اعترف باستجابته لكثير من الإغراءات.. حكايات يوسف وهبي مع ترابيزة القمار ومغامراته مع الجنس اللطيف
لعب الفنان يوسف وهبي دوراً بارزاً في تاريخ المسرح المصري، حيث وضع أسسه وركائزه، وبالتوازي مع ذلك كانت له إسهاماته التي لا يمكن تجاهلها في السينما.
ومرت حياة «رائد المسرح العربي» بمنعطفات حياتية غريبة شكلت شخصياته، ويكفي الإشارة إلى أنه انقلب على عائلته وضحى بها من أجل الفن.
ولد يوسف وهبي في 14 يونيو عام 1898 بمحافظة الفيوم لأسرة أرستقراطية ثرية، وكان الابن الأصغر حيث سبقه خمسة أخوة ذكور هم عباس وعثمان ومحمد ومحمود وإسماعيل، وأخذ اسمه من نهر شهير في محافظة الفيوم اسمه «بحر يوسف».
أما الأب فهو عبدالله باشا وهبي، وكان يعمل كبيراً لمهندسي الري في صعيد مصر، والأم هي شفيقة هانم فهمي ابنة على باشا فهمي.
غضب العائلة
بحكم طبيعة عمل الأب انتقلت الأسرة إلى سوهاج، ثم إلى القاهرة، وهناك تعرف يوسف وهبي على صديقه محمد كريم الذي كان مغرماً بالسينما ومعه عرف مشاهدة الأفلام الصامتة حينها.
كبر يوسف وزاد تعلقه بالفن، وأثناء مشاهدته لعروض الفرق المسرحية في شارع عماد الدين تعرف يوسف على عدد من الفنانين الشباب وقتها أمثال حسن فايق وسليمان تجيب ومحمد توفيق وبدأ يكتب ويلحن الاستكشات الاستعراضية التي تُقدم في بعض عروض حفلات السمر، والتحق بعدها بفرقة أنصار التمثيل وشارك في بعض عروضها، ثم تعرف على الممثل محمد عبدالقدوس زوج السيدة روزا اليوسف الممثلة المشهور في ذلك الوقت بفرقة عزيز عيد الذي ضمه إلى فرقته، وقدم معها أولى مسرحياته بشكل احترافي وهي مسرحية «جنجل وبوبو».
من هذا التاريخ بدأ يوسف يشق طريقه في عالم الفن والتمثيل وهو سعيد بانتمائه إلى العالم الذي يحبه، لكن السعادة لم تكتمل، فسرعان ما عرفت عائلته بما يفعله فقد كانت كل مشاركته الفنية سراً وبعيداً عن أعين الأسرة. فما كان من الأب الأرستقراطي إلا أن أرسله إلى مدرسة الزراعة (كلية الزراعة الآن) بمدينة مشتهر البعيدة عن القاهرة حتى يبعد ابنه عن الفن لأن ذلك كان بمثابة عار على الأسرة العريقة.
غير أن يوسف لم يتسق مع دراسته بعيداً عن الفن، فتركها وعاد إلى القاهرة ومارس نشاطه الفني كممثل وكاتب لمنولوجات وملحن لاستعراضات الفرق المسرحية والحفلات الغنائية، وما إن علم الأب بهذه الخطوة حتى طرده من المنزل، فعانى يوسف من التشرد والإفلاس المستمر، ما جعله يفكر بجدية في السفر لأوروبا لدراسة الفن بعيداً عن القاهرة التي بها كل المعاناة.
ميلانو وتعلم الإيطالية
بصعوبة بالغة دبرّ يوسف نفقات السفر إلى إيطاليا، وهناك في ميلانو تمكن من الالتحاق بمعهد «فيلودراماتيكا – ميلاو» الذي تخرج منه فطاحل وأساطيل التمثيل في إيطاليا، وبجانب الدراسة شارك بأدوار صغيرة في بعض العروض المسرحية والأفلام السينمائية بعد أن تعلم الإيطالية، وأطلق على نفسه اسماً فنياً هو «رمسيس»، وكان اسماً جذاباً للأجانب الذين يعشقون كل ما هو فرعوني وفتح عليه هذا أبواب عديدة للمشاركة أكثر في أعمال مسرحية وسينمائية إيطالية.
