أحمد كيرة.. المصري الذي تخصص في صناعة القنابل واغتيال الخونة وطلبه الإنجليز حيا أو ميتا
كان في نظر الإنجليز «مجرماً»، لكنه في أعين المصريين بطلاً وفدائياً، كان على استعداد أن يضحي بحياته من أجل استقلال بلاده، لذا قام باعمال بطولية كثيرة ضد قوات الاحتلال رغم أنه لم يأخذ حقه في كتب التاريخ.
هذا هو ملخص حياة أحمد كيرة الذي أصدرت المخابرات البريطانية بشانه نشرة مطبوعة إلى جميع فروعها فى العالم يوم 9 ديسمبر عام 1924، تطلب القبض عليه، حيث اعتبرته «مجرما».
ونصت النشرة: «مطلوب القبض عليه حيا أوميتا.. أحمد حسن عبد الحى كيرة، فى إستانبول أو فى أوروبا، كيميائى، كان طالبا فى مدرسة الطب فى مصر، متهم فى قضية قنبلة عبدالخالق ثروت باشا فى مصر، فر من القاهرة فى عام 1922، مكلف باغتيالات فى الخارج، خطير فى الاغتيالات السياسية، عمره 28 أو 29 سنة، العينان سوداوان، الرموش خفيفة، اللون أسمر، عريض الصدر، قصير القامة، آثار حرق على خده الأيمن، ذو شارب خفيف أسود».
ويذكر مصطفى أمين فى كتابه «الكتاب الممنوع- أسرار ثورة 1919» أن «كيرة» أحد أبطال الجهاز السرى لثورة 1919 الذى قاده عبدالرحمن فهمى باشا، لكن اتصاله بالأعمال السرية حدث قبل الثورة، حيث اشترك وهو طالب بمدرسة الطب فى مؤامرة إلقاء قنبلة على السلطان حسين كامل يوم 8 إبريل عام 1915.
ويروي الدكتور مصطفى الغريب محمد فى كتابه «السطان حسين كامل»: «نفذها شاب اسمه محمد خليل من المنصورة، ومن المتشيعين للحزب الوطنى بزعامة محمد فريد» ويؤكد، أن سبب هذه المحاولة كان لسخط المصريين على تنصيب الاحتلال الإنجليزى لحسين كامل حاكما يوم 19 ديسمبر 1914 بعد خلعه الخديو عباس حلمى الثانى.
وأُلقى القبض على محمد خليل، وسيق إلى قسم عابدين وهو يهتف بسقوط الاحتلال، والسلطان الذى نعته بالخيانة.
الجهاز السري
تم القبض على «كيرة» وأمضى ثمانية أشهر فى السجن، وفشل الإنجليز فى إثبات التهمة عليه، وأستأجر والده الشيخ عبدالحى كيرة «من تجار فارسكور» محاميا إنجليزيا دفع له ألفا وخمسمائة جنيه، وبرأته المحكمة، ونجا من الإعدام بأعجوبة»،
ويؤكد «أمين» أنه عندما قامت ثورة 1919، اتصل الدكتور أحمد ماهر والنقراشى به، وحسن كامل الشيشينى وعبدالحليم البيلى، وضموهم إلى الجهاز السرى للثورة، واشترك فى صنع القنبلة التى ألقاها الفدائي «عريان سعد» على يوسف وهبة باشا رئيس الوزراء فى 15 ديسمبر عام 1919، وفى صنع القنبلة التى ألقيت على إسماعيل سرى باشا وزير الأشغال والحربية فى 28 يناير سنة 1920، وفى صنع القنبلة التى ألقيت على حسين درويش باشا وزير الأوقاف فى 8 مايو سنة 1920، وفى صنع القنبلة التى ألقيت على توفيق نسيم باشا رئيس الوزراء فى 12 مايو سنة 1920.
صناعة القنابل
وينقل «أمين» فى «الكتاب الممنوع» عن مذكرات «محمد يوسف» عضو الجهاز السرى لثورة 1919: «تعرفت على، أحمد كيرة الطالب بمدرسة الطب فى عام 1919 بواسطة الدكتور محمد حلمى الجيار الذى كان طالبا بمدرسة الطب، وحسنى الشنتاوى الطالب بمدرسة الإلهامية الثانوية، وكان «كيرة» متوسط الطول، قمحى اللون، ومن الغريب أنه لم يكن يحضر أى اجتماع سياسى فى ثورة 1919، ولا يظهر فى المظاهرات، أو يشترك فى الإضرابات، بل كان يحدث أن يضرب جميع طلبة الطب، ويخرج هو على إجماعهم، ويبقى فى مدرسة الطب فى المعامل، وكان الأساتذة الإنجليز فى المدرسة يتصورون أن هذا الطالب المجتهد منكب على الدراسة، ولا يؤمن بالوطنية، بينما كان هو فى الواقع يبقى ليصنع هو وزميله محمد حلمى الجيار القنابل التى يستعملها الجهاز السرى للثورة».
كما ينقل «أمين»، من مذكرات «حسنى الشنتاوى» عضو الجهاز السرى للثورة وعضو إحدى خلاياه: «كان كيرة هو الذى يمدنا بالسلاح والقنابل ويأتى بها فى كميات كبيرة من جهة لا نعرفها، ولم نحاول الاستفسار عنها لأن تعليمات الجهاز تعتمد على السرية المطلقة.. وكان يبلغنا المعلومات السرية التى ترشدنا عن الأحداث القادمة قبل وقوعها، وعن المواعيد الدقيقة لخروج ودخول الأشخاص المطلوب إلقاء قنابل عليهم، وكان للجهاز أعضاء يعملون فى المراكز الحساسة بالدولة، وفى القيادة البريطانية وفى البوليس وفى كل مكان.. كان سريع الحركة، واسع الحيلة جدا، وعندما قبض علينا فى قضية عبدالرحمن فهمى، وأودعنا سجن الاستئناف، ووضعت علينا حراسة شديدة، فوجئنا بأن كيرة استطاع بطريقة عجيبة أن يدخل السجن ويبلغنا تعليمات الجهاز السرى، وينقل أخبارنا إليه».