توجد بها ثروات قارون وكانت الملاذ الوحيد للملك فاروق وتسكنها الزواحف والذئاب والثعابين الحمراء ... بحيرة قارون بين الحقيقة والخرافات
بين الحقيقة والسراب، والأمل والألم، والحلم دون العمل، شهدت بحيرة قارون العجيبة، تردد الكثير من العصابات الباحثة عن فرصة للاستيلاء على ثروات قارون، أحد أثرياء قوم سيدنا موسى، عليه وعلى نبينا السلام، ظنا منهم بأن البحيرة نشأت فوق قصره المشيد الذى هبط به أسفل الأرض وهو العقاب الإلهى الذى وعده به المولى عز وجل، كما أبلغنا القرآن الكريم فى سورة القصص، قال تعالى : فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81)، إلا أن ما تحمله الحقائق تجعل الفشل والجهل يصيب أفراد هذه العصابات التى لا تعلم شيئا عن المكان، فالبحيرة لا علاقة لها بقصر قارون، أو الرواية التى نقلها لها القرآن الكريم، وتحدث عنها علماء الدين كنوع من العقاب، كما أن تسميتها ترجع إلى كثرة القرون، وهى من أقدم البحيرات الطبيعية وتحمل المياه العذبة، وكانت تبلغ مساحتها 230 كيلو متر مربع، وتتخطي حاجز الـ2500 كيلو متر مربع، حيث كانت جزء من بحيرة موريس القديمة، وأطلق على بحيرة قارون بالبحيرة الغريبة، فكان موقعها فى قلب الصحراء الغربية، ترتبط بنهر النيل من خلال "بحر يوسف"، الذى أنشأه الملك أمنمحات الثاني في القرن الـ19 قبل الميلاد، لتكون وظيفته الأساسية مد بحيرة قارون بمياه الفيضان.
وبحيرة قارون تقع شمال مدينة الفيوم، وكانت تخزن المياه لمدة ستة أشهر، وتقوم بمد الأراضي بالمياه مدة أخرى مماثلة، وتناثرت الروايات التى كشفت أن البحيرة تحتها قارون الثرى، الذى خسف الله به وبداره الأرض، وأن التسمية تعود لعصر الفراعنة وأطلق عليها «بارون» وحرفت إلى قارون، فيما أكد آخرون أن هذه الروايات لا علاقة لها بالبحيرة أو المكان نفسه، وأما الرواية التى أجمع عليها خبراء القطاع السياحى أن التسمية ترجع إلى أن البحيرة كانت مليئة بالخلجان والبروز وأطلق عليها الأهالى «قرون» مثل قرن أبو نعمة، وقرن المحاطب، وجزيرة القرن الذهبي، وعلى مدار الأيام تم تحريف الاسم إلى قارون.
والبحيرة انخفضت مساحتها بسبب الجفاف خلال السنوات الماضية، وهى من أعمق جهات منخفض الفيوم حيث تنخفض بنحو 45 متر تحت سطح البحر، ويبلغ متوسط عمقها 7.5 متر، وأعمق مناطقها نحو 14 متر، وكانت تغطى منطقة مدينة الفيوم.
وتشير المخطوطات التاريخية، فيما يخص البحيرة، إلى أنها كانت الملاذ الوحيد للملك فاروق، فكان يقضى معظم وقته داخلها، وبالتحديد فى منطقة اللسان التي أنشأها لصيد البط، وكانت له جلسات داخل قصر الأميرة فوزية الذي كان يطل على البحيرة التى كانت تتميز بامتلائها بالأسماك حتى امتدت إليها أيادي البشر وأصبحت طاردة للثروة السمكية .
وتشير المخطوطات إلى أنه على الرغم مما تحمله البحيرة من أصل نهري، إلا أنها موطن للأسماك البحرية، وهذه معجزة لم يستطع العلماء تفسيرها، ففي قاع البحيرة تنتشر الأسماك النيلية والبحرية، كما أن البحيرة تعد الملاذ الدافئ لعشرات الآلاف من أنواع الطيور الهاربة من شتاء أوروبا القارص، وعادة ما تتكاثر هذه الطيور على جزر المحمية، خاصة جزيرتي حمود والقرن الذهبي، ورغم أن جزيرة حمود لا تتعد الكيلومتر مربع، لكنها تعتبر من أهم الأماكن لتكاثر الطيور، حيث إن أرضها مرتفعة عن سطح الماء والأرض المحيطة بالبحيرة، وهو ما يحافظ على الطيور المهاجرة والمقيمة فيها، وقد تسبب ارتفاع منسوب المياه في البحيرة عام 1989، إلى غرق 4 آلاف طائر من طيور النورس.
وقيل أيضا أن هناك 30 نوعاً من الزواحف تسكن المنطقة، فيما يتواجد الثعالب الحمراء والذئاب، و16 نوعا من الجرذان، وفي الأماكن المظلمة تنتشر الخفافيش، في المناطق الأثرية والمعابد.
وترصد المخطوطات أهم الآثار بالمحمية التى تتميز بالآثار والرواسب المتحجرة، حيث يوجد أسفل جبل قطراني بالجزء الشمالي للبحيرة، حجر جيري يحتوي على رواسب حفرية ثديية ونباتية ترجع إلى 40 مليون سنة، أهمها هيكل حيوان الفيوم العجيب المسمي بـ"الأرسينوثيريوم"، وهو أحد الحيوانات التى انقرضت وكانت تعيش في شمال أفريقيا في أواخر عصر الإيوسين، وهو من الحيوانات الثديية ويشبه الخرتيت في الحجم، وأقدامه تشبه الفيل، ورأسه يشبه رأس الأرنب الصخري، تخرج من رأسه قرون ضخمة.
وعلي شواطئ البحيرة يوجد "قصر الصاغة" شمال المحمية، ويعود تاريخه إلى الدولة الفرعونية الوسطي، وهو عبارة عن معبد صغير يضم 7 مقصورات من الطوب الوردي، ودير "أبوليفه" الذي أنشئ في عصر الرهبنة، والذى يبعد حوالي 3 كيلومترات عن قصر الصاغة في بطن الجبل وفي منطقة مرتفعة بعيداً عن بطش الرومان، بالإضافة إلى معبد "ديمية السباع"، الذي يرجع للعصر الروماني، ومن العصر اليوناني توجد بالمحمية مدينة "بسكتنوبايوس" القديمة التي تضم مخلفات يونانية، والتي كانت تبدأ منها القوافل التجارية المتجهة للجنوب، ومعبد "قصر قارون"، الذي يعود إلى العصري اليوناني والروماني، والذي كان يستخدمه الكهنة لعبادة الإله "ديونيسيوس" إله الخمر والحب عند الرومان، والإله سوبك إله الخصوبة والبراعة العسكرية، وهو إله مصري قديم على شكل إنسان برأس تمساح، كما كان يستخدم لتخزين الغلال، وعلى الرغم من كل هذه الأشياء الجميلة التى تميز البحيرة إلا أن الصيد الجائر ومخلفات الصرف الصحي، وصرف الأراضي الزراعية المحملة بالمبيدات والكيماويات، كتبت النهايات المؤلمة للكائنات البحرية، لتفقد البحيرة أهم مميزاتها.