عبود باشا ... قصة إمبراطور السكر الذى بدأ رحلة المليون من حمام شعبى وهرب خوفا من التأميم

عبود باشا
عبود باشا

أحمد عبود باشا .. اسم له تاريخ فى الاقتصاد والسياسة، فلا ينكر أحد أنه كان صاحب بصمة لا تتكرر فى المجال الاقتصادى، حيث أصبح بعد سنوات من امتهان التجارة أن يكون صاحب أكبر أسطول صناعى ومن أكبر الأثرياء فى مصر، كان له من الجبروت والقوة ما مكنه من إجبار حكومات على الرحيل ومغادرة مناصبها، وكان لصانع النهضة الحقيقية فى مصر طلعت حرب نصيبا أن يجبره عبود باشا على الاستقالة من بنك مصر، أنفق من أمواله على النادى الأهلى، وتولى رئاسته فترة قيل إنها كانت من أهم الفترات فى حياة النادى، وعلى الرغم من أنه كان لا يعرف الخسارة وكان معروف بقوته، إلا أنه أمام سلسال التأميم الذى شهدته مصر فى أعقاب ثورة 52 كان الهروب هو طريقه الأوحد لتفادى الأزمة التى من الممكن أن تقضى على أسطورته التى ظل يحلم بها، فأسرع بالهروب إلى أوروبا ونجح فى تحويل أمواله الموجودة داخل البنوك، وباع أسطول المراكب الذى كان يمتلكه فى الخارج، وواصل بناء الإمبراطورية التى كان يمتناها أثناء وجوده فى أوروبا.


أحمد عبود باشا .. أحد أعمدة الاقتصاد المصري في القرن العشرين، كان رجلا عصاميا بدأ الثراء من مرحلة الصفر، حيث تحول من مجرد شاب يملك أبوه حماماً شعبياً داخل حي باب الشعرية، إلى رجل أعمال لديه إمبراطورية كبرى تضم شركات تعمل فى مجال صناعة السكر والصناعات الكيميائية والورق والشحن والقطن تبلغ قيمتها ١٠٠ مليون دولار .

ولد أحمد عبود باشا، فى عام ١٨٨٩م ، وحصل على البكالوريا من مدرسة فاروق الأول، والتحق للعمل بحمام والده ليتمكن من الالتحاق بمدرسة المهندسخانة التى تخرج منها، ثم عمل بأجر شهري بلغ 5 جنيهات في "وابور تفتيش" الفرنسي "هنري جابرييل" بأرمنت في مدينة الأقصر، لكنه تعرض للفصل، وعاود العمل مع أحد مقاولي الطرق والكباري بفلسطين، وكانت له تعاملاته مع الجيش الإنجليزى، وهو ما جعل من عبود قريبا من قيادات إنجليزية، حيث قام بتوطيد علاقاته بهم، وجمعته علاقة طيبة بمدير الأشغال العسكرية للجيش الإنجليزي وانتهت العلاقة بزواج "عبود" وابنة الضابط الإنجليزي المهم ، قصة حب انتهت بالزواج ومن هنا كانت النقطة الفاصلة و الهامة فى حياة احمد عبود، ومنذ هذه اللحظة بدأت الحياة تضحك فى وجه عبود الذى قرر أن يستغل كل الظروف المحيطة به، فترك العمل لدى المقاول وبدأ فى تنفيذ مقاولات بنفسه من خلال والد زوجته الذى أسند إليه معظم أشغال الجيش الإنجليزي في فلسطين ومدن القناة، وتمكن من شراء الكثير من أسهم شركة "ثورنيكروفت" للنقل بالسيارات في القاهرة ، ثم شركة "بواخر البوستة الخديوية"، حتى ظهر اسمه عام 1935 في ذيل قائمة أغنياء مصر أيامها .


