أرسل له الملك فيصل 100 فارس ليشيعوا جثمانه ... قصة ”البطريرك” الذى شارك فى جنازته ٥٠ ألف مسلم
"غريغوريوس حداد" .. البطريرك الذي شارك في جنازته 50 ألف مسلم في دمشق، كان فى الظاهر بطريرك يؤمن برسالته الروحانية والدينية التى تعلم فيها أن يتعامل مع الناس بخلق الإسلام، فعند إطلالته والنظر إليه تدرك من الوهلة الأولى أنه مسيحى، إلا أنه عند التعامل معه تضرب أخماسا فى أسداس، حيث إن أفعاله ومواقفه تكشف عن أنه أحد شيوخ أئمة السماحة والإنسانية فى الإسلام، بل وكان يتفوق فى كثير من المواقف على بعض الإسلاميين فكان يطبق شرائعه وهو على غير الملة حتى لقبه الإسلاميون فى عهده بألقاب تكشف اعتناقه للإنسانية فأطلقوا عليه اسم "محمد"، ولقبوه بـ"أبوالفقراء"، كما أن مشهد جنازته كان معبرا عن حب الجميع من حوله حيث كان فى وداعه ما يزيد على 50 ألف مسلم دمشقى فى سوريا، وحاول المسلمون الدخول بجثمانه إلى أحد المساجد للصلاة عليه، إنه البطريرك "غريغوريوس حداد"، الذى كانت تتسابق دموعه مع مشاعره عندما ترتجف أذنه من سماع القرآن الكريم، حيث كان يصنع حالة من الخشوع ليستمتع بالروحانيات .
تشير المخطوطات التاريخية، إلى أن ظهور درجة الإنسانية التى كانت يتميز بها البطريرك "غريغوريوس حداد"، ظهرت فى الحرب العالمية الأولى (١٩١٤ - ١٩١٨) عندما واجه الشعب اللبنانى مجاعة "سفر برلك "، فجمع البطريرك كل القوى التى يمتلكها وسخرها ليتمكن من مساعدة الجائعين والبائسين بل وقيل إنه قام ببيع أملاكا وأوقافا تخص الطائفة في سوريا ولبنان، ليوفر الطعام لكل محتاج، دون النظر أو الارتباط بالعرق أو الدين أو الطائفة.
ومن بين المواقف التى تكشف إنسانية البطريرك "غريغوريوس حداد"، أنه ذات يوم كان يطل من نافذة غرفته المطلة على ساحة البطريركية، يراقب الشماس أثناء توزيعه الخبز على طالبيه وفوجئ بأن الشماس قام برد إحدى السيدات المسلمات، مؤكدا لها أن القمح انتهى ونفد من المخازن، وهنا تسابق البطريرك "غريغوريوس حداد"، مع خطوات المرأة التى كادت تغادر المكان وهى تبكى، فحاول البطريرك "غريغوريوس حداد"، أن يعطى الشماس درسا فى الإنسانية والأدب فنادى على المرأة وقال : أعطني رغيف خبز، وتذوق قطعة منه وظل يقلبه بين يديه ثم فاجأ الشماس بقوله : لم أقرأ على الخبز أنه الرغيف مكتوب عليه أنه مصنوع من للمسيحي الأرثوذوكسي .. يا بني ادفع الصدقة لطالبها، ولا تحرمنا الأجر والثواب"، وأعطى المرأة المسلمة حقها.
ومن بين المواقف الإنسانية التى ظهر فيها البطريرك "غريغوريوس حداد"، عندما طلب أحد الأشخاص، من البطريرك حسنة، فسأله أحد الإكليريكيين المرافقين له عن طائفته، وهنا قاطعه البطريرك "غريغوريوس حداد"، وقام بنهره بقوله : هل تمنع عنه الصدقة إذا كان من طائفة غير طائفتك؟، وتابع : أليس يكفيه من الذل قيامه بمد يده إليك لتذله أنت بسؤالك عن عقيدته؟.
كما تعرض المخطوطات التاريخية رواية تظهر مدى تعلقه بالإسلام والقرآن الكريم، عندما كان في دمشق شيخ يدعى "محمد شميسم"، وكان ضريرا ويمتلك صوتا رقراقا فى تلاوة القرآن الكريم، وذهب إلى البطريرك "غريغوريوس حداد"، يشكو له أحد أبناء رعيته بدَيْنٍ له عنده، فوعده البطريرك "غريغوريوس حداد"، بتحصيل دَيّنِه، وربط ذلك بأن يتلو الشيخ على مسامعه سورة "مريم" ، فاستجاب الشيخ المسلم لطلب البطريرك "غريغوريوس حداد"، والذى تربّع متأدّباً وجلس فى هدوء يتلو بصوته الجميل السورة الكريمة حتى انتهى منها كاملة، وكشف مرافق الشيخ الضرير أن منظر البطريرك "غريغوريوس حداد"، كان يؤكد أنه متأثر بكل كلمة كان يتلوها الشيخ حيث كان الصمت والتأثر ظاهرا على وجه البطريرك "غريغوريوس حداد"، الباكى، حيث امتلأ وجهه بدموع الخشوع التى وصلت إلى لحيته ومنها إلى صدره، وفور انتهاء الشيخ من التلاوة توجه البطريرك "غريغوريوس حداد"، إلى غرفته الخاصة وأحضر قيمة الدين المستحق للشيخ، وسلمه إياه.
وكان المشهد الأخير لوداع البطريرك "غريغوريوس حداد"، كاشفا عن مدى تأثر المسلمين به، حيث رحل البطريك الإنسان عن الحياة فى عام 1928، فتم نقل جثمانه بموكب نادر من بلدة سوق الغرب إلى بيروت، حيث تم نقل جثمانه إلى دمشق على عربة مدفع، وتم تشييع الجثمان بحضور 50 ألف مسلم، تقدمهم عدد كبير من شيوخ المسلمين، وتردد أن المسلمين أرادوا الصلاة عليه في الجامع الأموي الكبير، كما أن الملك فيصل الأول أرسل نحو 100 فارس من الخيالة إلى دمشق، للمشاركة فى مراسم تشييع جثمان البطريرك "غريغوريوس حداد"، وتم إطلاق 100 طلقة مدفع أثناء وصول جثمانه إلى سوريا.