بالتفاصيل... جريمة اغتيال ”رفعت المحجوب ” التى أثارت الشكوك حول الكبار بسبب الخصخصة
رفعت المحجوب .. اسم كان له صقله فى عالم السياسة والاقتصاد، دافع عن ثروات الوطن، واشتبك مع نظام الرئيس الراحل مبارك منذ بدأ التفكير فى خصخصة القطاع العام، جرأة المحجوب جعلته يفضح صفقات الوزراء بالأسماء فى جلسة برلمانية ملتهبة فى أحداثها وتنازل خلالها عن موقعه، وتحدى الحكومة وقتها بقوله "على جثتى لو تم بيع القطاع العام"، واحتفظ التليفزيون فى مكتبته بتفاصيل الجلسة، وكان معارضا قويا لبعض التحركات التى شهدتها حرب الخليج، ولم يدرك المحجوب أنه بذلك فتح على نفسه نيران جهنم التى لم تهدأ أو تصفو إلا بعدما قررت رفع اسمه من عالم الأحياء، حتى صار رحيله لغزا محيرا لكل المقربين وأفراد أسرته، بل وتم حرمان أفراد أسرته من حق حضور جلسات محاكمة المتهمين فى اغتيال رئيس مجلس الشعب الأسبق، فى 1990، ومنذ الفترة الماضية عاودت أسرة الشهيد المحجوب فتح ملف الرحيل المحير.
كانت العلاقة بين المحجوب، وعدد كبير من نظام مبارك، قد وصلت إلى عنق الزجاجة، لكنه كان لا يبالى، وظل مدافعا عن هموم الوطن والمواطن، ولم تردعه محاولات تكميم الأفواه التى بدأت بعدم إذاعة تفاصيل الجلسات النيابية التى دافع فيها عن ثروات الشعب، وهاجم كبار مسئولى النظام السابق، الذين عقدوا الصفقات للتخلص من القطاع العام، وعلى الرغم من أن المحجوب، كان عضوا بارزا فى الحزب الوطنى الحاكم، وعلى دراية بحجم الخلافات وطرق حسمها لكنه كان ينتظر الأقدار التى كان تخفى له الرحيل الغامض، وعلى طريقة مغالتى الرئيس الراحل أنور السادات، الذين كللت جريمتهم بالبراءة، حصل المتهمون باغتيال المحجوب أيضا على البراءة وضاع حق السياسى المدافع عن ثروات مصر، كما ضاعت دماء الزعيم المدافع عن تراب مصر .
كان قرآن الجمعة قد اقترب على النهاية بينما كان يعبر موكب المحجوب كوبرى قصر النيل، متجها إلى شارع كورنيش النيل، وفجأة انشفت الأرض وظهر منها 4 أشخاص مسلحون يستقلون دراجتين بخاريتين، وقاموا بإطلاق الرصاص على الموكب، حيث تم استهداف المحجوب بنحو 80 رصاصة متفرقة في جسده، فلقى مصرعه ومقدم الشرطة المكلف بحراسته وسائق سيارته وموظف بمجلس الشعب كان برفقته، ووصف المجتمع عملية اغتيال المحجوب بأنها ثانى أكبر عملية اغتيال بعد عملية اغتيال الرئيس السادات.
كان الشهيد الدكتور المحجوب، من أكثر المدافعين عن ثروات الأمة، وكان أكثر الرافضين، لقانون الخصخصة فى مجلس الشعب عام 1988، وتنازل في هذه الجلسة عن مكانه بالمنصة ورئاسة المجلس، ليدافع عن حقوق الشعب والحفاظ علي ممتلكات الدولة، وقال جملته الشهيرة : بيع القطاع العام علي جثتى، كما فضح المحجوب، الوزراء السماسرة الذين تورطوا فى الصفقة المشبوهة، كما أن لـ "المحجوب"، مواقف وطنية أخرى كثيرة، منها اعتذاره عن رئاسة جلسة التصويت لدخول العراق، وقيل إن مجلة "المصور"، أصدرت عددا كاملا يخص هذا الأمر فى ١٩٨٨، وتم سحب أعداد المجلة من الأسواق وحظرها، كما أن التليفزيون المصرى قام بتسجيل تفاصيل الجلسة وتم التحفظ على شريط الفيديو داخل مكتبة التليفزيون، تخوفا من فضح أمر مسئولى النظام وقتها.
