عبدالرحمن فهمي.. مسؤول الجهاز السري في ثورة 1919.. وصفته المخابرات البريطانية بأنه ”بتاع ستات” و”أخلاقه لا تُطاق”.. وهذه القضية لُفقت له

عبدالرحمن فهمي
عبدالرحمن فهمي

لعب الجهاز السري لثورة 1919 دوراً كبيراً في نجاحها، وتحقيق أهداف الشعب المصري منها، ومثّل في نفس الوقت لغزًا كبيراً للإنجليز الذين فشلوا في اصطياد قياداته.

فعلى مدار عام ونصف خُدعت سلطات الاحتلال البريطاني بتقارير سرية أعدها مفتشون بريطانيون عن عبد الرحمن فهمي المسئول الأول عن الجهاز السري لثورة 1919، وهي تقارير تضمنت معلومات كانت كفيلة بإبعاد الشبهات عن هذا الرجل، بل وأتاح للجهاز القيام بعمليات كثيرة آنذاك.. فماذا تضمنت هذه التقارير التي عرضها مصطفى أمين في كتابه «الكتاب الممنوع. أسرار ثورة 1919»؟!.

أخلاق سيئة

كان عبد الرحمن فهمي مديراً لبني سويف، وكان له ملف سري يحوي تقارير المفتشين الإنجليز عنه. وقد سلم مستر «هوبنور» مدير الأمن العام هذا الملف إلى المخابرات البريطانية في أوائل الثورة، ووصلت إلى نتيجة بأن هذا الشخص بالذات لا يمكن أن يكون هو المسئول عن الأعمال السرية للثورة.

أحد هذه التقارير السرية العجيبة التي كانت في دوسيه فهمي وهو مدير عُنونت بـ«سري جداً. تقرير من مستر مونت سميث مفتش الداخلية عن عبد الرحمن فهمي مدير بني سويف. 7 مارس 1907». وجاء في التقرير أن فهمي متكبر، يكرهه الأهالي، وفقد احترامه ومحبته في بني سويف، ولم يعد في استطاعته استرجاعهما.

وبحسب التقرير، «ومما لاشك فيه أنه قوي وذو إرادة، ولكن ينقصه أن يكون ذا أخلاق حسنة وآداب. يصح أن يكون مديراً كفئاً، ولكنه تلقى درساً بعد درس بدون فائدة لأن أخلاقه لا تحتمل، وشدته معروفة في المديريات الأخرى، وقد يقابل بفتور من الأهالي إذا ذهب إلى مديرية أخرى!. والفرصة الوحيدة أن ينتقل مديراً للجيزة، حتى يكون تحت إشراف مفتش الداخلية وحتى لا يرتكب شيئاً مما فات».

علاقات نسائية

تقرير سري آخر حمل توقيع مستر متشيل مستشار الداخلية في 12 مايو 1907، وورد فيه أن مسألة عبد الرحمن فهمي تتلخص في أمرين: أولاً اختلاطه الشديد بالنساء، والثاني أخلاقه التي لا تُطاق بالنسبة لأعيان وموظفي المديرية. وهو ينكر الأول تماماً، وقد يكون الثاني ناتجاً عن كبريائه، وعن أفكاره بالنسبة لمركزه.

وبحسب التقرير «ولولا أخلاقه السيئة ربما ما سمعنا شيئاً عن الاتهام الأول، ولا عن التشنيع عليه بغرض أن تتخذ إجراءات ضده».

«أما بالنسبة لعلاقته بالنساء، فهذا شائع جداً، ولا يمكن غض النظر عنه، وقد تحصلت المعلومات من مصادر كثيرة، فإنه لما حضر على المديرية كان يسكن في منزل محام، وكان هناك محام آخر كان صديقاً له ويسكن بجوار منزله، وكان يقضي جزءاً من وقته في القهوات، فأخبره أحدهم أن المدير يزور منزل جاره في أثناء غيابه وعند عودته قابل المدير خارجاً من منزله، فكانت النتيجة أن طلّق امرأته وأرسلها إلى أهلها». حسبما ذكر التقرير.

وذكر التقرير حادثة أخرى، «وذلك أن أحد الأعيان عاد إلى منزله من سفر في مصر، ولم يكن منتظراً حضوره فوجد زوجته خارج المنزل، ثم عادت في وقت متأخر وهي سكرانة، وعلم أنها كانت بمنزل المدير وهو غير متزوج».

