بيرم التونسي.. هكذا فضح الباذنجان والبامية النزوات الجنسية في قصر الأسرة الحاكمة.. ولهذا السبب نُفي الشاعر التونسي إلى فرنسا

بيرم التونسي
بيرم التونسي

كانت البامية والقرع والباذنجان أسباباً كافية لصب غضب الأسرة الحاكمة على الشاعر بيرم التونسي، ومن ثم نفيه إلى خارج البلاد، بعدما تجرأ وتطرق لموضوعات حساسة بأسرة الملك فؤاد الأول.

البداية كانت بشائعة قصر السلطان فؤاد، وكانت هذه الشائعة تقول إن ابنته فايقة من زوجته الأولي شويكار علي علاقة غير شريفة مع محافظ القاهرة حسين فخري، ولما نما الموضوع إلي علم والدها، طلب من المحافظ أن يتزوجها، لكنه رفض، فعرض الأمر علي أخيه محمود فخري باشا، وأغراه بتعيينه في منصب مرموق فوافق.

سرت الشائعة، وتناولها كل من وصلت إليه بطريقته الخاصة، وكان لـ«بيرم التونسي» طريقته في التعامل معها، حيث كتب حولها زجلاً بعنوان «القرع السلطاني» علي وزن أغنية كانت رائجة وقتئذ وهي «مرمر زماني/ يا زماني مرمر». قال «بيرم»: «البنت ماشية من زمان تتمخطر/ والغفلة زارعة في الديوان فرع أخضر/ تشوف حبيبها في الجاكتة الكاكي/ والستة خيل والقمشجي ملاكي».

وانتقلت الشائعات إلي «فؤاد» شخصياً بعد أن أصبح لقبه «الملك» بدلاً من «السلطان»، فبعد طلاقه لـ«شويكار» وزواجه من «نازلي»، قيل إنه لم يتزوجها إلا بعد علاقة غير شرعية، وأن الزواج تم بعد ضغوط عليه، ثم تعززت الشائعة بمولد ولي العهد «فاروق» بعد ستة شهور فقط من الزواج.

وكما تعامل «بيرم» مع الشائعة الأولي بقصيدة «القرع السلطاني»، كتب حول الشائعة الثانية قصيدة «القرع الملوكي» يقول فيها: «البامية في البستان تهز القرون/ وجنبها القرع الملوكي اللطيف/ والديدبان داير يلم الزبون/ صهين وقدم وامتثل يا خفيف/ نزل يلعلط تحت برج القمر/ ربك يبارك لك في عمر الغلام/ خسارة بس الشهر كان مش تمام».

فضائح سلطانية

جن جنون «فؤاد» الذي علم بما يكتبه «بيرم» الذي كان يعبر عن الأوضاع السياسية وعن حاكم البلاد. ويقول في مذكراته الصادرة بعنوان «المذكرات»: «كان علي رأس البلد فؤاد أخو توفيق الذي أدخل الإنجليز إلي مصر، وبدلاً من أن يكون راعياً للبلد مسئولاً عن رعيته لم يكن يهمه هو وعائلته سوي نهب خيرات البلد بالمشاركة مع الاستعمار، ولذا لا عجب أن وقف موقفا سلبياً من الحركة الوطنية».

ويضيف: «لو كان متجاوباً أدني تجاوب مع أماني أهل البلاد أو يهتم أدني اهتمام بمصلحتهم لقلنا إن الله غفور رحيم، ثم إن مقاومة الاستعمار – مادام ومثله من العملاء لهم كيان – شئ عديم الجدوى».

يضيف «بيرم» في مذكراته، أنه نشر الفضائح السلطانية في أزجال ساخرة: «سميتها قصائد البامية السلطاني والقرع الملوكي والباذنجان العروسي، وكان من يسألني عما أقصد بهذه الفضائح، أرد عليه قائلاً، إنها تقليد لنداء باعة الخضروات في الإسكندرية الذين كانوا يتفننون في النداء علي بضاعتهم بهذه العبارات».

التهمة الكبرى

ويضيف «بيرم»: «لم يخف قصدي عن الجميع وأرادت الحكومة أن تقدمني إلي محكمة الجنايات بالتهمة الكبرى وهي العيب والسب والقذف في عميد العائلة السلطانية»، ويتساءل: «إذا كانت القوانين القائمة عندئذ تحكم بالسجن الطويل علي مجرد نقد السلطان، فما بالنا بما يكون الحكم في هذه التهم وفي محاكم خاضعة للسلطنة؟».

استخدم «بيرم» قانون الامتيازات الأجنبية والذي يعطي الأجانب حق الاحتكام إلي محاكمهم الخاصة التي تطورت إلي «المحاكم المختلطة»، وبحكم أنه يحمل الجنسية التونسية استخدم هذا الحق، واستخدمه حسب قوله في «مهاجمة أعداء الله والناس، وتركز هجومي علي عميل الاستعمار الأول رأس العائلة الحاكمة».

حاولت السلطة بكل سبل الإغراءات وقف هذا «اللسان السليط» و«القلم الجارح» ولم تفلح. يقول «بيرم»: «دأبت كل يوم علي نشر فضيحة جديدة عن فؤاد وأنصاره، واتصل بي أذنابهم واعدين بالمناصب الكبيرة والخدمات الكثيرة، إذا أنا رجعت عن طريقي، ولكني رفضت أي شيء من متاع الدنيا علي حساب ضياع استقلال البلاد واستغلال الناس».

فشلت الإغراءات، وعجزت الحكومة عن وقف بيرم التونسي، فأصدرت أمراً إدارياً بإبعاده عن مصر في 25 أغسطس 1920 إلي فرنسا، التي رحلّته هي الأخرى إلي تونس ليبدأ ابن الـ27 عاماً رحلة المنفي الطويل.

تم نسخ الرابط