ورد في القرآن كلمات غير عربية ..فهل يتنافى ذلك مع كونه قرآناً عربيا؟.. عطية صقر يرد

الموجز

ورد سؤال إلي الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الأسبق- رحمه الله، مفاده :" يقول بعض الناس: أن القرآن فيه كلمات غير عربية، وهذا يتنافى مع كونه قرآنا عربيا، فما رأى الدين فى ذلك؟".

وأجاب فضيلته بما يلي:

قال تعالى {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم} إبراهيم: 4، وقال {وانه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح الأمين. على قلبك لتكون من المنذرين. بلسان عربى مبين} الشعراء: 192 - 195 وقال {إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون} يوسف:2.

تدل هذه الآيات وغيرها على أن القرآن الكريم نزل باللغة العربية، لأنها لسان القوم الذين أرسل إليهم النبى صلى الله عليه وسلم، وذلك ليستطيع أن يبلغ وليستطيعوا أن يفهموا ويتدبروا.

ومعروف أن اللغات تتلاقح فى بعض الألفاظ، أى يأخذ بعضها من بعض، بحكم الاتصالات بين الأفراد والجماعات والشعوب، التى هى ضرورة من ضرورات الحيلة الاجتماعية للبشر، فما يوجد فيها من ألفاظ متحدة قد يكون لانتساب لغتين إلى أصل واحد أو لشئ آخر، وقد يكون نقلا من لغة إلى لغة، وإذا نقل لفظ واستعمله الناقلون مدة طويلة صار من لغتهم.

فإذا كان فى القرآن الكريم ولغة العرب ألفاظ أصلها غير عربى مثل أباريق وأرائك وإستبرق فقد استعملها العرب وصارت مألوفة لهم، وأجروا عليها قواعد لغتهم فى الإعراب والاشتقاق والإفراد والتثنية والجمع وغيرها.

جاء فى تفسير القرطبى "ج 1 ص 68" أنه لا خلاف بين الأئمة فى أنه ليس فى القرآن كلام مركب على أساليب غير العرب، وأن فيه أسماءً أعلاما لمن لسانه غير لسان العرب كإسرائيل وجبريل وعمران ونوح ولوط.

واختلفوا: هل وقع فيه ألفاظ غير أعلام مفردة من غير كلام العرب؟ فذهب القاضى أبو بكر بن الطيب والطبرى وغيرهما إلى أن ذلك لا يوجد فيه، وأن القرآن عربى صريح، وما وجد فيه من الألفاظ التى تنسب إلى سائر اللغات إنما اتفق فيها أن تواردت اللغات عليها فتكلمت بها العرب والفرس والحبشة وغيرهم.

وذهب بعضهم إلى وجودها فيه، وأن تلك الألفاظ لقلتها لا تُخرج القرآن عن كونه عربيا مبينا، ولا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كونه متكلما بلسان قومه، فالمشكلة هى الكوة، ونشأ معناها قام من الليل، ومنه {إن ناشئة الليل} {يؤتكم كفلين} أى ضعفين، {فرت من قسورة} أى الأسد، كله بلسان الحبشة. والغساق أى البارد المنتن هو بلسان الترك، والقسطاس أى الميزان هو بلغة الروم، والسجيل أى الحجارة والطين هى بلسان الفرس، والطور أى الجبل، واليَم أى البحر هما بالسريانية، والتنور أى وجه الأرض هو بالعجمية.

قال ابن عطية: فحقيقة العبارة عن هذه الألفاظ أنها فى الأصل أعجمية، لكن استعملتها العرب وعرَّبتها فهى عربية بهذا الوجه.

وقد كان للعرب العاربة التى نزل القرآن بلسانها بعض مخالطة لسائر الألسنة بتجارات وبرحلتى قريش، وسفر بعض الأشخاص إلى بلاد أخرى، فعلقت العرب بهذا كله ألفاظا أعجمية غيرت بعضها بالنقص من حروفها، وجرت إلى تخفيف ثقل العجمة واستعملتها فى أشعارها ومحاوراتها حتى جرت مجرى العربى الصحيح، ووقع بها البيان.

وعلى هذا الحد نزل بها القرآن. فإن جهلها عربىاً ما فكجهله الصريح بما فى لغة غيره، كما لم يعرف ابن عباس معنى "فاطر" إلى غير ذلك.

قال الإمام ابن عطية: وما ذهب إليه الطبرى رحمه الله من أن اللغتين اتفقتا فى لفظة لفظة فذلك بعيد، بل إحداهما أصل والأخرى فرع من الأكثر، لأنَّا لا ندفع أيضا جواز الاتفاق قليلا شاذا.

قال غيره: والأول أصح -أى أن القرآن فيه كلمات أجنبية صارت بعد ذلك عربية - وقوله: هى أصل فى كلام غيرهم دخيلة فى كلامهم ليس بأولى من العكس، فإن العرب لا يخلو أن تكون تخاطب بها أولا، فإن كان الأول فهى من كلامهم، إذ لا معنى للغتهم وكلامهم إلا ما كان كذلك عندهم، ولا يبعد أن يكون غيرهم قد وافقهم على بعض كلماتهم، وقد قال ذلك الإمام الكبير أبو عبيدة، فإن. قيل: ليست هذه الكلمات على أوزان كلام العرب فلا تكون منه، قلنا: ومن سلم لكم أنكم حصرتم أوزانهم حتى تخرجوا هذه منها؟ فقد بحث القاضى عن أصول أوزان كلام العرب، ورد هذه الأسماء إليها على الطريقة النحوية.

وأما إن لم تكن العرب تخاطبت بها ولا عرفتها استحال أن يخاطبهم الله بما لا يعرفون: وحينئذ لا يكون القرآن عربيا مبينا، ولا يكون الرسول مخاطبا لقومه بلسانهم.

تم نسخ الرابط