«الأزهر»: المُشاركة في إشاعة الفاحشة جريمة تهدد المُجتمع

الازهر الشريف
الازهر الشريف

المُشاركة في إشاعة الفاحشة جريمة تهدد المُجتمع

أكد مرصد الازهر للفتاوى الإلكترونية أن الشرع الحنيف جاء لحفظ الفرد والمجتمع على السواء، فأمرنا بما فيه صلاحُنا، ونهانا عما فيه شرٌّ لنا أو ضرر.

قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}. [النحل: 90]

قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: هَذِهِ أَجْمَعُ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ لِخَيْرٍ يُمْتَثَلُ، وَلِشَرٍّ يُجْتَنَبُ. [تفسير القرطبي (10/ 165)]

وأشار الي أن نواهي الشرع الحنيف ليست تضييقًا على الفرد أو المجتمع، وإنما جاءت لحفظهما وصيانتهما.

وأوضح أنه لم يكتف الشرع بالنَّهي عن الفواحش والمنكرات وحسب، بل نهى عن إشاعتها في المجتمع أو حب إشاعتها؛ وذلك للقضاء على الفواحش وإماتتها؛ حتى لا تُهدِّد أمن المجتمع وسلامة أفراده، أو تكون سببًا في زوال منظومة القيم والأخلاق؛ قال الله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}. [النور: 19]

وقال سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُؤْذُوا عِبَادَ اللهِ، وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ، وَلَا تَطْلُبُوا عَوْرَاتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ طَلَبَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ طَلَبَ اللهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ فِي بَيْتِهِ». [أخرجه أحمد]

قال الإمام الطاهر بن عاشور: (فَإِذَا انْتَشَرَ بَيْنَ الْأُمَّةِ الْحَدِيثُ بِوُقُوعِ شَيْءٍ مِنَ الْفَوَاحِشِ تَذَكَّرَتْهَا الْخَوَاطِرُ وَخَفَّ وَقْعُ خَبَرِهَا عَلَى الْأَسْمَاعِ فَدَبَّ بِذَلِكَ إِلَى النُّفُوسِ التَّهَاوُنُ بِوُقُوعِهَا وَخِفَّةُ وَقْعِهَا عَلَى الْأَسْمَاعِ فَلَا تَلْبَثُ النُّفُوسُ الْخَبِيثَةُ أَنْ تُقْدِمَ عَلَى اقْتِرَافِهَا وَبِمِقْدَارِ تَكَرُّرِ وُقُوعِهَا وَتَكَرُّرِ الْحَدِيثِ عَنْهَا تَصِيرُ مُتَدَاوَلَةً). [التحرير والتنوير (18/ 185)]

وقد جاء الإسلام بالآداب الأخلاقية والإجراءات الوقائية للحد من شيوع الفواحش وذيوعها في المجتمع.

ونصح المسلمين بأن يكفُّوا عن الخوض في أعراض النَّاس؛ فإن ترديد كل ما يتحدث به الناس ليس من آداب المؤمن ولا من أخلاقه؛ بل الواجب عليه أن يكف لسانه عن التكلم في أعراض الناس، وأن يُمِيت الفاحشة بالسكوت عنها، قال تعالى:
{وَلَوْلَآ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَٰذَا سُبْحَٰنَكَ هَٰذَا بُهْتَٰنٌ عَظِيمٌ}. [النور: 16]

كما يجب على المسلم إذا سمع بأمر منكر أن يتعظ، وأن يسأل الله العافية، ويحمده على السلامة.

وزيادةً في الحفاظ على الأعراض باعتبارها من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية؛ شددت الشريعة في إثبات جرائم الشرف والعرض أيّما تشديد؛ فلا تثبت هذه الجرائم بمجرد الشك، أو الظن بل لا بد من بينة واضحة، قال تعالى: {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ}. [النور: 13]

وبيَّن القرآن أن الشهادة لا تقبل إلّا من أربعة من الرجال؛ زيادة في الستر وحفظًا للعرض، قال تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ}. [النور: 15]

فوق ذلك كلِّه أمر الإسلام بالستر ودعا الناس أن يتحلَّوا بهذا الخلق لكي يحفظ الإنسان نفسه وعرضه فلا يفضح نفسه، ولا يفضح من حوله، وحثَّ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الستر فقال: «وَمَن سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللَّهُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ». [متفق عليه]

كل ذلك للمحافظة على أمن واستقرار المجتمع وسمعة الأفراد والأُسر؛ إذ هو من مقاصد الشريعة، إضافة لما يترتب على ذلك من الحد من انتشار الفواحش والمنكرات؛ ولتهيئة بيئة أخلاق كريمة يحيا فيها الناس حياة كريمة.

تم نسخ الرابط