مشهد المنشورات آثار قلق السلطات ..العمل فضح فساد إسماعيل صدقي باشا والاحتلال الإنجليزي.. اعرف حكاية فيلم ”القاهرة ٣٠”
علي مر العصور أحتفظت السينما المصرية بالكثير من الأفلام التي خُلدت في ذاكرة الجمهور لسنوات طويلة لكن هناك بعض من الأعمال كان لها طابع خاص وبات يردد البعض العبارات التي تضمنتها بعض المشاهد، ومن أبرز الأعمال التي لا تُنسى فيلم "القاهرة ٣٠" الذي عرض في السينمات عام ١٩٦٦، ورغم مرور كل هذا الوقت إلا أن خصائصه المختلفة صنفته في المركز الثامن عشر ضمن قائمة أفضل مئة فيلم فى تاريخ السينما المصرية.
حيث تدور أحداث الفيلم حول "محجوب عبد الدايم"، وجسد شخصيته الفنان حمدي أحمد، فهو شاب فقير وافد من الصعيد، فيتعرف على ابن قريته "سالم اﻹخشيدي" الذي يطلب منه أن يساعده على الحصول على وظيفة، فلا يعرض عليه فقط وظيفة جيدة في الوزارة التي يعمل فيها سالم، بل يعرض عليه كذلك أن يتزوج من سعاد حسني، عشيقة أحمد مظهر، على أن يزورها قاسم بك مرة واحدة كل أسبوع.
مأخوذ فيلم "القاهرة ٣٠" عن رواية "القاهرة الجديدة" للأديب العالمي نجيب محفوظ، وهي الرواية التي مثلت صفعة قوية للمجتمع، حيث حولها صلاح أبو سيف لسيناريو بعد نشرها بحوالي ١٨ عامًا، وهنا أكتشف الجميع أن تفاعلات وشخصيات نجيب محفوظ مستمرة لعصور عديدة وصالحة للتقديم.
حيث قرر أبو سيف تغير أسم الرواية من "فضيحة في الزمالك" إلى "فضيحة في القاهرة" إلى "القاهرة الجديدة" ليتم الإستقرار على "القاهرة ٣٠"، وهذا مقبول دراميًا لكن حذف بعض الشخصيات من شخصيات الرواية في الفيلم جاء بخلل في التوازن الدرامي بين الشخصيات.
كما رشح المخرج صلاح أبو سيف، الفنان عبد المنعم إبراهيم، لدور البطولة ولكن بعد ذلك أسند الدور للفنان حمدي أحمد، وحضر أبوسيف، أحداث الفيلم في مطلع الثلاثينيات، لذلك أختار له الأسم "القاهرة ٣٠"، وهي فترة حكم إسماعيل صدقي باشا، التي ألغى فيها الدستور وألغى مجلس النواب وحكم مسنودًا من القصر والإحتلال الإنجليزي، ونكل بكل أطياف القوى الوطنية وأسلم البلد إلى حياة الرذيلة والفساد، وكان من الطبيعى أن تقوم ضده الثورات وتحاربه وتندد به.
ويعتبر المشهد الأخير للفيلم من أهم المشاهد في تاريخ السينما المصرية والذي ظهر خلاله المنشورات وهي تتطاير فوق الرؤوس في محطة مصر وهذا كان شيئًا واقعيًا وطبيعيًا جدًا لكي ينهي به المخرج الفيلم.
وقام صلاح أبو سيف بإعداد المنشورات وطبعها في مطبعة المعهد العالي للسينما، ونقلت إلى مكان التصوير لتنفيذ المشهد ولينهوا تصوير الفيلم، وفي إحدى الأيام تفاجئ المنتج جمال الليثى بإتصال تليفوني من وزير الثقافة وقتها سليمان حزين، يستدعيه إلى مكتبه على عجل، وما إن ذهب إليه وجلس أمامه حتى سأله بلهجة غريبة ووجهه ملىء باللهفة: "إيه حكاية المنشورات اللى بيقولوا إنك طبعتها ووزعتها فى باب الحديد".
ووقتها شرح له الليثي أن المنشورات التى يقصدها مطبوعة في معهد السينما، لكي يصورها صلاح أبوسيف في أحد مشاهد فيلم "القاهرة ٣٠"، وهو فيلم قطاع عام ومصرح به من الرقابة، وعبارات المنشور الذي يتحدث عنه مجازة من الرقابة وتتلائم مع أحداث القصة التي تجري أحداثها فى أوائل الثلاثينيات ولا علاقة لها بهذه الفترة، وعرض عليه أن يذهب معه لكي يرى المشهد فى ختام الفيلم.
وبالفعل قرر سليمان حزين أن يذهب معه ثم عادا إلى مكتب وزير الثقافة مرة أخرى ووجده يتصل برقم تليفون معين وسمعه يتحدث إلى رجل على الطرف الآخر لكي يشرح حكاية المنشورات وطبيعة وجودها فى فيلم "القاهرة ٣٠"، واستشف الأستاذ جمال الليثي من الحوار كما حكى في إحدي حواراته النادرة أن الرجل الذي كان على الطرف الآخر هو صلاح نصر، مدير المخابرات وقتها، وبعدما خرج الفيلم للنور لقي استحسان الجميع وحقق نجاح جماهيري كبير.