”مات الولد” ... 20 عاما علي رحيل أيقونة الانتفاضة الفلسطينية محمد الدرة

محمد الدرة
محمد الدرة

مشهد مدته تتجاوز الدقيقة اعتصر قلوب كل مشاهدى العالم كلما رأوه ولا يمكن أن ينساه أي عربي .. طفل بعمر الثانية عشر عاما يختبيء في حضن والده خلف برميل اسمنتي في قطاع غزة بينما وقع الاثنان في مرمى نيران العدو الصهيوني التى لم تتوقف حتى بعد أن فاضت روح الصبي الطاهرة إلي بارئها .. أنه مشهد استشهاد الطفل محمد الدرة أيقونة الانتفاضة الفلسطينية.

وقعت حادثة قتل الصبي محمد الدرة في الثلاثين من سبتمبر عام 2000 في اليوم الثاني من انتفاضة الأقصى، وسط احتجاجات امتدت على نطاق واسع في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية.

ولأن الله تعالى أراد أن يفضح المحتل الصهيوني التقطت عدسة المصور الفرنسي شارل اندرلان المراسل بقناة فرنسا 2 مشهد احتماء جمال الدرة وولده محمد البالغ من العمر اثنتي عشرة عامًا، خلف برميل إسمنتي، بعد وقوعهما وسط محاولات تبادل إطلاق النار بين الجنود الإسرائيليين وقوات الأمن الفلسطينية. وعرضت هذه اللقطة التي استمرت لأكثر من دقيقة، مشهد احتماء الأب وابنه ببعضهما البعض، ونحيب الصبي، وإشارة الأب لمطلقي النيران بالتوقف، وسط إطلاق وابل من النار والغبار، وبعد ذلك ركود الصبي على ساقي أبيه ووالده يصرخ " مات الولد ".

وبعد تسع وخمسين ثانية من البث المبدئي للمشهد في فرنسا بتعليق صوتي من رئيس مكتب قناة فرنسا 2 بإسرائيل ، شارل إندرلان، الذي لم يشاهد الحادث بنفسه، ولكنه اطلع على كافة المعلومات المتعلقة به، من المصور عبر الهاتف، أخبر إندرلان المشاهدين أن محمد الدرة ووالده كانا "هدف القوات الإسرائلية من إطلاق النيران"، وأن الطفل قد قتل.

وبعد التشييع في جنازة شعبية تخلع القلوب، مجّد العالم العربي والإسلامي محمد الدرة باعتباره شهيدًا.

في بادئ الأمر، أعلنت الاحتلال الإسرائيلي تحمّلها المسؤولية، كما أبدت إسرائيل في البداية، أسفها لمقتل الصبي، ولكنها تراجعت عن ذلك، عندما أشارت التحريات إلى أن الجيش الإسرائيلي ربما لم يطلق النيران على الدرة، وعلى الأرجح أن الفتى قتل برصاص القوات الفلسطينية.

وذكر ثلاثة من كبار الصحفيين الفرنسيين الذين شاهدوا لقطات خام في عام 2004، أنه لم يتضح من اللقطات وحدها أن الصبي لقي حتفه، وأن قناة فرانس حذفت عدداً قليلاً من الثواني الأخيرة، والتي يظهر فيها الصبي وهو يرفع يده عن وجهه.

وفي عام 2005، صرّح رئيس تحرير غرفة الأخبار بالقناة أنه لا يمكن لأحد أن يحدد على وجه اليقين من الذي أطلق النيران، ولكن ذهب معلقون آخرون من بينهم مدير مكتب الصحافة الحكومي الإسرائيلي إلى القول أن المتظاهرين الفلسطينين قاموا بتنظيم هذا المشهد.

وبعد إجراءات قانونية مطولة، أُدين فيليب كارسنتي، المعلق الإعلامي الفرنسي، بالتشهير بقناة فرانس2، واتهامها بالتلاعب في مادة الفيلم.

حازت لقطة الصبي ووالده على ما أطلق عليه أحد الكتاب "قوة راية المعركة".

وطبقًا لما ذكره جيمس فالوز فإن "أقسى إصدار" للقضية من الجانب العربي هو أنه يثبت فرية الدم القديمة، في حين أن "أقسى إصدار" من الجانب الإسرائيلي هو أنه يثبت استعداد الفلسطينين للتضحية بأطفالهم عمدًا حتى ولو في حرب معادية للصهيونية.

وقد أدى هذا المشهد إلى سقوط قتلى آخرين. وأنحي باللائمة عليه في إعدام اثنين من جنود الاحتياط بالجيش الاسرائيلي في رام الله، في أكتوبر 2000، وظل سببًا محفورًا في خلفية العالم.

ويروى جمال الدرة والد محمد تفاصيل لحظة استشهاده قائلا "أذكر مشهد قنص محمد وكأنه حدث اليوم، فوقع استشهاد نجلي لم يكن قاسيًا عليّ كوالده أو على أسرته فحسب، إنما شكل قنص طفل ضعيف بأربع رصاصات، رغم اختباءه خلف ذراعي والده الأعزل أثر كبير على وعلى الأمة العربية والإسلامية بل والعالم، وفتحت دماءه ومشهد قتله الموثق عبر مصور لـ«فرانس 2» عينّي العالم على حقيقة الجرائم التي يرتكبها الاحتلال بحق شعبنا رجالًا ونساءًا وأطفالًا؛ شاهد العالم كيف توسلتْ إلى جنود الاحتلال ليتوقفوا عن إطلاق النار نحونا؛ إذ كانت الواقعة بمثابة نموذجًا حي يظهر المئات والآلاف من الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني بدم بارد وبشكل يومي.

هدف الاحتلال إلى قتلنا معًا، وحاولت افتداءه قدر إمكاني، حتى أن رصاصات الاحتلال مرت على جسدي، قبل أن تنفذ إلى ابني، لكن دم الدرة أبى الرحيل إلا وقد شكل وعي الملايين حول العالم فالرصاصة النافذة إلى صدر ابني نفذت أيضًا إلى قلوب الملايين، وكشفت للغرب جرائم الاحتلال الصهيوني الذي ارتكب العديد من المجازر في حق شعبنا الفلسطيني ولا يزال يرتكب المجازر في حق أمتنا العربية بشكل مباشر أو غير مباشر، ولا ننسى مجزرة بحر البقر في مصر التي تم تغطيتها بدعم دولي.

تم نسخ الرابط