دلائل الحب في حياة النبي صلي الله عليه وسلم
قال الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية السابق أنه كثيرا من دلائل الحب التي جرت في أيام سيدنا النبي ﷺ سواء بينه وبين زوجاته أو بينه وبين أبنائه أو بينه وبين أصحابه أو بين أصحابه بعضهم مع بعض يصعب على كثير منا في هذا العصر تفسيرها أو تأويلها فضلا عن اليقين في وقوعها، حتى أنكرها كثير من الناس ورفضوها، وذلك لأننا صرنا نعيش في عصر انتزعت منه قيم الحب الأصيلة التي كانت تحكم أحداث عصر النبوة، ولن نستطيع أبدا أن نستوعب مثل هذه الحوادث والدلائل إلا إذا لبسنا نظارة الحب حتى نرى ونتذوق ونستمتع، حينئذ فقط يمكن فهم الأسباب والدوافع والحالة الشعورية والوجدانية التي عاشها الإنسان في هذا المكان وفي هذا الزمان، نعم كان الصحابة يعيشون حالة حب دائمة، وكان رسول الله ﷺ طاقة حب ورحمة وحنان ورأفة ورقة تسري روحها في كل شيء حتى الجماد.
جاء في بردة الإمام البوصيري يمدح سيدنا رسول الله:
فَإِنَّ فَضْلَ رَسُولِ اللهِ لَيْسَ لَهُ ... حَدٌّ فَيُعْرِبُ عَنْهُ نَاطِقٌ بِفَمِ
وَكَيْفَ يُدْرِكُ فِي الدُّنْيَا حَقِيقَتَهُ ... قَوْمٌ نِيَامٌ تَسَلَّوْ عَنْهُ بِالْحُلُمِ
وهذان البيتان يشتملان على حقائق عدة منها:
1 - إن رسول الله ﷺ شخص عظيم له حقيقة يغفل عنها كثير من المؤمنين به فضلا عن من لم يعرفه أصلا أو لم يؤمن به.
2 - إن هذه الحقيقة وإن كانت ظاهرة للعيان ولكن ينكرها قساة القلوب ذوي البصائر الصدئة، ويصدق فيهم قول الشاعر:
قَدْ تُنْكِرُ الْعَيْنُ ضَوْءَ الشَّمْسِ مِنْ رَمَدٍ * وَيُنْكِرُ الفَمُّ طَعْمَ المَاءِ مِنْ سِقَمِ
3 - إن الإنسان إذا قارب الاطلاع على حقيقة رسول الله ﷺ ولو بصورة جزئية فإنه ينبهر بنورها، ويعشق جمالها، ويهاب جلالها، ويذوب في حبها، ويعيش فيها وتعيش فيه.
4 - والحقيقة أن معرفتنا بحقيقة رسول الله ليست محيطة أو شاملة، بل هي جزئية، يعرف الإنسان بعضها ويجهل بعضها، ثم تزداد المعرفة وتكتمل في حياته حسب فتوح الله عليه، وهكذا طوال عمره شيئا فشيئا، ويزيد مع المعرفة الحب والشوق ويزداد الانجذاب به وإليه ﷺ.
5 - وحقيقة أخرى وهي أن الفتوح الإلهية بالمعرفة للحقيقة النبوية ليست بمحض التمني والصدفة بل مرتبط بالهمة العالية والعمل والاجتهاد في سبيل تحصيل هذه المعرفة.
6 - الحقيقة المحمدية موجودة في القرآن الكريم، وكان ﷺ قرآنا يمشي على الأرض، وكان خلقه القرآن، وقال عنه تعالى في قرآنه: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ). وموجودة في سنة رسول الله في أقواله وأفعاله، وموجودة في سيرته في مواقفه وعلاقاته، وموجودة في تراث الأمة الإسلامية في نثرها وفقهها وشعرها وأناشيدها وسلوكياتها وأخلاقها.
7 - وحقيقة سيدنا محمد ﷺ نراها في الكون من حولنا، هذا الكون الذي يدل على الله ويرشد الخلق على وجوده وعظمته، ويهدينا إلى الإيمان به وحبه. ولكن (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ).
8 - الحقيقة المحمدية إذا عرفتها ودخلت قلبك لن تخرج منه أبدا، ويشعر من فُتِحَ له ولو بشيء بسيط منها بالفرح والفرج والزيادة والطمأنينة، ولكن من أغلق على نفسه باب المعرفة والحب فمن يملك له شيئا، فإنه يتيه في الحياة. وهذه المعرفة وهذا الفضل هو فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. وهو الحكمة التي قال عنها الله تبارك وتعالى: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ).