حكاية ”إذاعة أم كلثوم” التي استغلها عبدالناصر لأهداف سياسية..وخدع بها الجميع..ولهذا السبب جعل مقرها سري
في الستينات وتحديدًا في تمام الساعة الحادية عشرة مساء بتوقيت القاهرة، تجد الشوارع خاوية، إلا من بعض المارة، وفى كل شارع ومن كل بيت أو مقهى أو محل تجارى، يظهر صوت كوكب الشرق أم كلثوم من تلك الإذاعة التى تسمت باسمها "إذاعة أم كلثوم"، ويرج الأركان.
ونجد أن الملايين الذين كانوا يجتمعون حول الراديو فى كل مساء، لكى يستمعوا إلى أم كلثوم فى إذاعتها، لم يكونوا يدركون وقتها، أنهم يستمعون لإذاعة ليس غرضها إذاعة الأغانى وعلى رأسها حفلات أم كلثوم، لكنها كانت جزءا من خطة سياسية هامة، وظهيرا قويا وهاما للدولة المصرية فى هذا الوقت.
أدرك عبد الناصر مبكرا أهمية الإذاعة بالنسبة لثورة 23 يوليو 1952، حيث كانت الوسيلة الإعلامية الأهم وقتها، فقرر الحصول على أكبر حصة من الاتحاد الدولى للإذاعات، حيث أراد الزعيم الراحل الحصول على أكبر حصة من الموجات الإذاعية تزامنا مع حاجة المخابرات المصرية لمحطة إرسال تستخدمها بشفرتها مع أعوانها فى سفارات دول العالم.
وكان البث الإذاعى هو وسيلة أجهزة المخابرات العالمية فى هذا الغرض، وتم اقتراح توظيفها لإذاعة أغانى أم كلثوم، وبذلك أصبحت مهمتها الظاهرية إذاعة أغانى كوكب الشرق، فى حين أن مهمتها تختلف عن هذا الغرض.
جمال عبد الناصر اختار لإذاعة الأغانى موجة قصيرة وسهلة للغاية، وكانت الرقم 100، لم يكن بالإذاعة "موظفين"، أو "مذيعين"، فقط أغانى ولا شىء آخر، تبدأ الإذاعة بثها عصرا بـ "أم كلثوم"، ثم عبد الوهاب، ثم فريد الأطرش، ثم نجاة الصغيرة، ثم عبد الحليم حافظ، ثم شادية أو فايزة أحمد، وأخيرا تختتم بحفلة من حفلات أم كلثوم.
ولم يكن هناك أجمل من هذه الأصوات لكى يتابع المصريون، لذلك أصبحت تلك الإذاعة هى القبلة الأولى للجمهور، لكن لم يعرف أحد أبدا أين مقر هذه الإذاعة، فهى لم تكن فى مبنى الإذاعة المصرية القديم فى شارع الألفى، أو حتى فى مبناها الجديد فى ماسبيرو، بل إن عددا قليلا للغاية من رجال الدولة كان على علم بموقع هذه الإذاعة.
وجاءت فكرة إذاعة أم كلثوم بعد العدوان الثلاثى، حين قصف الطيران البريطانى الإذاعة المصرية واستطاع أن يقطع الصلة المباشرة بين الرئيس والشعب، بعدها تم تدارك هذه الأمور، فتم عمل استوديو بديل للإذاعة فى أماكن أخرى.
ومن هنا كانت الفكرة، إذاعة سهلة التردد، محبوبة وشعبية فى جميع البيوت والمقاهى، وفى حالة الطوارئ يتوجه منها الرئيس إلى الشعب، من مكان سرى لا يمكن قصفه بالطائرات، أو الهجوم عليه، لأنه وببساطة لا أحد يعرف أين هى هذه الإذاعة.
وكانت هذه الإذاعة تبث من استديو فوق جبل المقطم، حيث كان ظاهرها هو إذاعة الأغانى، لكن الهدف الأول لها سياسى، وبمرور الوقت اختفت إذاعة أم كلثوم من خارطة المصريين ونسوها، ومنذ بداية عام 2002 حلت محلها إذاعة الأغانى ضمن شبكة الإذاعات المتخصصة.
ولم يضطر عبد الناصر، أو أى رئيس لاستخدام تلك الإذاعة فى أى أغراض معلنة، فلم تقصف الإذاعة المصرية فى أى من الحروب التى شهدتها مصر عقب العدوان الثلاثى، ثم ظهر بعد ذلك التليفزيون ليحل محل الإذاعة، وتلتهم كثيرا من حصتها.