الزعيم قال إن الشاه باع نفسه بثمن بخس .. عندما اتهم محمد رضا بهلوي عبد الناصر بتمويل مظاهرات الإيرانيين ضده بـ150 ألف دولار

ناصر والشاه وخميني
ناصر والشاه وخميني

في 5 يونيو عام 1963، اندلعت المظاهرات فى إيران ضد الشاه محمد رضا بهلوي، اعتراضًا على بعض الأمور الداخلية، فما كان من الشاه إلا أن توجه باتهامات مباشرة للرئيس الراحل جمال عبدالناصر بتحريك التظاهرات، بل وتمويلها.

بالطبع، لم يكن بهلوي ليصدر هذه الاتهامات بشأن عبدالناصر دون أن تكون هناك مقدمات لذلك، فالعلاقة بينهما كانت فى مجملها سيئة، وكان الموقف من إسرائيل سببا رئيسيا فى ذلك، ففى 24 يوليو عام 1960 أعلن «بهلوى» اعترافه رسميا بدولة إسرائيل كأمر واقع ومسلم به، فرد عبدالناصر بعنف فى خطاب شعبى قائلا: «شاه إيران باع نفسه بثمن بخس للمستعمرين، ولوكان الشاه قد باع نفسه رخيصا، فليس من الممكن أن تبيع الأمة العربية نفسها بالذهب والكنوز.. إن الأمة الإيرانية لن تخضع لحكومة المستعمر، وهذا ليس بإمكان الصهيونية الدولية التى تحكم فى إيران، ولا نرى ضرورة لإبقاء سفارتنا فى هذه الدولة».

ووفقا للكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل فى كتابه «سنوات الغليان»: «ردت وزارة الخارجية الإيرانية ببيان رسمى جاء فيه بالنص:«إن وكالات الأنباء الأجنبية نقلت مساء اليوم تصريحات مجنونة لجمال عبدالناصر تعرض فيها للمؤسسات المقدسة فى إيران، ولكن هذا الفرعون المصرى الأحمق يشوه حقائق موقف الحكومة الإمبراطورية الشاهانية، إن تصريحات جمال عبدالناصر الغبية والشريرة والرخيصة لا تليق برئيس دولة، ولكن هذا لا يدهش جلالة الإمبراطور الذى يعلم أن ذلك الرجل قفز إلى السلطة على أساس غير شرعى».

ردت «الخارجية المصرية» بأن أمرت السفير المصرى فى إيران بمغادرة طهران فى ظرف 24 ساعة، ويعلق هيكل:«كان خطاب جمال عبدالناصر عنيفا، وجاء رد الشاه بذيئا، والواقع أن العلاقات بين الرجلين لم يقدر لها أن تكون طيبة فى يوم من الأيام».

عميل مصري

غطت الصحف الإيرانية أنباء المظاهرات التى عمت إيران يوم 5 يونيو 1963، وسقط خلالها قتلى وجرحى وجرى اعتقال أعداد بغير حصر، ويذكر فهمي هويدي فى كتابه «إيران من الداخل»، أن الصحف الإيرانية خرجت يوم 6 يونيو 1963، وهى تعلن نبأ خروج المظاهرات، مشيرة إلى أن الذين حركوها هم بعض التابعين لرجال الدين، ومن بينهم «مستر خمينى».

كما ذكرت «نهان جورنال» على صفحتها الأولى، أن المتظاهرين «خونة»، ثم توالت البيانات الرسمية التى أشارت إلى أن قادة المظاهرات قبضوا أموالا بملايين الريالات جاءت من الخارج.. وبعد عشرة أيام، أي فى يوم 16 يونيو، أذيع أن الرئيس جمال عبدالناصر يقف وراء مظاهرات 5 يونيو، وأن عميلا لمصر اسمه محمد الغيزى اعترف بذلك بعدما ألقى القبض عليه.

وفيما يذكر«هويدى» أن المقبوض عليه اسمه «محمد الغيزى»، يذكر الكاتب محمد سيف الدين أن اسمه«عبد القيس جوجو»، ويذكر فى مقال«عبدالناصر وإيران» موقع «المنتدى العربى لتحليل السياسات الإيرانية»، أنه دخل من لبنان إلى مطار«مهر آباد» فى الأول من يونيو، وحينما أثار شك مسؤولى الجمرك قاموا بتفتيشه فوجدوا بحوزته مبلغا من المال يعادل مليون تومان «العملة الإيرانية» وفى التحقيقات اعترف بأن المبلغ المذكور أحضره من قبل جمال عبدالناصر، وقال شاه إيران فى أعقاب ذلك: «من المؤسف أن يأخذ رجال الدين الشيعة فى إيران الأموال من حكومة سنية فى مصر لإسقاط نظامهم».