وبحسب متشيل فإن «المدير (يقصد فهمي) ينسب هذه التهم إلى كراهية بعض المحامين، بسبب أن اغلبهم لم يتمكن من الحصول على أصوات في المجلس البلدي، وإني لا أشك أن هذه المسائل ما كنا نسمع عنها كثيراً لولا أخلاقه، فإنها شديدة بالنسبة للموظفين والأعيان، فهو يصرخ في وجه من يكلمه ويحتد على لأقل شيء!».

وأضاف «وحتى الآن، وفي الوقت الذي طلبنا إليه أن يٌحسن أخلاقه، لا يسمح للحكمدار بالجلوس معه في غرفته، ويعامل موظفي المجلس البلدي وأعضاءه كأولاد صغار. أخلاقه بالنسبة للأعضاء شديدة، ولا يسمح لأحد بانتقاد أعماله».

تقرير ثالث حمل عنوان «سري جداً» موقع من مستر هيزل المفتش بوزارة الداخلية عن المدير عبد الرحمن فهمي أول يونيو سنة 1917.. وجاء فيه «اشتكى القاضي محمد مصطفى بأن المدير عبد الرحمن فهمي ينظر بالمنظار المقرب على النساء في البيوت المجاورة، كما شكا عمدة بني سويف من سوء معاملة المدير وتصرفاته السيئة».

شروط مفتقدة

بحثت المخابرات البريطانية هذا الملف، ووصلت منه إلى نتيجة أن الصفات التي يذكرها مفتشو وزارة الداخلية الإنجليز عن عبد الرحمن فهمي تؤكد أنه ليس هو الذي يدير الجهاز السري، فالمفروض في الرجل الذي يتولى مثل هذا العمل أن يكون هادئاً وديعاً، صبوراً مجاملاً، وبذلك يستطيع أن يجمع الذين يعملون معه.

فمن غير المعقول أن يكون رجل بصفات فهمي التي تؤكدها التقارير السرية البريطانية هو الذي يقوم بمثل هذه العملية، لأن الرجل الذي يقوم بمثل هذه العملية الخطيرة يشترط فيه أن يعرف كيف يكسب معاونيه، ويوهمهم أنهم أصدقاؤه، وأنه يثق بهم ويعاملهم معاملة رفيعة.

وهذا أمر لا يتوافر في عبد الرحمن كما تقول هذه التقارير السرية، فهو لا يسمح لمرؤوسيه بأن يجلسوا في حضرتهن ويعامل موظفي المجلس البلدي كأنهم أطفال صغار! ثم أن التقارير تقول إن فهمي مشغول بالنساء، مثل هذا الرجل لا وقت لديه لكي يقوم بهذا العمل الضخم.

وبقيت المخابرات تحت وهم هذه التقارير السرية من 13 نوفمبر سنة 1918 على شهر يونيو سنة 1920.

قضية ملفقة

وفجأة تجمعت الأخبار لدى المخابرات البريطانية بأن عبد الرحمن فهمي هو الرجل الخطير الذي يبحثون عنه، ولكن لم تكن توجد أدلة تثبت عليه هذا الاتهام، واتفقت المخابرات مع مستر «هوبنور» مدير الأمن العام على أن الحل الوحيد هو تلفيق قضية، والحصول على شهود زور.

وتم وضع الخطة: إنهم يعرفون ماذا يفعل الجهاز، ولكنهم لا يعرفون من هم أعضاءه، أو معلومات عنه، وحددوا التهمة بأنها هي: «أن عبد الرحمن فهمي وآخرين متهمون باركاب جرائم تقع تحت طائلة الأحكام العرفية، وهي التآمر على الاحتلال، وأنهم الّفوا جمعية سرية تسمى الانتقام غرضها خلع السلطان أحمد فؤاد وقلب حكومته، وإثارة ثورة، والتحريض على القتل، وتوزيع أسلحة، وقتل السلطان ووزرائه».

وبعد أن رتبت المخابرات القضية، وقسمت الأدوار على شهود الزور، قبضت السلطة العسكرية على فهمي وعدد من رفاقه ووضعتهم في السجن، ولكن المفاجأة أن المخابرات البريطانية لم تعرف أغلب الجهاز السري مثل أحمد ماهر ولا حسن كامل الشيشيني ولا عبد الحليم البيلي، ولا عشرات من الذين لعبوا أدواراً خطيرة في الثورة.

تم نسخ الرابط