إبراهيم ناجي.. شاعر قصيدة «الأطلال» الذي توفى كمداً بسبب الضباط الأحرار.. ولهذا السبب أُدرج اسمه ضمن قوائم ”التطهير”

إبراهيم ناجي
إبراهيم ناجي

رغم أنه أحد أهم رموز الغناء المصري في عصره الذهبي، إلا أن الشاعر إبراهيم ناجي عاش مآسٍ وأوجاع كثيرة انتهت بوفاته كمداً بسبب ما تعرض له على يد ضباط ثورة يوليو، وإدراج اسمه في قوائم التطهير دون مبرر.

وُلد إبراهيم ناجي في 31 ديسمبر عام 1898 بمنطقة شبرا في القاهرة، وكان ترتيبه الثاني بين سبعة أشقاء، وكان والده متديناً ويمتلك في بيته مكتبة ضخمة تضم آلافاً من الكتب المتنوعة.

بدأ ناجي حياته التعليمية في مدرسة باب الشعرية الابتدائية ثم التوفيقية الثانوية، التي أتم الدراسة فيها في عام 1911.

التحق بمدرسة الطب في القصر العيني عام 1922، وتم تعيينه طبيباً حكومياً في وزارة المواصلات في السكة الحديد ثم وزارة الصحة ثم الأوقاف، ولاعتلال صحته خرج إلى المعاش مبكراً وتفرغ لعيادته الخاصة، وكان قد بدأ حياته الشعرية حوالي 1926، عندما بدأ يترجم بعض أشعار ألفريد دي موسييه وتوماس مور ونشرها في السياسة الأسبوعية .

وحينما أصدر ديوانه الأول هاجمه العقاد و طه حسين، ووصف طه حسين شعره بأنه شعر صالونات ، وأصيب بالسكر ثم سافر إلى لندن للعلاج، وهناك صدمته سيارة عابرة فنقل إلى مستشفى «سان جورج» وعاد من هناك وهو يعبر عن حالته ببيت من الشعر يقول: «خرجت من الديار أجر همي… وعدت إلى الديار أجر ساقي».

الضباط الأحرار

كان إبراهيم ناجي يتمنى أن تقوم أم كلثوم بأغنية «الأطلال» لكي تنقذه بحكم صلاتها بالضباط الأحرار من السمعة التي طالته جراء قرار عجيب سببه «الجهل» وليس له نظيراً في التاريخ.

يحكي الشاعر وديع فلسطين هذه المسألة في حوار له حيث قال «كان إبراهيم ناجي يقصد فيلا أم كلثوم في الزمالك موقناً أنها إن غنت له قصيدة عاطفية ستحل عنه الجهل الذي حل به، من جراء خلط الضباط الأحرار بينه وبين الشاعر محمود حسن إسماعيل، صاحب ديوان الملك قبل يوليو 1952م، ولا يعرف أعتى أديب وجه الشبه بين اسم الراحل محمود حسن إسماعيل وإبراهيم ناجي، ولا حتى مؤرخ فضلاً عن عاقل».

وأصدر الضباط الأحرار قائمة التطهير الأولى متضمنة أسماء محمد فتحي بك، مدير الإذاعة (والمعروف بالكروان)، وعلي بك خليل، وكيل الإذاعة، والشاعر صالح جودت أحد أركان الإذاعة، ثم الشاعر إبراهيم ناجي.

وترتب على قائمة التطهير أن فُصِلَ ناجي من عمله كمدير للإدارة الطبية بوزارة الأوقاف وأصبح – في عرف الدولة - شخصاً يستحق التطهير، هذا مع أن «ناجي» لم تكن له أي اهتمامات سياسية ولا كان من أركان الإذاعة وهو ظلم لحق بالشاعر دون أن يعرف له أية حيثيات.

الملاهي الليلية

ويوصل وديع فلسطين كلامه قائلاً «كان ناجي يدور في شوارع القاهرة عقب القرار باكياً عاتباً على المجهول، إذ كان يخشى القتل أو الاعتقال إن نطق إلى غير الذين يثق فيهم، بعد أن تم طرده من منزله، وتوالت الأمراض عليه، وعرف الجوع مع مرض السكري، القديم لديه، مع الهزال الشديد، وتوالت الأمراض عليه، وصار مطمعاً لراقصات الطبقة الثالثة ومَنْ ورائهن، يزورهن في الملاهي الليلية، ويكتب فيهن القصائد لمجرد أن تمنحنه شيئاً من تعاطف، وهو الشاعر الكبير المجدد في حركة «أبوللو» الشعرية، لولا جهل الضباط الأحرار.

واختتم حديثه قائلاً «زارني إبراهيم ناجي في جريدة المقطم ثم انفجر باكيًا كالطفل، لا على وظيفة ضاعت منه، بل على وصمه بأنه أهل للتطهير، وإيراد اسمه في أول قائمة المُطهَّرين، وظل يجهش بالبكاء وأنا أواسيه إلى أن انصرف».

كنت بعد انصرافه أتوقع قراءة نعيه في الصحف كل يوم، لأن حالته النفسية كانت في الحضيض، وقدرته على المقاومة قليلة بسبب هزاله المفرط، ولم يطل انتظاري إذ قرأت نعيه في الخامس والعشرين من مارس 1953 فبكيته كالطفل، وقلت للمعزين ونحن نتبادل العزاء: «لقد مات ناجي لا اليوم بل في التطهير!»

ولم يكن يدري أحد ممن تبقى من الضباط الأحرار في السلطة سنة 1965 أنه يستمع لأغنية «الأطلال» بصوت أم كلثوم ، والتي كتبها من مات بسببهم قبل 12 سنة.

وقد دُفن إبراهيم ناجي بجوار جده لأمه الشيخ عبدالله الشرقاوي شيخ الأزهر.

تم نسخ الرابط