وأكدت ابنة المحجوب، أن وراء رحيل والدها صفقة تصفية من قبل نظام الراحل مبارك، موضحة أنه تم تغيير خط سير موكبه فى يوم استشهاده، مشيرة إلى أنه تم منعهم من التحدث عن اغتيال والدها، قائلة : اللي طلبوا مننا نسكت مش موجودين.
وتابعت ابنة المحجوب : روايات شهود العيان والرسامين الجنائيين الذين تمت الاستعانة بهم رسموا وجوها لأشخاص أجابن تقترب للتراكوة، أو أبناء أهل الشام، حيث إن اللكنة التى كانوا يتحدثون بها –مثلما قال شهود العيان-، لم تكن مصرية، مشيرة إلى أنه على الرغم من ذلك إلا أن الأمن المصرى وقتها أعلن مسئولية الجماعة الإسلامية عن عملية اغتيال المحجوب، واستمرت المحاكمة لمدة عامين وتم منع أسرته من حضور الجلسات، حتى حصل المتهمون على البراءة.
وأوضح أيمن، نجل الشهيد المحجوب، أن وراء اغتيال والده قيادات فى نظام الرئيس الراحل مبارك، مشيرا إلى أنه –أى نجل المحجوب-، تعرض للتهديد من أحد كبار مسئولى قصر الرئاسة فى عهد مبارك، بالصمت وعدم الحديث عن واقعة استشهاد والده إذا كان يرغب فى الحياة هو وأخوته.
كان المحجوب يقطع جميع الطرق على خصومه اللذين كان يثيرون حوله الشائعات، وعندما سافر المحجوب على رأس وفد رفيع المستوى ضم نحو 20 مصريا، فى أبريل 1990 إلى بغداد بتكليف من مبارك، للقاء الرئيس العراقى صدام حسين، حيث كان تلميذا لـ "المحجوب"، فى جامعة القاهرة، لبحث حل سلمى للمشكلة العراقية الكويتية، وبعد الزيارة أهدى صدام، الوفد، سيارات مرسيدس، وكان قد اشتهر المحجوب منذ رئاسته للبرلمان، فى 1984، بأنه لا يقبل الهدايا، إلا أنه قبلها من صدام، وقيل إن تعليمات خصوم المحجوب، صدرت لممثلى المعارضة تحت قبة البرلمان، لتتهم المحجوب بالفساد والرشوة والحصول على هدايا، إلا أنه قطع الطريق على خصومه من رجال النظام، حيث عرض تقرير الزيارة فى اولى الجلسات لدى العودة من العراق، أن الرئيس العراقى، أهدى مصر عددا كبيرا من السيارات المرسيدس، وكل أعضاء الوفد المرافق تنازلوا عنها لمصر، وتم تسليم أوراق السيارات إلى وزارة المالية المصرية للإفراج عنها والتصرف فيها كممتلكات للشعب المصري.
جدير بالذكر أن المحجوب، حصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة عام 1948، ثم الدراسات العليا في القانون العام من كلية الحقوق والعلوم الاقتصادية بجامعة باريس بفرنسا عام 1950، ودبلوم الدراسات العليا في الاقتصاد من جامعة باريس العام 1951، وحصل على الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة باريس العام 1953، ثم عاد إلى مصر عقب ثورة 52 حيث تدرج في عدة وظائف في جامعة القاهرة حيث تولى عمادة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية العام 1971.
وفي عام 1972 اختاره الرئيس محمد أنور السادات، وزيرا برئاسة الجمهورية، وفي عام 1975 عينه السادات، نائبًا لرئيس الوزراء برئاسة الجمهورية، كما انتخب أمينا للإتحاد الاشتراكي العربي بعام 1975، وفي 23 يناير 1984 تولى رئاسة مجلس الشعب المصري التي ظل يتولاها حتى اغتياله فى 12 أكتوبر 1990.
وحصل المحجوب علي عدة جوائز وأوسمة رفيعة منها وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى 1963 من الرئيس جمال عبد الناصر ووسام الجمهورية من الطبقة الأولى 1975 من الرئيس أنور السادات وجائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية من المجلس الأعلى للثقافة، عام 1980.