المفتي يدافع عن فتوي ”طهارة الكلب ” ..ويوجه رسالة نارية إلى المتطاولين

المفتي
المفتي

تعرض فضيلة المفتي الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية لهجوم عنيف من عصابات السوشيال ميديا بعد فتوي طهارة الكلب.. من جانبه رد المفتي في مقال خاص علي هذا الجدل.. ننسر نصه :
شهدت مواقع التواصل الاجتماعي جدلًا كبيرًا شابه بعض الانتقادات خلال الأيام الماضية حول معتمد الفتوى بطهارة الكلب وطهارة الملابس فى أثناء الصلاة إذا مسها لعابه، تقليدًا لرأي إمام دار الهجرة الإمام مالك رضي الله عنه.

ولا شك أن هذا الرأي ليس رأيًّا شخصيًّا، إنما هو اختيار إفتائي من بين آراء المدارس الفقهية التي تناولت هذه المسألة واختلفت في أحكامها.

ومن المتابعة لهذا الجدل الدائر حول هذا الاختيار الفقهي الذي لم يصادم القطعيات أو قولا مجمعًا عليه فقد لاحظت محاولات حثيثة من بعض الناس من خلال الطرح والتناول الأحادي الذي يرسخ ثقافة الجمود على الرأي الواحد، والتسفيه من الآخر وإطلاق الأحكام بتخطئة رأيه!

وهو مؤشر خطير يؤكد غياب القيم الحضارية لإدارة الخلاف مع الآخر بما يمثل عاملا معوقًا لأي تنمية وعمران، وتحديا واضحًا للأمن والاستقرار؛ وذلك لأنه قد بات من ثوابت الأمة الفكرية أن المذاهب الفقهية خاصة الأربعة (الحنفيَّة والمالكية والشافعية والحنابلة) تعتبر وجوهًا صحيحة للأدلة الشرعيَّة من الكتاب والسنة، فلم يختص مذهب منها بالصحة دون سواه، فكلهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ملتمسٌ، وفي ذلك يقول سيدنا عمر بن عبد العزيزرضي الله عنه: «ما أُحِبُّ أنَّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا؛ لأنه لو كان قولا واحدا كان الناس في ضيق، وإنهم أئمة يقتدى بهم ولو أخذ رجل بقول أحدهم كان في سعة».

وهو أمر اتفق مجموع الأمة على العمل به عبر القرون انطلاقًا مما جاءت به السنة النبوية المطهرة القولية والعملية والتقريرية والتي بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم من خلالها أن مهمة المجتهد الجامع لآلة الاجتهاد والعارف بالأدلة ووجوه القياس هو الاجتهاد في طلب الحق، وأن المقصود بالصواب هو صواب العمل الذي يصلح لتأسيس التصرفات عليه، لا صواب مضمون الحكم باعتبار ما عند الله تعالى؛ فإنه أمر عسير جدًّا، ومن ثَمَّ كان المجتهد المخطئ مأجورا على اجتهاده الذي هو عبادة مع وضع الإثم عنه، ومن ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر» (متفقٌ عليه).

كما انطلق العلماء من هذه المعانى القطعية فقرروا عدة قواعد علمية وقيمًا أخلاقية متنوعة للتعامل مع هذا الجانب المهم، والتي يأتي على رأسها: عدم الطعن في المخالف واحترامه وإنزاله منزلته اللائقة؛ فالمخالف خاصة في الخلاف السائغ ما هو إلا من أهل العلم الذين يمثلون حَمَلَةَ الشرع الشريف وخدامه وترجمان أحكامه.

ولذا قرروا أن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد، وأنه لا إنكار في المختلف فيه ، وهي قواعد ثابتة في وجدان الراسخين من علماء المدارس الفقهية على تنوع مشاربهم وشدة اختلافهم؛ وبهذا مثلت مظهرًا من مظاهر التعاون والتكامل الاجتهادي والأخوة في الدين منذ صدْر الأمة الأول، وقد اقتضت تلك القيمُ الحضارية الأدبَ مع المخالف، وعدم التقليل من قيمة اجتهاده، وإلى ذلك يشير الإمام القرافي المالكي أن: العالم المتقن لا يُجَرِّح بأمرٍ مختلفٍ فيه.. وأنه ما من مذهب إلَّا وفيه أمور ينكرها أهل المذاهب الأخرى، ولا سبيل إلى جعل الآخر فاسقا بذلك، وإلا لَفَسَّقَتْ كلُّ طائفةٍ الطائفةَ الأخرى، فتفسق جميع الأمة، وهو خلاف الإجماع ... والمقرر أن كلّ من قلد تقليدًا صحيحًا فهو مطيعٌ لأمر الله تعالى، وإن كان غيره من المذاهب يخالفه في ذلك.

وبذلك تظهر خطورة حصر المسائل الخلافية في قول واحد فقط، فضلا عن تخطئة المخالف والإنكار عليه في مواطن الاجتهاد من الأدلة الظنية، وقد اقتضت إرادة الله تعالى هذا الاختلاف تيسيرًا على المكلفين ومناسبة لأحوالهم، ومرونة للشريعة الإسلامية، مما يجعلها صالحة لكل زمان ومكان، مع استيعاب المستجدات والنوازل.

تم نسخ الرابط