بعد 3 سنوات عاد إلى مصر وكان والده قد توفى حزناً عليه لكنه ترك له ميراثاً كبيراً (يوازي 12 ألف جنيه ذهبي)، فقرر يوسف انه سيخصص ما ورثه لإحياء حركة مسرحية وفنية متطورة تواجه المسرح الهزلي الذي كان سائداً وقتها.
وبالفعل انشأ فرقة «رمسيس» التي كانت في مقدمة الفرق المسرحية التي تقدم مسرحاً راقياً يعتمد على نصوص جادة وتقنيات فنية متطورة، وضم إليها نخبة من نجوم التمثيل في ذلك الوقت أمثال حسين رياض وزينب صدقي وروزاليوسف وأحمد علام وبعدهم أمينة رزق وأسند الإدارة الفنية للمخرج عزيز عيد.
افتتحت الفرقة عروضها عام 1923 بمسرحية «المجنون» وكانت من تأليف يوسف وهبي وإخراج عزيز عيد، وبعدها توالت مسرحيات الفرقة التي جذبت كل الراغبين في مسرح فني راق. كما توالت مسرحيات يوسف وهبي نفسه حتى بلغت 250 مسرحية طيلة مشواره الفني.
البداية الحقيقية
في عام 1930 أنتج يوسف وهبي فيلم «زينب» الذي يحمل رقم «9» في تاريخ السينما المصرية ورغم ذلك يعده المؤرخون البداية الحقيقية للسينما المصرية، فقد كان فيلماً مصرياً خالصاً إنتاجاً وإخراجاً وتمثيلاً وتصويراً.
لم يمر وقت طويل على عرض «زينب» الذي حقق نجاحاً جماهيرياً كبيراً حتى أقدم يوسف على إنتاج أول فيلم مصري ناطق هو «ابن الذوات» وكان من تأليف وإنتاج وتمثيل يوسف وهبي وإخراج محمد كريم، وشارك في بطولته أمينة رزق ودولت أبيض وسراج منير، وعرض الفيلم في 14 مارس عام 1932.
بعد النجاح المدوي لـ«ابن الذوات» لم يكتف يوسف بالتمثيل والتأليف والإنتاج فحسب بل دخل على مجال الإخراج وكان فيلم «الدفاع» عام 1935 هو أول أفلامه كمخرج سينمائي ثم توالت أفلامه التي قدمها ممثلاً ومنتجاً ومؤلفاً ومخرجاً وتجاوزت 90 فيلماً منها «حبيب الروح» و«سفير جهنم» و«جوهرة» و«ميرامار» و«حكايتي مع الزمان» و«الرداء الأبيض» و«إسكندرية ليه».
القمار والمخدرات
اعترف يوسف وهبي في مذكراته، التي نشرت في عام 1937، بعنوان «عشت ألف عام.. مذكرات عميد المسرح المصري»، قائلاً: «مغامرات مع الجنس اللطيف تفوق حد الخيال، راغبات في خلق علاقات مع ذوي الشهرة، وفضوليات متعطشات للتذوق والتجربة، فراشات تغريها الأضواء يتساقطن في أتون النار، لكنني كثيراً كنت ضحية للمغريات».
وذكر «أنا لا أدعي أنني كنت قديسًا أو راهبًا في محراب، أو متصوِّفًا، أو معصومًا من الخطأ والشهوات، لكنني - كغيري أيام الشباب والفتوة - كنت أستجيب أحياناً للإغراء والجمال في شيء من النهم. لكنني لم أشرب الخمر ولم أتعاطَ المخدِّرات، ولم أرتكب موبقات سوى حبي السابق للقمار، الذي سلبني عشرات الألوف».
وكان معروفاً عن يوسف وهبي حبه الشديد للقمار وقتها، فلم يكن يمل من لعب القمار وسباقات الخيل والكلاب، حتى خسر أمواله.
وقد تزوج يوسف وهبي ثلاث مرات، الأولى كانت أثناء دراسته للفن في إيطاليا وكان من مغنية الأوبرا الأمريكية «لويز لند» زميلته في المعهد والتي أصبحت مغنية كبيرة بعد ذلك. والثانية كانت من الأرستقراطية الثرية عائشة فهمي بعد عودته من إيطاليا وبزوغ نجمه كفنان كبير، أما الثالثة فكانت من هانم منصور واستمر زواجه بها 40 عاماً.