الأحرار الدستوريين وحزب الاتحاد وبعض المستقلين.

أجتمع البرلمان بمجلسيه على هيئة مؤتمر صباح يوم 23 مارس 1925، ورأس الاجتماع محمد توفيق نسيم باشا رئيس مجلس الشيوخ، وحضر الملك فؤاد حفلة الافتتاح، وتلا زيور خطاب العرش، ثم انفض المؤتمر، واجتمع مجلس النواب.

وبدأ مجلس النواب جلسته فى الساعة الثانية عشرة ظهرًا، وابتدأ انعقاده بانتخاب رئيسه، فكانت المفاجأة، حصل سعد زغلول على 123 صوتا مقابل 85 صوتا نالها ثروت باشا، فاتضحت الحقيقة، الوفد هو من حاز على الأغلبية وليس الائتلاف الحكومى.

ورفعت حكومة زيور استقالتها إلى الملك فؤاد عصر ذلك اليوم، وبررتها بتعارض سياسة مجلس النواب مع سياسة الحكومة، فرفضها الملك، فاقترحت الوزارة عليه حل البرلمان، فأصدر قرار الحل.

دخل زيور على النواب فى الساعة الثامنة إلا ربعا، وخاطبهم قائلا: «أتشرف بإخبار المجلس أن الوزارة رفعت استقالتها إلى جلالة الملك فأبى قبولها، فأشارت على جلالته بحل المجلس فأصدر المرسوم الآتى نصه، وتلا عليهم قرار الحل، ولم يمضِ على انعقاد المجلس سوى ثمانى ساعات!

وحل البرلمان الثانى لنفس سبب حل البرلمان الأول، وهو ما يخالف الدستور، الذى نص فى المادة 88 منه «إذا حل مجلس النواب فى أمر فلا يجوز حل المجلس الجديد من أجل ذلك الأمر»، حل البرلمان لمخالفة سياساته سياسة الوزارة، سياسة التسليم الكامل للاحتلال الإنجليزى، وبدلا من أن تستقيل الوزارة حلت البرلمان، ضاربة عرض الحائط بالدستور، وفى 26 مارس استصدرت الوزارة مرسوما بوقف الانتخابات الجديدة، بحجة تعديل قانون الانتخاب القائم، لتأجل الانتخابات لأجل غير مسمى.

تم نسخ الرابط