عشق الملك تمثيله منذ طفولته واعتبره ثروة فنية ونعاه بحسرة وبكى علي رحيله وأمر بإحياء ذكراه كل عام في دار الأوبرا.. أسرار من علاقة نجيب الريحاني بالملك فاروق

الموجز

يعتبر الملك فاروق الأول من أشهر الملوك والرؤساء الذين جمعتهم الكثير من العلاقات بنجوم الفن، وسيطرت علامة الإستفهام علي الكثير من هذه العلاقات، فهو أشتهر بعلاقاته المختلفة بمشاهير السينما والطرب والمسرح، وذلك نتيجة حبه الكبير للفن وتعلقه به، حيث كان الملك فاروق دائمًا يقيم الحفلات الخاصة في قصره وكان خلالها يستضيف أشهر نجوم الزمن الجميل ليقدموا عروضًا غنائية أو فقرات استعراضية أو كوميدية، وهذا ما سنتحدث عنه خلال السطور المقبلة.

كانت من أبرز القصص التي جمعت بين الملك والفنانيين هي حكايته مع النجم نجيب الريحاني والتي كشف عنها الفنان القدير في مذكراته حيث قال أن الملك فاروق كان يحترمه ويحب فنه، ويتابع أخباره منذ كان طفلًا فى الثامنة من عمره عندما طلب من والده الملك فؤاد أن يشاهد مسرحية له وذلك بعدما شاهد صوره فى المجلات والجرائد، فما كان من الملك فؤاد إلا أن استجاب لطلب ابنه وجاءت فرقة الريحاني إلى القصر الملكي عام ١٩٢٨ وقدمت عروضها، ويومها كتب الشاعر الكبير بديع خيري صديق الريحاني وزميله فى مشوار الكفاح، والذي حضر معه هذه الإحتفالية قصيدة طويلة بعنوان "جه سعادة التشريفاتي التقى جوز حيرانيين" ونشرت فى شهر فبراير عام ١٩٢٨.

علي مدى مشوار الريحاني توطدت علاقته بالملك، وجمعتهما الكثير من المناسبات الفنية والإجتماعية، خاصة أن الريحاني كان صديقًا للفنان سليمان نجيب الصديق الشخصي للملك فاروق، ومستشاره الفني، وأول رئيس مصري لدار الأوبرا الملكية، وكان الملك يعتبر الريحاني ثروة مصرية، لهذا بكى وحزن جدًا على رحيله ونعاه بحسره، ونشر نعيه الذي جاء فيه: "إنى أحزن عندما تفقد بلدى رجلًا ممتازًا، وقد حزنت كثيرًا بفقد نجيب الريحاني الرجل الذى خدم مصر، وأحب مصر، وأحبته مصر، ولذا أوفدت مندوبًا لتشييع جنازته، وإنى على يقين أن الشعب مقدر لهذا الرجل خدماته، وأن جنازته ستكون شعبية"، وبعد وفاته أمر الملك فاروق أن يقام له كل عام ليلة فنية فى دار الأوبرا الملكية تحيي ذكراه.

ولد الفنان نجيب الريحاني في ٢١ يناير عام ١٨٨٩، لأم مصرية وأب عراقى وكانت حالتهما المادية ميسورة ولذلك تلقى تعليمه فى أفضل المدارس حتى التحق بالفرير الفرنسية ولاحظ موهبته الشيخ بحر أستاذ اللغة العربية وقرر أن يختاره رئيسًا لفريق التمثيل، حيث كان يعود إلى منزله يتدرب على أدواره بأصوات عالية ولساعات طويلة.

وكانت وفاة والده نقطة تحول كبيرة فى حياته حيث لم يكمل دراسته بعد حصوله على الثانوية فى السادسة عشر من عمره مما دفعه الى مزاولة اى مهنة من أجل مساعدة والدته وأسرته وعمل فى البنك الزراعى فى القاهرة وبالرغم من أن والده ترك ثروة ضخمة إلا أنه قرر أن يمنحها بالكامل الى ابنة شقيقته اليتيمة.

استطاع الريحانى أن يقدم العديد من الأعمال الكوميدية التى رسمت البسمة على وجوه جمهوره وذلك من خلال العديد من الأفلام السينمائية منها، وبرغم حبه للسينما إلا أن كان عشقه الأول هو المسرح حيث قدم العديد من الأعمال المسرحية وأنضم الريحانى فى البداية إلى العديد من الفرق الإستعراضية والمسرحية، إلا أنه لم يستمر طويلًا مع هذه الفرق بسبب غيرة اصحابهما منه ومن موهبته الكبيرة وظل نجيب يعانى حتى وجد فرصة مع الفنان استفان روستى الذى منحه فرصة جديدة للعمل وذلك على مسرح آبي دي روزو، حيث أبتكر شخصية "كشكش بيه" التي ارتبطت باسمه بعدها ومن هنا توالت أعماله الفنية.

تزوج الريحانى من الراقصة الإستعراضية اللبنانية بديعة مصابنى بعد قصة حب بينهما عام ١٩٢٤، وكونا ثنائيًا قويًا على الصعيد الفنى، لكن بعد زمن والكثير من المشاكل قررا الطلاق، وقبلها تبني الثنائي طفلة تدعى "جولييت" وتزوج بعدها بفترة من الإستعراضية الألمانية لوسى دى فرناى وأنجب منها فتاة تدعى "جينا" لكن بسبب القوانين الألمانية التى تمنع زواج الألمانى لأى جنسية أخرى سجلت زوجته الوثائق لرجل ألمانى آخر، وقبل وفاته قام ببناء قصر كبير تبرع به كمأوى للفنانين المتقاعدين الذين يعانون كثيرًا بعد الشيخوخة وخاصة لعدم وجود أى معاشات أو خدمات تأمين صحى.

توفى الريحانى فى ٨ يونيو عام ١٩٤٩، بسبب مرض التيفويد، الذى دمر قلبه ورئتيه، وذلك أثناء تصويره لآخر مشاهد فيلم "غزل البنات" الذى عرض بعد شهر من وفاته وعندما كان نجيب على فراش الموت رثا نفسه قائلًا: "مات نجيب مات الرَّجُل الذى اشتكى منهُ طوب الأرض وطوب السَّماء إذا كان للسماء طوب مات نجيب الذى لا يُعجبه العجب ولا الصيام فى رجب مات الرَّجُل الذى لا يعرفُ إلَّا الصراحه فى زمن النفاق.. ولم يعرف إلَّا البحبوحة فى زمن البُخل والشُّح.. مات الريحانى في ٦٠ ألف سلامة".

تم نسخ الرابط