الحديد والصلب ... أنشأها عبد الناصر لتحقيق الأمن القومى وأتلفها الفساد
حلم إنشاء شركة مصرية للحديد والصلب، ظل يداعب تفكير الرئيس جمال عبد الناصر من الحين للآخر، ولم يتحقق على أرض الواقع إلا فى عام 1932 بعد توليد الكهرباء من خزان أسوان، وقتها أصدر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر مرسومًا بتأسيس شركة الحديد والصلب بالتحديد يوم 14 يونيو 1954 في منطقة التبين بحلوان كأول مجمع متكامل لإنتاج الصلب في العالم العربي برأسمال 21 مليون جنيه.
وتم الأكتتاب الشعبي وكانت قيمة السهم جنيهين مصريين يضاف إليهما خمسون مليمًا مصاريف إصدار، وفى يوم 23 يوليو 1955 قام عبد الناصر مع أعضاء مجلس قيادة الثورة بوضع حجر الأساس الأول للمشروع على مساحة تزيد على 2500 فدان شاملة المصانع والمدينة السكنية التابعة لها والمسجد الملحق بها، بعد توقيع العقد مع شركة ديماج ديسبرج الألمانية (ألمانيا الشرقية آنذاك) لإنشاء المصانع وتقديم الخبرات الفنية اللازمة.
وبالرغم من ظروف العدوان الثلاثى سار العمل بهمة ونشاط في بناء المصنع، ولقى المشروع الوليد معاونة صادقة من كل أجهزة الدولة مثل مصلحة الطرق، المرور وسلاح الحدود الذين تضافرت جهودهم لتيسير عمليات النقل.ففى نفس التوقيت تم تشغيل ميناء الدخيلة لتوريد الفحم اللازم لتشغيل الأفران، وكذلك خط سكك حديدية من الميناء تصل إلى حلوان وخط سكك حديدية آخر لتوصيل خام الحديد من الواحات إلى حلوان. ولم يأت شهر نوفمبر من عام 1957 حتى كانت الأفران الكهربائية الخاصة بصهر الحديد قد بدأت أعمالها بالفعل، وفي 27 يوليو 1958 افتتح عبد الناصر الشركة الوليدة لتبدأ الإنتاج في نفس العام باستخدام فرنين عاليين صُنعا بألمانيا، (وقد تمت زيادة السعة الإنتاجية للمجمع باستخدام فرن عالٍ ثالث صناعة روسية عام 1973، لحقه الفرن الرابع بغرض زيادة إنتاج الشركة من الصلب عام 1979)، ليضم المجمع بذلك أربعة أفران عالية.
واعتمد المشروع في إنتاجه على خامات الحديد المتوافرة بكثرة في مناجم أسوان "والتي قدرت مساحتها بـ1250 كيلو مترًا مربعًا، فبالإضافة إلى جودة الخام المستخرج منها تعتبر أقرب مصادر الخامات المصرية إلى طرق المواصلات، كما اعتمد على خام الحديد المتوفر أيضا في الواحات البحرية والبحر الأحمر، وقد بلغ إنتاج المصنع - آنذاك - ما يقرب من 210 آلاف طن ليصل إلى 1.5 مليون طن في فترة السبعينيات من الصلب المشكل على هيئة ألواح مختلفة الأحجام والسمك وقضبان وفلنكات حديدية وبلنجات السكك الحديدية، بالإضافة إلى الزوايا والكمرات والستائر الحديدية وأنابيب ومستودعات البترول وغيرها من احتياجات الصناعة المختلفة والتي كنا نستوردها سنوياً، كذلك أنتج المصنع منتجات أخرى ذات قيمة اقتصادية كبيرة منها السماد الفسفوري، خبث الأفران العالية الذي يستخدم في صناعة الأسمنت وكذلك كميات هائلة من غاز الأفران الذي استخدم لتشغيل بعض الآلات في المصنع ذاته، كما استخدم في توليد الكهرباء.
ومع مرور السنوات خفق نجم الشركة الذى ظل ساطعا لأعوام طويلة، وعبث أيادى الفساد فى أموال القلعة الصناعية العملاقة ومقدراتها، وتعرضت لخسائر فادحة تهدد بقاؤها، مما جعلها تواجه العديد من التحديات بسبب زيادة خسائر المصانع، وصعوبات توريد الخامات، على الرغم من تمكنها من التوصل لاتفاق لتسوية مديونيات تاريخية مقابل التنازل عن أراضي لوزارتي البترول والكهرباء.
وكانت الشركة القابضة للصناعات المعدنية تقدمت بمقترحا تضمن، فصل نشاط المناجم التابعة لشركة الحديد والصلب، في شركة منفصلة وأكدت الجمعية العامة غير العادية للشركة الحديد والصلب المصرية،
أنها ستقوم بدراسة المقترح، نظرًا لتدني كافة المؤشرات المالية والإنتاجية والاقتصادية للشركة، وعدم قدرتها على الوفاء بالتزامتها نحو الغير، وأهما توفير أجور العاملين ومستلزمات الإنتاج والتشغيل الاقتصادي، وتدهور اقتصاديات التشغيل والخلل في الهيكل المالي، ما أدى إلى ارتفاع خسائر الشركة المرحلة إلى 8.2 مليار جنيه، مع عدم وجود رؤية واضحة لإدارة الشركة في إيجاد حلول عملية تساعد علي إاقالتها من عثرتها قررت الجمعية العامة الموافقة على استمرار الشركة، وذلك للامزيد من الدراسة والعرض علي الجمعية العامة القادمة.
ووافقت الجمعية العامة غير العادية لشركة الحديد والصلب خلال مطلع الشهر الحالي على تقسيم الشركة، وفصل نشاط المناجم التابعة للشركة في شركة منفصلة على أن يحصل كل مساهم في شركة الحديد والصلب على أسهم مجانية في الشركة الجديدة مقابل حصته.