قصة سرقة خزينة عبدالناصر بعد وفاته.. ولهذه الأسباب اُتهم السادات بسرقتها.. وهذا ما انتهت إليه القضية
في مايو عام 1971، كان المصريون على موعد مع خبر صادم، تمثل في سرقة محتويات خزينة الرئيس جمال عبدالناصر بعد وفاته، ما أثار جدلاً حول المحتويات التي سُرقت ومن الذي سرق وما هي مصلحته في ذلك؟.
فى خطابه أمام مجلس الأمة يوم 20 مايو 1971، فجّر الرئيس أنور السادات القصة، وفي اليوم التالي، خرجت جريدة الأهرام بعناوين مثيرة، أبرزها: «وقائع خطيرة عن الخزينة الخاصة بالقائد الخالد جمال عبدالناصر، يذيع السادات أسرارها لأول مرة.. الخزينة فتحت سرا وسرقت منها أوراق خاصة بالمخالفات فى انتخابات الاتحاد الاشتراكى»، وجاءت هذه العناوين من واقع خطاب السادات فى مجلس الأمة يوم 20 مايو، كما نشرت الأهرام تفاصيل مثيرة، فيما أسمته بـ«الوقائع الكاملة لسرقة خزينة جمال عبدالناصر».
فجر «السادات» القصة، بعد أن حسم صراعه مع من أسماهم بـ«مراكز القوى»، وأصبحوا جميعا فى السجون، وكان من بينهم الرجل الذى اتهمه السادات فى هذه القضية، وهو سامى شرف مدير مكتب جمال عبدالناصر، وبالتالى كان محروما من الرد، وعزفت الصحف المصرية فى تناولها للواقعة على نغمة واحدة هى «نغمة السادات»، وفقا لتأكيد عبدالله إمام فى كتابه «انقلاب السادات- أحداث مايو 1971»، مؤكدا أن الحديث عن هذه القضية استمر طويلا من طرف واحد، ومن وجهة نظر واحدة هى وجهة نظر السادات.
ويؤكد «إمام» أن النائب العام «على نورالدين على» حفظ التحقيق فيها لعدم ثبوت وجود جريمة، ويضيف: «كان يمكن أن ينتهى الأمر عند هذا الحد، ولكن السادات عاد عقب أحداث مايو 1971 لتفجيرها بشكل مختلف، رغم أن مذكرة بنتيجة التحقيق أرسلت إليه، ومعها نسخة كاملة من التحقيق تضم جميع الأقوال، والمعاينات التى انتهت إلى «لا شىء»، ولكنه كان يسعى لتفجير كل القضايا فى بداية حملة لتشويه سمعة المجموعة التى اختلفت معه و«استقالت» وحدد إقامتها.
محتويات الخزينة
اشتملت مذكرة تحقيق النائب العام، كما قال هو بنفسه لـ«إمام»، على الأشياء الموجودة فى الخزينة، أثناء فتحها فى وجود السادات وسامى شرف ومحمد أحمد وأسرة عبدالناصر، وهى كمية من أسطوانات لأغانى أم كلثوم، وبعض خطب الرئيس، واجتماعات فى مناسبات مختلفة وبعض الأوراق والملفات، وأموال لا تتعدى بضعة آلاف تقل عن الخمسة وهى من أموال التبرعات التى كانت تصل عبدالناصر، وتم ضمها إلى عهدة الدولة.
أما عن إجراءات التحقيق، فقال النائب العام: إنه ندب خبراء من المعمل الجنائى، ومن إدارة تحقيق الشخصية لرفع البصمات، وحضر خبير يونانى فى فتح الخزائن، وتبين من خلال التحقيق «أنه لم يوجد بالخزنة آثار تشير إلى فتحها، وسئلت هدى عبدالناصر، وخالد عبدالناصر، ومحمد أحمد، وسامى شرف وجميع رجال الحرس، ويؤكد النائب العام: «أخيرا لم يقم لدينا دليل على فتحها ولا الغرض منه».
ويعيد النائب العام سبب اعتقاد هدى وخالد بفتح الخزينة إلى أن الإضاءة كانت خافتة عند فتحها لأول مرة بحضور الجميع، وكانت هذه المرة هى الأولى التى يريان فيها هذه الخزينة مفتوحة، ونظرا لظروفهما النفسية، وهما يفتحان خزينة والدهما لأول مرة بعد مرور أربعين يوما على وفاته، فلا يستقيم مع هذا أن نحكم على أنهما تمكنا من التدقيق فى وضع الأوراق على ثلاثة أرفف من الخزينة، وأى اتهام لا يقوم على الظنون.
اتهام السادات
غير أن هناك من يرى أن السادات نفسه وراء فتح الخزينة وسرقة أوراق منها، وممن يتبنون هذا الرأى محمد عبدالسلام الزيات، أبرز الذين وقفوا إلى جانب السادات فى قضية «15 مايو»، وأصبح وزيرا بعدها ثم اختلف معه، ويقول لعبدالله إمام: «الخزينة كان بها قرار تعيين عبداللطيف البغدادى نائبا لرئيس الجمهورية مكان أنور السادات، وهو الذى تمت سرقته»، وقال البغدادى نفسه: «إنه سمع هذا الرأى من أحد أشقاء جمال عبدالناصر ومن أشخاص آخرين، ولا يستبعد ذلك».
غير أن «إمام» لا يعتقد فى صحة هذا الكلام، مشيرا إلى أن قرارا مثل هذا سيكون معروفا لمكتب عبدالناصر على الأقل للذين كتبوه، والذين صاغوه وأعدوه، وهؤلاء جميعا أكدوا أن قرارا بهذا الشكل لم يكتب، وقال حسن التهامى: «إن السادات تفاوض بطريقته الخاصة مع الذى بحوزته المستندات المسروقة من الخزينة».
اللافت أنه بعد أن أثار السادات الموضوع علنا فى مجلس الأمة، أعيد التحقيق فيه من النائب العام الجديد المستشار محمد ماهر حسن، ولم يصل أيضا إلى شىء.