وكان لأرباحه التى جمعها من أسطول السفن، خلال الحرب العالمية الثانية، دورها فى أن تعينه على شراء معظم أسهم شركة السكر التى كان يملكها رجل أعمال بلجيكى، وبعد وفاته تولى ابنه الإدارة لكنه تم تجنيده فى الجيش الإنجليزي ومات فى إحدى المعارك فانفرد عبود باشا، بإدارة الشركة، وهنا أصبح من أغنى أغنياء مصر، حيث كان يمتلك معظم أسهم شركة الفنادق المصرية، بالإضافة إلى شركات الأسمدة في عتاقة والكراكات المصرية وغيرها من شركات الصناعات الكيميائية والتقطير والغزل والنسيج، فضلا عن تشييده لعمارة الإيموبيليا عام ١٩٣٩، وكانت أكبر عمارة فى القاهرة، وظلت حديث القاصى والدانى فى مصر، واشتملت على ١٣ طابقا وسكنها علية القوم وعدد من الفنانين منهم " نجيب الريحاني وليلى مراد وأنور وجدي بعد زواجهما وأسمهان وأحمد سالم بعد زواجهما أيضا وكاميليا وعبد العزيز محمود وكمال الشيخ وهنري بركات ومحمود المليجي وماجدة الصباحي وماجدة الخطيب ومحمد فوزي ومديحة يسري"، وحصل فى نفس العام على الباشوية وقدرت ثروته فى الثلاثينيات بما يزيد على ٣٠ مليون دولار .

وكان "عبود" عاشقا للنادي الأهلي وتبرع بمبلغ ٣ آلاف جنيه لإتمام إنشاء حمام السباحة به، وتولى رئاسته لمدة ١٥ عاما، في الفترة من هذا عام ١٩٤٦ حتى عام ١٩٦١، وكانت التزكية هى عنوانه فى الفوز برئاسة القلعة الحمراء، وقيل إن فترة رئاسته للنادى كانت من أزهى عصوره حيث حصل خلالها على ٩ بطولات متتالية للدوري من عام ١٩٤٧ وحتى ١٩٥٦، وقيل أيضا إنه كان ينفق على النادي من ماله الخاص رافضا أية إعانات حكومية، وهدم مدرج الدرجة الثالثة القديم وأنشأ المدرج الحالي، ثم بنقوده ونفوذه اقتطع جزء كبيرا من نادي الفروسية ليطل النادي على كورنيش النيل .


برز دور عبود باشا، السياسى، لحماية مصالحه الاقتصادية حيث انضم لحزب الوفد وكان آنذاك حزب الأغلبية، وكان لعبود باشا أثره البالغ فى إسقاط وزارات وتعيين أخرى، كما أجبر طلعت حرب مؤسس بنك مصر وأشهر أعلام النهضة المصرية على الاستقالة من بنك مصر في ٤١ سبتمبر ٩٣٩١، حيث اشترك عبود وفرغلي باشا ملك القطن في تنفيذ سياسة سحب ودائعهما من البنك بمعدل نصف مليون جنيه يومياً حتى بلغ السحب ثلاثة ملايين جنيه، فاضطر طلعت حرب للاستقالة حتى لا يهتز مركز البنك، وترك إدارته لحافظ عفيفي طبيب الأطفال، الذى كانت تجمعه صداقة للإنجليز.
وفى أعقاب ثورة يوليو ١٩٥٢، فوجئ عود باشا، بقرار فرض الحراسة على شركة السكر، فاضطر للهروب إلى أوروبا لإدارة أعماله بجزء من أموال تمكن من تهريبها فيما قبل، واتصل بالمسئولين عن أسطول البواخر التى يمتلكها والتي كانت بعرض البحر وأكد عليهم عدم العودة إلى مصر خوفاً من التأميم وحول أمواله إلى بنوك أوروبا وباع بواخره، وأصبحت لديه أصول سائلة تكفيه هو وابنته الوحيدة، وعاود ممارسة نشاطه التجاري في أوروبا، وحقق نجاحا كبيرا كتاجر ومستشار اقتصادي، حتى توفي في لندن ببريطانيا في مطلع يناير ١٩٦٤، بعد أزمة صحية فى القلب والكلى.

تم نسخ الرابط