اتهامات باطلة

ينقل «سيف الدين» عن العميد «منوجهر هاشمى»رئيس إدارة مكافحة التخابر على السفاك «جهاز الأمن السرى الإيرانى»، أن التحقيق الدقيق على هذا الملف يتضح منه أنه لا يوجد أى دليل يشير إلى أن هذا المال أرسله عبدالناصر، ومن المحتمل أن الضابط الذى أجرى التحقيق بسبب قلة خبرته، أومن وجهة نظر أخرى أنه كان شابا مثلا ويبحث عن الشهرة، فقام بالتأثير على المترجمين الذين كانوا حديثى العمل وأوعز إليهم أن يفهموا هذا الشاب أن السبيل الوحيد لخلاصه، أن يجيب لكل شخص يسأله من أعطاه هذا المال، بأن جمال عبدالناصر هو الذى أعطاه له للدعاية ضد النظام وتنفيذ عمليات تخريبية فى إيران.

يضيف«سيف الدين»، قيل أيضا أن هذا المال كان يخص تاجر شهير يبيع الجواهر فى طهران، ويجرى صفقات مع دول العربية من بينها لبنان،والمال الذى وجدوه بحوزته أحضره لعقد صفقة جديدة.

تأميم البترول

يشير محمد حسنين هيكل فى كتابه «مدافع آية الله» أن خيوط اتهامات الشاه لعبدالناصر، بدأت قبل أحداث 5 يونيو بسنوات، وتحديدا بعد فشل حركة محمد مصدق رئيس الحكومة ضد الشاه يوم 19 أغسطس 1953، وكانت خطوة مصدق بتأميم البترول الإيرانى هى عنوان حركته أوثورته، وانضم إليه آية الله سيد كاشانى الذى أصبح رئيسا للبرلمان.

وفقا لهيكل:«جرى اعتقال مصدق وبعض مؤيديه، واختبأ البعض الآخر»،ويذكر«كورتيس» «كورتيس»:«خبت صورة كاشانى من المشهد السياسى بعد 1953، لكنه عمل مرشدا ومعلما للخمينى، ووسم موت كاشانى فى 1961 بداية صعود خمينى الطويل للسلطة».

ويذكر هيكل أن الخمينى بعد صعوده فى معارضة الشاه اتخذ خطوات لمساعدة هؤلاء الذين قتلوا فى انقلاب مصدق، أوالذين اختفوا أواضطروا للذهاب للمنفى، كما بعث برسائل لجميع رؤساء دول العالم الإسلامى والعربى يطلب منهم مساعدات فى هذا المضمار، ومن بين كل من تسلموا الرسائل لم يستجب سوى الرئيس جمال عبدالناصر.

فى ذلك الوقت كانت مصر وسوريا كيانين فى الجمهورية العربية المتحدة، وأمر الرئيس جمال عبدالناصر بإرسال مبلغ 150 ألف دولار عن طريق عبدالحميد السراج رئيس المكتب التنفيذى للإقليم الشمالى سوريا فى دولة الوحدة، لتوضع تحت تصرف لجنة الإعانات، وغادر بيروت إلى طهران شخص لبنانى يعمل مع السراج، لكنه حينما وصل ألقى القبض عليه.

يضيف هيكل أن الشاه توجه بخطاب إلى القيادات الدينية، ودون أن يذكر الخيمنى بالاسم، يسألهم فيه عن رأيهم فى زعيم شيعى مشهور كان على استعداد لقبول أموال من غير الشيعيين..فى اليوم التالى أعطى الخمينى جوابه فى حوزته..قال:«آن الآوان لأن تنتهى»التقية«وأن نقف ونعلن مانؤمن به»، ثم اقتبس جزءا مما قاله الشاه فى الإذاعة وعلق قائلا:«لست فى حاجة إلى نقود، فالهبات التى تجىء حوزتى تغطى كل احتياجاتها، والنقود التى أرسلها جمال عبدالناصر لم تكن مرسلة لى، وإنما للجنة المساعدات لسد احتياجات الأرامل والأيتام، هؤلاء الذين ترملوا وتيتموا جراء حكم الشاه وحكم أبيه من قبله، وانتهز الفرصة لأعلن نهاية «التقية».

تم نسخ الرابط